كانت البداية واعدة، وذلك عندما قامت القوات الأميركية والعراقية بالاجتياح السريع لتلك المدينة الواقعة في المثلث السني شمال بغداد. وبعد نجاح الاجتياح يأتي الجانب الصعب من المسألة وهو تنصيب حكومة فعالة. \r\n \r\n ولكن، وحتى قبل انتهاء الاجتياح الأولي للمدينة، فإن بعض المسؤولين، وبعض المعلقين والخبراء العسكريين الأميركيين قاموا بالدعوة إلى تصعيد تلك العمليات والقيام بهجوم أوسع نطاقا بغرض \"تنظيف\" المدن الأخرى، التي يتخذ منها المتمردون معاقل لهم مثل الفلوجة، والنجف، ومدينة الصدر في بغداد. \r\n \r\n وهذا الخط من التفكير يرى أن الأعمال السريعة والحاسمة ضد كافة المدن والمواقع التي يتخذ منها رجال حرب العصابات ملاذا لهم، هي التي ستمزق صفوفهم، وتدمر مركز الثقل المادي لهم. \r\n \r\n وأحداث التمرد هي أولا وأخيرا صراعات سياسية وليست عسكرية. والطريقة الوحيدة لهزيمة التمرد هي الحصول على دعم واسع النطاق من الشعب. ولذلك، فإن الهدف الحقيقي لأي هجوم أوسع نطاقا في العراق، يجب أن يكون هو منح الشرعية للحكومة القائمة في بغداد، قبل أن يكون سحق المقاتلين المتمردين. \r\n \r\n وعلى رغم أن الهجوم الواسع النطاق لتطهير معاقل التمرد يمكن أن يوفر متنفسا من الوقت، يمكن خلاله إجراء الانتخابات المزمع إجراؤها في يناير القادم. فإن الأمر الذي لا شك فيه أن ذلك الهجوم لو تم على نحو متعجل، فإنه سيؤدي إلى تحقيق مكسب استراتيجي كبير للمتمردين. فالهجمات العنيفة غالباً ما تؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وفي دولة كبيرة مثل العراق، فإنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى تشتيت جهود القوات الأميركية. \r\n \r\n وهذا المزيج من خسائر المدنيين، وعدم القدرة على توفير الأمان الحقيقي في المدن، هو الذي سيوجه ضربة ماحقة لشرعية الحكومة. \r\n \r\n والتمرد في جوهره صراع طويل الأمد يقاس بالعقود وليس بالشهور. فالسوفيت على سبيل المثال قاموا بتطهير \"وادي بانجشير\" شمال كابول سبع مرات على الأقل، خلال فترة احتلالهم لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. وفي كل مرة كان هدف السوفيت هو تدمير شبكة القبائل العرقية التي يطلق عليها اسم التحالف الشمالي. وفي كل مرة أيضا كان السوفيت يقتلون مئات إن لم يكن آلافا من الجنود المتمردين، وأعددا أكبر بكثير من المدنيين. \r\n \r\n وعلى الرغم من ذلك فإن السوفيت لم يتمكنوا أبدا من تحويل النجاح التكتيكي إلى نجاح استراتيجي، ولم يتمكنوا من تنصيب حكومة دائمة في الوادي. \r\n \r\n وعمليات اجتياح المدن العراقية وتطهيرها من المتمردين، لن تكون كافية لوحدها ما لم يمكن إتاحة الفرصة بعد ذلك لقوات الأمن العراقية كي تقوم ببسط سيطرتها على تلك المدن، لخلق الظروف المناسبة لتنصيب حكومات تقوم بتصريف أمورها. \r\n \r\n لعل هذا تحديدا هو السبب الذي دعا قوات التحالف إلى التركيز على تدريب قوات الأمن طوال العام الأخير، وهو أيضا السبب الذي يدعونا إلى عدم القيام بالتعامل مع كافة المدن التي تمثل معاقل للمقاتلين المتمردين في وقت واحد، خصوصا وأن قوات الأمن العراقية لا تمتلك العدد الكافي من الرجال الذي يمكنها من تولي مهمة الأمن، ومهمة حماية ودعم أجهزة الحكم وخصوصا في المدن الكبرى. \r\n \r\n ومن بين القواعد الأساسية للعمليات المضادة للتمرد أنه بمجرد إتمام السيطرة على مدينة ما، فإن الحكومة يجب ألا تنسحب أبدا من تلك المدينة. \r\n \r\n والمدن كما هو معروف لا يمكن حكمها إلا بمشاركة مع نسبة كبيرة من سكانها. والظاهرة الإيجابية أن الكثيرين من العراقيين في المدن التي يسودها السلام، كان لديهم الشجاعة التي مكنتهم من التقدم ومساعدة حكوماتهم المحلية. ولذلك فإن الحكومات التي تتولى السيطرة في المدن المتمردة بعد قمع التمرد يجب ألا تنسحب أبدا أو تتراجع، لأنها لو فعلت ذلك، فإنه سيكون بمثابة حكم بالإعدام على من تعاونوا معها من المواطنين. \r\n \r\n إن ذلك العمل المتناغم بين القوات العسكرية والحكومات المدنية المحلية هو النموذج الأمثل الذي يمكن استخدامه للقضاء على التمرد، على أن يكون معلوما لنا أن الأمر قد استغرق عقودا طويلة وليس سنوات لتحقيق هذا الهدف في مناطق أخرى، كان الوضع بها أقل تعقيدا بكثير من الوضع في العراق. \r\n \r\n إن الغارة التي تمت على مدينة سامراء خلال الأيام القليلة الماضية، تظهر أن القوات الأميركية والعراقية، يمكن أن تعملا معا بشكل جيد لتطهير المدن من المتمردين. \r\n \r\n مع ذلك يجب أن يكون معلوما جيدا أن الصراع الدائر في العراق لا يمكن حسمه بالوسائل العسكرية وحدها. وعلى الرغم من أن العمليات العنيفة قد تعطى انطباعا بأن هناك تقدما يتم تحقيقه، فإن الهدف الأساسي يجب أن يكون هو توفير الأمن والقدرة على إدامته، لأن العمل العسكري يجب أن يكون دائما في خدمة الجهد السياسي. \r\n \r\n إن قوات الأمن العراقية الناشئة قد أظهرت في الأيام القليلة الماضية أن هناك أملا يرتجى منها. ولكنها مع ذلك لا زالت بحاجة إلى المزيد من الوقت لإتقان تنفيذ العمليات الأمنية الطويلة الأمد اللازمة للقضاء على التمرد. لذلك يجب علينا أن نراعي عدم الضغط على تلك القوات، أو دفعها للعمل قبل أن استكمال استعداداتها، حتى لا تتعرض إلى انتكاسات قد تؤثر على مسيرة تطويرها. \r\n \r\n أما الأميركيون فيجب أن يكونوا مستعدون لشن حملة طويلة ومنهجية لتطهير المدن من المتمردين، وترسيخ وضع قوات الأمن العراقية، وتأسيس حكومة عراقية عاملة. على أن يبدؤوا ذلك في منطقة معينة، وبعد الانتهاء منها ينتقلون إلى منطقة أخرى من مناطق التمرد ... وهكذا. فعندئذ.. وعندئذ فقط، يمكن لقواتنا أن تعود مرة أخرى إلى الوطن. \r\n \r\n \r\n توماس إكس. هاميس \r\n \r\n زميل معهد الدارسات الاستراتيجية القومية التابع لكلية الدفاع الوطني الأميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"