\r\n والجندي ليران رون فورير، مؤلف الكتاب، عكف على انجازه خلال زيارة قام بها الى الهند بعد انهاء خدمته العسكرية، حيث يستعرض ما تعرض له من أحداث ومواقف، وبالتالي فهو يقدم ما يجري على تلك المعابر الوحشية بلسانه ومن دون تدخل أو تغيير. وربما لهذا بالضبط فإن عمله يظل جديراً بالاهتمام والمناقشة. \r\n \r\n الكتاب الذي نناقشه هنا يعد واحداً من أبرز الكتب التي صدرت في إسرائيل مؤخراً وأثارت ضجة، فلم يكن من السهل على مؤلف الكتاب وهو الجندي ليران رون فورير أن يجد دار نشر تتبنى كتابه الذي سرد من خلاله مدى التدهور الأخلاقي الذي وصل له الجيش الإسرائيلي في تعامله مع المواطنين الفلسطينيين على الحواجز. \r\n \r\n في عدد صحيفة «هآرتس» الصادر في 2/5/2004 كتب الصحافي جدعون ليفي مقالاً أشاد فيه بجرأة الجندي ليران داعياً بقية الجنود إلى إتباع المنهج نفسه في كسر حاجز الصمت، والتحدث عما يجري في المناطق الفلسطينية وعلى الحواجز. ومما جاء في مقاله: «متى سيبدأ الجنود في فتح أفواههم؟ متى سيعذبهم ضميرهم؟ \r\n \r\n ومتى سيعودون إلى منازلهم ويقولون الحقيقة حول ما فعلوه إبان خدمتهم العسكرية في المناطق الفلسطينية؟» يستطرد الكاتب: «في الآونة الأخيرة ظهرت عدة مؤشرات إلى أن هذه العملية التي لا مناص منها قد أصبحت على الأبواب، فبعد أن رفع الرافضون للخدمة صوتهم، جاء دور الجنود المتحدثون، وهم ليسوا من الرافضين للخدمة ومستعدون لمواصلة تحمل تبعات عملهم، إلا أنهم على الأقل يعودون إلى منازلهم ويروون الحكاية على علاتها. \r\n \r\n الجنود وحدهم يستطيعون تحطيم الدائرة السحرية التي تعتم على ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة، على الأقل يتوجب على الأقلية الضميرية في صفوفهم أن تنهض وتبدأ الحديث، جندي منهم قام بذلك وهو ليران رون فورير، ضميره عذبه فقام بخطوة مهمة، وكما فعل هو، يجب أن يفعل الآخرون، ليقوموا بسرد الحكاية لنا، كيف قتلوا أو سجنوا أو أهانوا الناس بلا سبب. \r\n \r\n روايتهم الشخصية لا يمكن أن يتم نفيها أو تكذيبها، هم كانوا هناك، وهم جنود في الجيش الإسرائيلي وليسوا من أعداء إسرائيل.يتحدث المؤلف الجندي في هذا الكتاب الصغير عن مجموعة من المواقف التي واجهته خلال أدائه للخدمة العسكرية في المناطق الفلسطينية، وكيف جعلت منه تلك الفترة، إنساناً عنيفاً قاسياً ينكّل بالناس ويعذبهم بلا وازع أو رادع. \r\n \r\n عرض هذا الكتاب سيتم في معظمه من خلال السرد بلسان الجندي، لتبقى روايته أو مذكراته كما هي دون تدخل مباشر أو تغيير، وسيكون هناك تعليق على كل حلقة من الحلقات. \r\n \r\n تعب من السترة الواقية \r\n \r\n يبدأ المؤلف ليران رون فورير كتابه بمقدمة قاسية يعبّر فيها عن مشاعره خلال زيارة قام بها إلى الهند، جعلته بعيداً عن مكان الحدث (إسرائيل والمناطق الفلسطينية)، حيث حاول أن يستعيد ملامح إنسانية مفقودة. (سلام عليكم يا أبناء البشر.. أيها العبيد الصغار.. كيف حالكم؟ لم يعد يهمني، كما أنه لا يوجد هناك أمر له قيمة .. \r\n \r\n لقد أصبحت حراً، وبعيداً جداً عن هذه القذارات التي لديكم في بلدكم القذر ..