\r\n هذه الفظاظة الغرض منها توصيل رسالة لا تخفى على أحد، وهي أن الولاياتالمتحدة في حالة حرب، وهي تحتاج إلى مساعدة الجميع، والمساعدة في زمن الحرب لا تحتاج إلى مفاوضات. وقد كان الموقف المتردد الذي وقفته المكسيك من الحرب في الأممالمتحدة مصدرا للتوتر بين البلدين. ولكن كاستنيدا قال في ذلك: «لم يسألني أحد مطلقا: ماذا تريد، وما هو الذي يمكن أن نفعله حتى تكونوا أكثر تعاونا معنا؟». \r\n \r\n وهذا وصف دقيق يتردد في كل أنحاء العالم لسياسة بوش الخارجية، الابتزازية، غير المستجيبة للآخرين، والوقحة. ويقول معارضو هذه الإدارة إن النتيجة كانت تدنيا مأسويا في الدعم العالمي للولايات المتحدة، والفقدان الكبير للمصداقية الأميركية، والتشويه الكامل لصورتها في العالم، والحرب المدمرة التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 1000 من الأرواح الأميركية. وكان المرشح جون كيري قد ذكر في المناظرة الرئاسية الأولى أن هذا الدمار لا يمكن تقليصه أو إزالته إلا بتنصيب رئيس جديد للولايات المتحدة. \r\n وكان رد الرئيس بوش عنيفا، كما أن مستشاريه يحكون دائما قصة مختلفة. وتقول قصتهم هذه إن الفترة التي تولى فيها بوش الرئاسة تميزت بتحولات تاريخية، أبرمت فيها تحالفات جديدة شجاعة، وتعمقت فيها علاقات هامة بالنسبة للولايات المتحدة، وشهدت قبل كل ذلك وبعده محاولة جريئة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط من خلال العراق. ويقول هؤلاء المستشارون إن هذه هي أفضل طريقة لمحاربة الإرهاب الذي يهدد الولاياتالمتحدة. ويقولون أيضا إن بوش بينما كان يتابع سياسته تلك، استغل الخلافات مع كوريا الشمالية ليعمق العلاقات مع الصين، ويبعد الهند وباكستان عن حافة المواجهة النووية، كما خلق علاقة مع فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، حتى بعد أن ألغى اتفاقية 1972 للحد من انتشار الأسلحة البالستية. وقال وزير الخارجية كولن باول في مقابلة اجريت معه: \r\n «التهمة الموجهة إلينا هي: أننا انفراديون وأن سياستنا قائمة على الضربات الاستباقية. ولكنني لا أعتقد أنها تهمة صحيحة، رغما عن أنهم يكررونها بكثرة تجعلها وكأنها صحيحة». \r\n وستكشف انتخابات الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) ما إذا كانت سياسة بوش الخارجية، المشحونة بصور الشجاعة والصمود، واليقين الأخلاقي وصراع الأجيال من أجل هزيمة عدو جديد ودفع منطقة كاملة في اتجاه الديمقراطية، كانت مقنعة لأغلبية الناخبين أم لا؟ خاصة أن أصدقاء أميركا انقسموا حولها. \r\n بعض الحلفاء يعبرون عن حماس وتفاؤل. فقد قال هاتسوهيسا تاكاشيما، الناطق باسم وزارة الخارجية بطوكيو، حيث اشتدت العزائم من جراء التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية وموقف المستر بوش الحازم إزاء الإرهاب: «العلاقات بين اليابانوالولاياتالمتحدة لم تكن أفضل مما هي عليه الآن تحت إدارة بوش. لدينا حاليا أكثر من 500 جندي في العراق لأننا نعتقد أن الفعل الأميركي البريطاني هو الذي دفع ليبيا لنزع سلاحها، وهو الذي بعث رسالة قوية إلى كوريا الشمالية، كما أنه كشف الثمن الفادح الذي يمكن أن تدفعه الدول التي لا تستجيب لقرارات الأممالمتحدة. إن الفشل في العراق ليس خيارا واردا». \r\n ولكن الأوضاع الحالية تقول إن