وربما تكون هذه مهمة مستحيلة بالنسبة إلى بورتر غوس، مدير الوكالة الجديد، الذي يحاول أن يجعل الوكالة مستعدة لتحمل المسؤولية عن سلسلة الأخطاء والمشاريع الفاشلة التي لا يمكن إنكارها، كما يسعى في المقابل لتوطيد ولاءها في نفس الوقت لإدارة بوش. إن ما يسعى إليه غوس هو وضع خطة خالية من الأخطاء. إنه يطعن ثعبانا شريرا، بعصاة بالغة القصر. \r\n ولكن الصينيين يمكن أن يستخدموا تشبيها حيوانيا مختلفا وهم يصفون هذا الوضع: يلجأ غوس إلى كسر رقاب الدجاج، حتى يخيف القرود التي لا يسهل الوصول إليها. وباعتباره جاسوسا سابقا، وعضوا سابقا بمجلس النواب، فقد أجبر غوس اثنين من قادة العمليات الخاصة في الوكالة، على مغادرة مواقعهما، كما أن لديه استراتيجية واضحة للتخلص من كل من يعرقل عمله أو يتحداه. \r\n ويحارب هؤلاء المبعدون، أو مؤيدوهم داخل الوكالة، بالأساليب التي يعرفونها جيدا، وهي تسريب رواياتهم عن الأحداث، مع المذكرة الأولى الصادرة عن غوس، إلى الصحافة، من دون بصمات على الوثائق المسربة. وبما أنهم مدربون على استخدام الأساليب السرية في خدمة الأمة، فإنه لا يصعب عليهم أن يستخدموا الأساليب ذاتها لخدمة مصالحهم الخاصة. فالوله بالشهرة وبالأجور الكبيرة، تتأجج نيرانه الباهرة حاليا حتى في العالم السفلي. وقد وضح هذا بصورة لا يمكن أن تخطئها العين عندما قرر الكاتب صاحب المبيعات الأعلى، والجاسوس مع ذلك: مايكل شور، أن يستقبل غوس بتقديم استقالته من وكالة الاستخبارات المركزية، ويحيل كل الاستفسارات الواردة إليه إلى مديره للعلاقات العامة، كما نشرت واشنطن بوست، من دون إيحاء بغرابة الأمر أو خروجه على المألوف. \r\n الخداع هو أسلوب حياة الجاسوس، الذي تعتمد حياته على الجمع بين البلاغة والكذب، بين الكذبة وجاذبية السرد. الخطر الدائم هو شروعهم في الكذب على أصدقائهم ورؤسائهم بنفس الطريقة التي يكذبون بها على أعدائهم. وأن يتطوروا في ذلك حتى يكذبوا على أنفسهم. إن تخويل السلطة ينطوي على التنبؤ بالطريقة التي يمكن أن تستغل بها. والابتزاز الذي مارسته الوكالة أخيرا في حرب العراق يبرهن هذه النقطة. \r\n في هذا الاتجاه، يسدد السناتور ماكين ضرباته ويصف الوكالة بأنها «معطوبة»، و«مارقة». وقد ورد صدى من ذلك في مذكرة غوس التي أشارت التقارير الى أنه قال فيها «ليست مهمة الوكالة أن توافق على، أو تدعم، أو تشجع الجهات المعادية للإدارة وسياساتها». \r\n وقد أعلن شور، الذي مال فجأة إلى الثرثرة، بعد أن تأكد أن كيري قد انهزم، أن رؤساءه كانوا يعبرون عن سرورهم له، لأنه كان يفعل ما جاءت به المذكرة على وجه التحديد. ولكن غوس أخطا خطأ كبيرا عندما قال إن على الوكالة «أن تدعم الإدارة وسياساتها في أعمالنا». إن عليه أن يسحب هذه العبارة، وأن يركز بدلا عنها،على وعده بأن «ندع للحقائق وحدها أن تتكلم لصانع القرار». \r\n نعم، هذا صحيح. ولكن أية حقائق يا ترى؟ وبأية وتيرة صوتية؟ \r\n عندما طلبت إدارة كلنتون «حقائق» تعارض الضربات الانتقامية ضد مفجري المدمرة كول، فإن ممثلي الوكالات الإخبارية قد صرخوا في وجوههم وهي يرددون هذه هي «الحقائق». وعندما قرر الرئيس بوش أن الزعيم العراقي أحمد شلبي لم يعد مريحا سياسيا، «جمعت» الوكالة الحقائق باختلاقها، ونشرت أكثرها قذارة على صفحات المجلات. \r\n وإن أية محاولة لتحويل الانتخابات العراقية المقبلة لخدمة علاوي، ستكون خيانة لقيم الديمقراطية التي دخلنا من أجلها العراق. وفي نهاية المطاف فإن على بوش أن يقرر كيف يمكن لوكالة تقوم على السرية والخداع، أن تكون منسجمة مع المجتمع الأميركي المفتوح، ومع وعوده بجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط. وربما تكون هذه هي المهمة المستحيلة التي ستتحطم عليها وعود بوش المجلجلة حول الحرية. \r\n وحينها سيدخل بوش نفسه في متاهة المرايا. وهي العبارة التي استعارها جيمس إيغلتون، الذي كان يعمل لدى السي آي إيه قبل وفاته، من تي. إس. إليوت. وهي كذلك عنوان كتاب رائع وشيك الصدور حول الجواسيس والحقيقة وغياب النتائج، وهو كتاب يجب أن يقرأه غوس، ربما لأنه يقول إن تجربة إنغلتون توضح أن مهنة التجسس لا تجذب المختلين عقليا فحسب، بل تخلقهم كذلك. \r\n ويقول كتاب «خديعة الخادعين»، إن كيم فيلبي لم يكن جاسوس القرن، بالنسبة للكي جي بي، كما يعتقد الكثيرون، بل كان يستخدم في عملية تضليل كبرى من المخابرات البريطانية، لإقناع موسكو بأنها تواجه مستودعا نوويا هائلا تملكه بريطانيا والولايات المتحدة، مع أنه في واقع الأمر لم يكن موجودا، وكان ذلك في بداية الحرب الباردة. \r\n مؤلف الكتاب، إس. جي، هاميرك، الدبلوماسي الأميركي المتقاعد، والذي كان من الشخصيات الأسطورية في تحليل استقلال الدول الإفريقية، واحتمالات حروب التحرير، ليس من أولئك المولعين بذم السي آي إيه. ولكن عمله التاريخي ينبه الأنظار إلى الخطر الأبدي المتمثل في تعامل الجواسيس مع الحقيقة، وكأنها نوع من التجارة، وخفة الآخرين في تصديقهم بصورة كاملة. \r\n \r\n * خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط» \r\n \r\n \r\n