(المقصود إسرائيل) لن أعود إلى حياتكم، فقد أصبحت محرراً. إن وجودي في الهند، فتح عيني على الكثير من الأشياء. لقد أصبحت أدرك خططكم وبرامجكم وكيف خدعتموني، حتى وصلت إلى درجة نسيتُ خلالها نفسي ومَنْ أكون. \r\n \r\n لقد قمتم بإرسالي إلى غزة، وقبل ذلك غسلتم دماغي عبر بنادقكم وأسلحتكم، إن عملياتكم العسكرية جعلت مني خرقةً بالية، إنني غير قادر على التفكير، عاجز عن متابعة حياتي، إن الشيء الوحيد الذي منحني القدرة على الصمود والبقاء على قيد الحياة مع ما تبقى لي من عقلي، هو المخدرات، فلولاها لأُصِبت بالجنون. \r\n \r\n أنتم الذين عكفتم على استخدامي مثل إنسان آلي، والآن فقط في هذه البلاد البعيدة وفي إحدى السواحل الهندية، أدركت كل شيء، واستعدت جميع الذكريات واسترجعْتُ كل ما شهدته من أحداث، وأدركت ما حاولتم فعله بي. أنا إنسان آخر، لم أكن ذلك الشخص الذي رغبت أن أكونه، إنني شخص مختلف. \r\n \r\n أنا الآن بعيد وحر، ولن يكون بمقدوركم على الإطلاق إعادتي إلى النقطة نفسها، لاسيما بعد أن أبصرت الأمور على حقيقتها. تباً لكم، ولتذهبوا إلى الجحيم، فأنا الآن حر طليق ولا مجال لأن أسقط ثانية في شباككم التي نصبتموها، لقد أضحيت أرى الحقيقة، فلن أعود.. لن أعود أبداً». \r\n \r\n وينتقل «ليران فورير» الى الحديث عن أول دورية عسكرية يعمل بها ويقول: «لقد شعرت بالانفعال حقاً، فالتوتر كان نصيب الجميع، فهي المرة الأولى التي نقف فيها على الحاجز، تحدثنا مع السكان العرب بشكل جيد، كما قمنا بتفتيش السيارات بشكل دقيق. ولكن سرعان ما أدرك هؤلاء الفلسطينيون أننا جنود جُدد، عندها ابتسموا. \r\n \r\n لكن هذه الابتسامات لم تكن تعدو كونها نوعاً من السخرية بنا، وبالفعل سخروا منا، فبعدما كنا نسمح لهم باجتياز الحواجز والمرور، كانوا يصفرون بهدف إغاظتنا وإثارة أعصابنا، أو ربما إخافتنا».بعد انتهاء أول مهمة لفورير على الحاجز، إنتهى القلق والتوتر وأخذ يتكيف مع ذلك العمل وما ينطوي عليه من تجاوزاتز \r\n \r\n حيث يقول «لقد تعلمنا الدرس وكيفية العمل على هذه الحواجز، مما جعلنا نشعر براحة أكثر، كما أن العرب لم يعودوا مصدر خوف لنا، وأدركنا رويداً رويداً بأن العرب يهدفون إلى بث الرعب والخوف في قلوبنا، لكنهم لا يستطيعون، لأننا نحن الذين نحدد إن كانوا سيتوجهون إلى العمل أم لا، كما أنه بوسعنا أن ننغص عليهم حياتهم ونجعلها جحيماً لا يطاق. لقد أقتنعتُ بما قاله أحد الجنود :« كلما أخفنا العرب أكثر، كلما ساد النظام على الحواجز». \r\n \r\n لم ينتهِ القلق فحسب، بل تحول العمل على الحاجز، إلى شيء أشبه ما يكون بالمتعة أو التسلية وهذا ما عبّر عنه فورير حينما تحدث عن ساعات الليل أو الظهيرة التي تكاد تخلو من السيارات والناس الراغبين في تجاوز الحاجز بحيث يصبح العمل مملاً، بل أنه يكاد يموت من شدة الملل . \r\n \r\n كما يقول: في بعض الأحيان تشعر بأن الملل يصل بك إلى حد الموت، لاسيما في الساعات المتأخرة من الليل أو عند الظهيرة حيث لا توجد سيارات تمر عبر الحواجز، ولكن بعد مدة من الزمن، بدأنا ترتيب الأمر، بحيث لا نشعر بالملل، إذ نعمل أربع ساعات على الحاجز، ونستريح أربع ساعات أخرى، وبهذا يكاد لا يخلو الحاجز من السيارات والناس. \r\n \r\n لقد كنا طيلة الوقت ضمن طواقم ثابتة، وبعد عشر مناوبات إلى خمس عشرة مناوبة، أي حوالي (60) ساعة عمل، لم يعد هناك شيء جديد نتحدث عنه، لذلك، إذا ظهرت إحدى السيارات على الحاجز فجأة فإننا كنا ننقض عليها وبحماس ونقوم بتفتيشها بشكل دقيق، فنحن نرغب في قضاء الوقت وقتل الشعور بالملل. \r\n \r\n في بعض الأحيان كنا نشعر بالفرحة عندما نرى الناس يأتون إلى الحواجز في ساعات الصباح الباكر، إذ أن السيارات تبدأ بالوصول الواحدة تلو الأخرى، وما أن تصبح الساعة السادسة صباحاً، حتى يتكون طابور طويل. وعلى الرغم من هذا الضغط وصفير السيارات إلا أن الوقت يمضي بسرعة. \r\n \r\n في إحدى المرات، رأيت سيارة يركبها مجموعة من الشباب العرب، والموسيقى تصدح في الأجواء، أخرجوا بطاقات هويتهم مستعدين للتفتيش، اقتربت منهم وطلبت إسكات صوت المسجل، فرد عليّ أحدهم: (مستحيل أيها الجندي)، وقام السائق بحركة ما وعبث بالراديو. \r\n \r\n والجالسون في المقعد الخلفي، بدأوا يتهامسون معاً ويضحكون، وعلى الفور أطلقت رصاصة في الهواء، وخلال ثانية واحدة كانت أنغام الموسيقى قد توقفت، وقام زميلي الجندي كفير بإطلاق النار على عجلات السيارة، مما جعل هؤلاء الشباب عالقين على الحاجز بضع ساعات. إنهم بهذه الطريقة يتعلمون الدرس، يجب عليهم أن لا يتحدونا». \r\n \r\n في المناوبة الليلية \r\n \r\n انتقل الجندي «فورير» للحديث عن الحياة اليومية التي يعيشها هو ورفاقه على الحاجز، إن المقطع التالي الذي يبدو أقرب للسيرة الذاتية يبين لنا بشكل واضح مدى التوتر والضغط النفسي الذي يعيش به هؤلاء الجنود، حتى أنهم يتشاجرون مع بعضهم البعض لأتفه الأسباب. \r\n \r\n يقول المؤلف «في مناوبة ليلية كلها ملل قاتل، فلا يوجد ما نتحدث بشأنه، كل شخص في الثكنة العسكرية يبحث عن وسيلة يقضي بها وقته. زميلي «شاحر» قام بتفكيك نقطة إطلاق النار التابعة للحاجز، وسحب أكياس الرمال وأعاد ترتيبها على شكل أكوام، أما «بوعاز» فقد كان نائماً في برج الحراسة. \r\n \r\n كم تمنيت لو يتسنى لي النوم في البرج والجلوس على كرسي، وربما أنظر للمرة المليون على صور المطلوبين لقوات الأمن «الإسرائيلية»، مما جعلني أحفظ قسمات الوجه عن ظهر قلب وكذلك الأسماء، وبدأت أتخيل كيفية الإمساك (بمخرب؟) خطير أو أولئك الموجودين في الصور. \r\n \r\n تركت أحلامي، وتعبت من السترة الواقية التي أرتديها، فخلعتها ووضعتها جانباً على طرف الطاولة، فأنا مرهق إلى حد كبير. في وسط هذا الهدوء المخيّم على الحاجز، شعرت فجأة بأن هناك جلبة مثيرة آتية من البرج، فانطلقت إلى الخارج، وشاهدت شاحر يرمي الحجارة بإتجاه بوعاز ويصرخ بجنون، لقد كان من المفترض أن يصعد «شاحر» إلى البرج فهذه مناوبته، لكن «بوعاز» لم ينهض، مما أثار غضب «شاحر» الذي أمسك بعصا، فما سمعنا إلا أصوات الضرب والصراخ. \r\n \r\n وبعد قليل شاهدنا «بوعاز» ينزل من البرج، وهو منهك، إنه يكاد يبدو نائماً وهو يمشي، جلس بيننا وأخذ يبرر موقفه، ويحسب الوقت الذي بقيه مستيقظاً وقال: (أعتقد أنني مازلت مستيقظاً منذ 36 ساعة). أما أنا فقد أخذت أحدثه عن الإجازة التي أخطط لها، إذ استطعت الحصول على يومين إجازة، سأعود خلالهما إلى البيت. \r\n \r\n وأمارس حياتي الروتينية، سأتناول وجبة الغداء برفقة والدي وأختي وبعد ذلك ستأتي صديقتي «دينا» لتأخذني إلى منزلها، وفي الطريق ستحدثني عن العمل، والأصدقاء، سأجلس صامتاً، ليس لدي ما أقوله، إذ أنني مجرد شخص عالق في أحد الحواجز القذرة من أول الصباح حتى آخر الليل، لا يقطع ضجري سوى هاتفي النقال الذي أتواصل به مع الآخرين، بعيداً عن الحاجز وجنوده. \r\n \r\n سأذهب في إجازتي، وألقى دينا التي ستتهمني بأنني لم أعد أحدثها كما في السابق. لكن فعلاً ماذا سأقول لها، إنها بكل بساطة لن تفهمني على الإطلاق، على سبيل المثال، لن تفهم شعوري حيال الجنود القدامى، هم أكثر الأشخاص أهمية في أية مواقع عسكرية، وهم يتناولون أفضل الطعام، ولا يعملون بورديات ومناوبات مرهقة، إنهم لا يشاركون في تنظيف الموقع، أما نحن الشباب، فإنّنا نعمل بمناوبات لا تحصى، ونقوم بتنظيف الموقع، نحن خدم لهم، فهؤلاء الجنود القدامى، ينكّلون بنا ويجعلوننا موضعاً للسخرية والإستهزاء». \r\n \r\n مشهد على الحاجز \r\n \r\n يمضي فورير في الحديث عن مشهد آخر على الحاجز، ويكتب في مذكراته قائلا: في أحد الأيام قمنا بتعليم بعض الشباب العرب على الحاجز كيفية إلقاء النشيد الوطني لإسرائيل وتفاصيل ذلك، أن إيلي زميلي في العمل ذلك اليوم، كان يقوم بفحص بطاقات الشباب في إحدى سيارات البيجو. \r\n \r\n وفجأة أدرك أن السائق يشبه الجندي «زوحر» وكأنهما توأم، فأخرج هاتفه النقال وأخذ يصوره على الفور، ثم أخرجه من السيارة وأجبره على الغناء معه، مما جعل الركاب داخل السيارة يضحكون، صرخ بهم إيلي بجنون: هيا غنوا معه، وبالفعل أخرجنا جميع من كانوا في السيارة وأوقفناهم الواحد تلو الآخر مثل جوقة موسيقية وعلمّناهم الغناء... ونحن واقفون نسخر منهم كما في أحد الأفلام الكوميدية». \r\n \r\n ويتابع: «إنني أشعر بالقرف والإشمئزاز من هؤلاء العرب، لاسيما أولئك الذين يتملقون وينافقون، إنهم في الغالب من الكبار في السن، إذ أنهم حالما يصلون الحاجز فإنك ترى الإبتسامة على وجوههم، يقدمون بطاقات الهوية، بأدب ويسألون: كيف حالك أيها الجندي؟ إلا أنهم في الحقيقة يكنون لنا الكراهية. \r\n \r\n إنه أمر واضح وفي غاية البساطة، ولو كان بمقدورهم طردنا وإقتلاع الحاجز لفعلوا ذلك منذ زمن، ولألقوا بنا إلى الجحيم. أما الشباب الفلسطينيون فإنّهم يتقدمون نحو الحواجز بنوع من الإستخفاف، ويقدمون بطاقاتهم من دون أن يتفوهوا بأية كلمة، وفي بعض الأحيان، يتهامسون ويطلقون الضحكات، إنهم لا يخفون كراهيتهم لنا. \r\n \r\n ولهذا، فهم الذين يتلقون الضربات، وفي حال قيامهم بإغضابنا وإثارة أعصابنا، فإننا نلجأ إلى كل وسيلة لإعاقة مرورهم عدة ساعات، وبالتالي يخسرون يوم عمل كامل، وأحياناً تكون هذه طريقة مناسبة كي يتعلموا من خلالها كيف يتعاملون معنا». \r\n \r\n فجأة ينتقل الجندي فورير للحديث عن علاقته بأخته الاختصاصية النفسية، ولعل هذا الإنتقال، يعبر عن مدى الأزمة النفسية التي يعيش فيها ذلك الجندي، فهو يمارس أبشع أنواع التنكيل بالمواطنين العرب على الحاجز، ليس لشيء إلا لقضاء وقت العمل على الحاجز، ويبدو أنه في صراع داخلي، حيث يظهر مدى التناقض بين عمله. \r\n \r\n وبين أبسط قواعد حقوق الإنسان التي تتغنى بها إسرائيل يكتب هذا الجندي: «لقد تحدثت اليوم بالهاتف النقّال مع شقيقتي فهي اختصاصية نفسية وتسكن مع زوجها في مدينة تل أبيب، لقد قالت لي: «ينبغي عليك إدراك حقيقة ما تفعله طيلة الوقت على الحاجز، إنك تتعامل مع بشر». وأخذت تذكرني بأبحاث أجرتها على الجنود العاملين في المناطق الفلسطينية، والذين أصيبوا بمشكلات نفسية ناتجة عن إساءتهم للمواطنين الفلسطينيين، كما قدمت لي نصيحة بالمحافظة على نفسي. \r\n \r\n لكنها في الحقيقة لا تدرك معنى الوجود على الحاجز، فالضغوط التي تواجهني كثيرة، إن هؤلاء العرب يعملون على إخراج الإنسان عن طوره إلى درجة الجنون، من هنا ألجأ، كما يفعل زملائي الجنود إلى التعبير عن غضبي وإخراج الكبت والضغط الذي أعاني منه. \r\n \r\n فأنا مضطر لبعض السلوكيات غير الإنسانية تجاه هؤلاء العرب، لأبقى في حالة عقلية سوية، إن هذا يحدث في كثير من الأحيان من دون أن أشعر، أننا جميعاً في السرية جيدون، لسنا نازيين يشعرون بالمتعة من خلال تعذيب العرب، وذلك ما تعتقده أختي». \r\n \r\n وفي أسلوب يسعى من خلاله فورير إلى تبرير سلوكيات الجنود غير السوية، على أساس أنها مجرد تعبير عن حالة الضغط والقلق التي يعيشونها على الحواجز. يقول: «لدينا في السرية أحد الجنود يدعى ليبكين، إنه شخص هادئ وذكي يحبه جميع الجنود، ذات يوم سمعنا ضجة ونوعاً من الفوضى عند الحاجز فذهبنا لإستطلاع الأمر، وبدا أن ليبكين أطلق النار على أحد الأولاد بالقرب من الحاجز، لقد اتضح أن قائد الكتيبة الذي كان يقوم بجولة في المنطقة. \r\n \r\n قد شاهد طفلين يتجولان بالقرب من الموقع العسكري، فصرخ بهما طالباً منهما التوقف، لكنهما لم يهتما وشرعا بالهرب بإتجاه الحاجز فأخذ قائد الكتيبة يطاردهما بسيارته الجيب، لكن ليبكين الذي كان قناصاً ممتازاً جثم على ركبتيه، وبدون أي شعور بالتردد، أطلق النار بإتجاه الطفل أسفل ركبته فسقط على الأرض ممسكاً برجله التي أخذت تتأرجح بأوتارها المقطعة والدماء تسيل منها وكأنها ليست جزءاً من جسده». \r\n \r\n يبدو أن فورير لا يعتقد أن تلك الحادثة شيء خطير، إذ يتابع القول :« لقد جعلوا من الأمر قصة كبرى، فبعد أن قام الفلسطينيون بإخلاء الطفل من الموقع، بدأت عمليات الإستجواب العسكري للقناص ليبكين، بل أن قائد اللواء وصل إلى مكان الحادث. إنني أشعر بالرثاء والرحمة لهذا الجندي، فقد كان أحد أفضل الجنود وأكثرهم هدوءاً، لم يسبق له أن ضرب أحداً من العرب، بل كان يتحدث معهم بصورة جيدة. \r\n \r\n بكل بساطة، إنه لم يفعل شيئاً، لقد نفذ كل ما أمر به قائد الكتيبة وأوقف الطفل، فلماذا ألقى قائد الكتيبة اللوم عليه، والجميع صرخ به متهماً إيّاه بإستخدام القوة المفرطة. فيما بعد يبدو أن قائد اللواء أدرك هو الآخر أن الجندي لم يكن مذنباً إلى حدٍ كبير، لذلك تم وقفه عن العمل لمدة أسبوعين، بقي خلالهما ليبكين يتجول داخل السرية وهو في حالة صدمة، حادثة الطفل لم تفارقه على ما يبدو». \r\n \r\n على سبيل التعقيب \r\n \r\n أول ما يخطر على البال لدى قراءة ما يكتبه المؤلف هو: أننا يجب أن نزود منظمات حقوق الإنسان في العالم، وفي المقدمة منها منظمة العفو الدولية، والدائرة المختصة في الخارجية الأميركية بإعداد تقرير سنوي عن حقوق الإنسان في العالم، ودائرة حقوق الإنسان في الإتحاد الأوروبي وغير ذلك من مؤسسات دولية، بملخص لما يقوله هذا الجندي بنفسه من مذكرات غير إنسانية، ولما قام به شخصياً وزملاؤه على الحاجز. \r\n \r\n تتهمنا في العادة المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان بأننا نبالغ في مدى انتهاكات جنود الإحتلال على الحواجز الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني، ويطلبون منا على الدوام شهادات أكثر تفصيلاً وتحديداً، من دون الإكتفاء بالشكوى العامة. ليس هناك ما هو أكثر تحديداً، مما يقوله هذا الجندي بنفسه، فهو جندي إسرائيلي يؤكد، بمناسبة أو غير مناسبة، أنه ليس يسارياً وأنه مخلص لإسرائيل ومستعد لتنفيذ كل ما تطلبه منه حكومته من أعمال. \r\n \r\n من الصعب أن يصدق العاملون في منظمات الدفاع عن حقوق البشر، أن الجندي يطلق النار على سيارة بها فلسطينيون، فقط، لأن هؤلاء الشباب رفضوا إغلاق الراديو، حين كانوا يستمتعون بأغنية ما أو موسيقى معينة. ها هو الجندي ليران فورير يؤكد أنه فعل ذلك، من دون أي إحساس بالندم، وأنه أوقف الشباب على الحاجز بضع ساعات من دون مبرر. \r\n \r\n إن كان هناك في الغرب، وفي إسرائيل ذاتها، من يبحثون عن سبب لذهاب الشباب نحو تفجير أنفسهم في الحافلات والمقاهي والمطاعم، فليبحث عن جذور هذا التوجه، من دون التفتيش عن أسباب وهمية. هذا الشاب الذي لم يبلغ العشرين، كيف سيعبر عن تحدّيه للإهانات التي تلّقاها على الحاجز، بغير هذه الطريقة العنيفة، في بعض الحالات. \r\n \r\n ألم يقل عدد من الشباب الذين أمسكوا بهم وهم يستعدون لتفجير مطعم أو باص، أو مقهى، بأنهم يفعلون ذلك، لأنهم رأوا الجنود الأغراب يقتحمون منازلهم ويضربون آباءهم أمامهم، ويقتلون بشكل عشوائي، من دون سبب في بعض الحالات. \r\n \r\n يكتب الجندي، صاحب المذكرات المختصرة ولكن المعبرة، أنه رأى زميله القناص ليبكين، يطلق النار على طفل لم يتوقف عند الحاجز، أطلق النار عليه من دون تردّد، وذلك موقف وحشي وهمجي، من دون جدال، إذ أنه حتى لو تلقى الأوامر، فالإعتبارات الإنسانية يجب أن تدفع به للتردد، في قتل طفل صغير. \r\n \r\n لا يمكن أن يكون مطلوباً للجيش، تحت أية ذريعة.صاحب المذكرات، يستغرب لماذا جعل قائد اللواء من الأمر قصة، وهو الذي أمره أن يفعل ما قام به، ويرثي لحال الجندي القناص زميله، من دون أية إشارة إنسانية للطفل الذي فقد رجليه في ثوانٍ. \r\n \r\n ولكن ماذا كان العقاب من الجيش الذي يزعم أنه جيش أخلاقي: العقوبة هي إيقاف عن العمل لمدة أسبوعين. هل هذه عقوبة رادعة لأحد؟ \r\n \r\n