الفشل الذي سيكون مدمرا للدور القيادي الأميركي في العالم، ليس أمرا مستحيلا. وقد وضح أن الرئيس بوش مقامر حقيقي في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. فالثورات يمكن أن تعود بمنافع لا حصر لها، ولكنها يمكن كذلك أن تعود بالكوارث. \r\n توجهات جديدة... أصدقاء جدد: سياسة بوش الخارجية تغيرت بصورة تدعو للعجب: فمن مرحلة الاهتمام «المتواضع» بالسياسة الخارجية، إلى مرحلة «نريده حيا أو ميتا» في مطاردة بن لادن، المتفلت من بين الأيادي، إلى مبدأ جريء متفاعل لخصه الرئيس بوش الشهر الماضي عندما قال أمام الأممالمتحدة: \r\n «أمننا المشترك لا يعتمد فقط على مناطق نفوذ أو موازين قوة، بل يتمثل أمن العالم في نشر وتطوير حقوق الإنسان». \r\n وهذا يعني تركيزا أقل على سياسة الاحتواء وهي سياسة الضغط الوئيد التي أسقطت الشيوعية وأكثر تركيزا على سياسة العدوى، بنشر الديمقراطية، في العراق على الاقل، على أسنة الرماح. وهذا منهج مطلوب ومحبذ، خاصة في أوروبا الشرقية حيث ما تزال جراح القهر تبعث الألم، وبالنسبة لأياد علاوي، رئيس الوزراء المؤقت في العراق، والكثيرين من مواطنيه. ولكنه منهج يؤدي كذلك إلى الثورات والتمرد، كما أنه يستند إلى سياسة لم يوافق عليها حلف الناتو، الذي كان على مدى العقود يمثل حجر الزاوية بالنسبة للولايات المتحدة. \r\n ويقول خافير سولانا، السكرتير العام السابق للناتو، والمسؤول الأول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي حاليا: «اصابنا قلق شديد لغياب المناقشة والتشاور ومجابهة الآخرين بالتصورات الجاهزة». \r\n ونتيجة لهذا الوضع برزت صيغة جديدة للتعاون مع الولاياتالمتحدة. فمن جانب هناك الحلفاء القدماء الغاضبون، مثل فرنسا وألمانيا، والذين اغضبتهم حرب يعتقدون أنها خاسرة، وأزعجهم استخدام أميركا لقوتها الجبارة المدمرة. وقد زاد الطين بلة أن عملية السلام بالشرق الأوسط قد جمدت وبدا الرئيس بوش وكأنه أقل اهتماما من سابقيه بحل تلك القضية. وعلى الجانب الآخر هناك دول مثل بولندا، إيطاليا، بريطانيا واليابان، التي اختارت الانحياز إلى بوش بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول). أما الدول الأخرى مثل روسيا وإسرائيل والصين فقد تبنت شعار محاربة الإرهاب لأسباب تخصها هي. \r\n ولا تجد هذه الخلافات تغطية مناسبة أثناء خوض بوش لحملته الانتخابية. فالنغمة الخطابية العالية في حملته تتحدث عن أميركا التي لا تستسلم ولا تركع لأحد. وقد قال بوش صبيحة المناظرة التي دارت بينه وبين جون كيري، إن منافسه الديمقراطي، سيخضع القرارات حول الأمن القومي الأميركي للفيتو الذي تملكه «دول مثل فرنسا». كما أن الأممالمتحدة غالبا ما تذكر بكثير من الاحتقار في تجمعات الجمهوريين. وربما تستقبل هذه الشعارات الحزبية الصارخة بالتصفيق والهتاف ولكنها تشعر العالم بكثير من القلق. \r\n فهل أدت هجمات 11 سبتمبر، والمصادمات الدبلوماسية التي حدثت خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى هذه الدرجة من التغييرات في الخريطة العقلية للرئيس بوش، وفي تصوره للتحالفات الأميركية، بحيث صار موقف كل دولة يقاس أساسا بمدى استعدادها للموافقة على استراتيجيته لمكافحة الإرهاب وانضمامها إلى ذلك التحالف الصغير الواهي القائم حول العراق؟ \r\n بعض الناس يشاهدون دلائل، ربما تكون ضعيفة، بان ذلك ربما لا يكون صحيحا. وحتى في أوروبا الغربية، فإن الكاريكاتير الذي يصور الرئيس بوش ممتشقا سلاحه في كل الأوقات، اصبح لا يثير الاهتمام إلا قليلا. وحلت محل تلك الصورة صورة أخرى أكثر تعقيدا، عن رجل قال عنه ولفغانغ إيشينغر، السفير الألماني بواشنطن: «إنه أقل غرابة في أقواله منه في أفعاله. فقد رأينا دبلوماسية حقيقية وحية مع كوريا الشمالية». \r\n ومع أن دولا كثيرة قد انتقدت بوش على انسحابه من بعض المؤسسات والاتفاقيات الدولية المحددة، إلا أنه ليس متصورا أن يوافق أي رئيس أميركي على محكمة جنائية دولية يمكن أن تحاكم الجنود الأميركيين المشاركين في قوات حفظ السلام. وحتى السناتور كيري يقول إن بروتوكول كيوتو حول البيئة، الذي انسحب منه الرئيس بوش، يجب إعادة الحوار حوله. ولا شك في أن أي رئيس أميركي كان سيستخدم القوة في الرد على هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن. \r\n ولكن الشكوى التي تتردد في كل أنحاء العالم هي أن إدارة بوش بادرت منذ البداية باتخاذ منهج استبعادي، يقوم على مبدأ: وافقت أم لم توافق، فإن الأمر سيان، مما أدى إلى كسب عداء كثير من الأصدقاء. وقد عمقت حرب العراق من ذلك الاتجاه. كما أن الاكتشاف اللاحق بأن العراق لم يكن يملك اسلحة دمار شامل، وأنه لم تكن هناك علاقة بين صدام حسين و«القاعدة»، قد أكد مواقف فرنسا وألمانيا بأن المستر بوش يعمل وفق مبدأ الأيديولوجيا أولا ثم الحقائق ثانيا. \r\n * معاداة أميركا \r\n * من جهة اخرى أصبحت معاداة أميركا برنامجا أوروبيا رابحا. ففي الانتخابات الإسبانية والألمانية اللتين جرتا أخيرا برهنت معارضة سياسات بوش على أنها اساسية بالنسبة لفوز خوزيه لويس رودريغيز ثاباتيرو ولاعادة انتخاب المستشار الألماني غيرهارد شرودر. ولكن معنويات بوش ارتفعت أخيرا عبر الفوز الساحق الذي حققه الحليف الثابت جون هوارد رئيس الوزراء الأسترالي. وخلال الأيام القليلة الماضية كان بوش يتنقل في ولايات مينيسوتا وايوا وكولورادو محتفلا بحدوث أول انتخابات حرة في افغانستان. \r\n غير ان معاداة اميركا في العالم العربي واسعة الانتشار. ففي العام الماضي طلب كولن باول وزير الخارجية من الدبلوماسي الخبير ادوارد جيرجيان أن يقوم بجولة في العالم ليتعرف على اخفاقات الدبلوماسية الأميركية في العالمين العربي والاسلامي. \r\n وعاد جيرجيان مصدوما من صورة أميركا التي رآها في التلفزيونات العربية وغياب الرد الأميركي الفعال. وقال «لم يكن لدينا في أي مكان ما يكفي من الناس الذين يتمتعون بمهارات لغوية سليمة أو درجات عالية من الحساسية في الرد والاستجابة». \r\n ويتحدث الرئيس بوش عن التهديد كل يوم تقريبا ولكن الزعماء في الاماكن الأخرى لا يفعلون ذلك. فالارهاب في أوروبا ليس جديدا ويبدو، بالتالي، أقل تهديدا. وفي آسيا يستمر النمو السريع للصين والهند على التحفيز على التفاؤل الذي يزيل، أو يقلص على الأقل، الغيوم الداكنة عن الشرق الأوسط. وفي اميركا اللاتينية تبدو أهمية قضايا التجارة والاقتصاد بقدر أهمية «القاعدة». ان الفكرة المشتركة حول التهديد المشترك التي كانت حجر الزاوية في تحالفات أميركا في فترة الحرب الباردة لم تعد قائمة. \r\n وبينما تحدث بوش عن القضايا المشتركة رد الرئيس الفرنسي جاك شيراك في اليوم التالي، بأن حلف الناتو لن يذهب الى العراق أبدا. وقال «لا أعتقد أن مهمة الناتو التدخل في العراق». وكان بوش غاضبا وفقا لما قاله مساعدوه ولكنه مضى في سبيله. وفي الصيف الحالي أرسل الناتو فريقا يضم 40 شخصا الى بغداد، وأخيرا، وبعد صراع مديد بين الولاياتالمتحدةوفرنسا، وافق الناتو على زيادة عدد أعضاء الفريق الى ما يقرب من 300 شخص لتدريب الضباط العراقيين. \r\n وتقول كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي ان مثل هذه المهمات تبرهن على أن الاحاديث عن التوترات مع فرنسا تتسم بمبالغة. وأضافت ان «العلاقة مع فرنسا جيدة» مشيرة الى الدور الفرنسي في كوسوفو وأفغانستان. وقالت ان العلاقات مع فرنسا هي دائما «أفضل في الممارسة العملية منها في النظرية». \r\n ربما كان ذلك صحيحا، ولكن شيراك وبوش ليسا أقرب في مواقفهما العالمية مما كانا عليه سابقا. فقد قال الرئيس الفرنسي أخيرا انه يسعى الى عالم متعدد تحدد فيه الأممالمتحدة القوانين التي تلتزم بها جميع الدول، وهذه صيغة اخرى للتعبير عن تقليص الهيمنة الأميركية. وقد رفض السيد بوش هذا الموقف صراحة. \r\n وأكدت رايس أن العراق لم يدفع القضايا الأخرى الى الخلف. وقالت «لدينا سياستنا تجاه أفريقيا، وهي الأكثر شمولا من سياسات أي ادارات سابقة، بما في ذلك الحقوق التجارية والايدز والتدخل من جانب القوات الأميركية للمساعدة في حل المشاكل في ليبيريا. وهناك الصين مقابل الخطوط الأمامية ضد برنامج كوريا الشمالية النووي». \r\n وبدا صوتها يعلو عندما تساءلت «أتريدون مني أن أواصل؟». \r\n وغالبا ما يبدو بالنسبة للحلفاء أن بوش لا يقدم لحلفائه سوى التشاور. فمن اجل التعامل مع النزاع الاسرائيلي الفلسطيني سعت ادارة بوش الى اللجنة «الرباعية»، التي ضمت الولاياتالمتحدةوروسيا والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة، للعمل من اجل اتخاذ خطوات متبادلة بين اسرائيل والفلسطينيين تؤدي الى اقامة الدولة الفلسطينية. \r\n ولكن الأوروبيين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، يظلون محبطين بما يقولون انه اخفاق بوش في ان يشارك بنشاط في دفع اسرائيل الى تجميد اقامة المستوطنات وتيسير ظروف الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية. \r\n وبينما اقتربت بعض الدول الأوروبية، وفرنسا ليست من ضمنها، من موقف الادارة الداعي الى تنحي ياسر عرفات كزعيم فلسطيني، فانهم يقولون انهم يشعرون بالفزع من أن بوش يصغي الى المحافظين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع حول السياسة تجاه اسرائيل اكثر مما يصغي الى وزارة الخارجية، التي ايدت دائما اتخاذ خطوات أكثر قربا من التسوية. \r\n وقال وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر انه «عندما كانت مادلين أولبرايت تتحدث فان المرء يعلم انها تتحدث باسم ادارة كلينتون. أما اليوم فانه لا يعرف الأمور على وجه التحديد». \r\n ونتيجة لذلك فان الدول الأوروبية لم تعد تعرف كيفية بناء علاقتها مع الولاياتالمتحدة. وتتساءل عما اذا كان هناك ما يكفي من الاستقرار في «تحالفات الارادات»، وهي العبارة المفضلة لدى بوش لوصف الدول التي انضمت الى الولاياتالمتحدة في العراق. \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز»