\r\n وهي دول عانت من المشكلات الاقتصادية على الرغم من وفرة مواردها الطبيعية. ولكن هذه النماذج ليست الوحيدة على الاطلاق: فإلى حد ما هنالك ما يصل الى 90% من دول جنوب الصحراء الافريقية عانت من الحكم الاستبدادي خلال العقود الثلاثة الماضية. ان مثل هؤلاء الزعماء يستخدمون السلطة كهدف في حد ذاته، عوضا عن استخدامها من اجل الصالح العام. \r\n \r\n حيث لا تهمهم رفاهية مواطنيهم (على الرغم من تلهفهم للاستماع الى تملقهم)، ان هؤلاء لا يحتكمون الى العقل بل يوظفون ايديولوجيات اجتماعية او عرقية مسمومة، بالاضافة الى انهم منافقون، لا يتورعون عن توجيه اللوم باستمرار الى الآخرين متهمين اياهم بالتسبب في المآسي التي تعاني منها دولهم. \r\n \r\n \r\n تحت قيادة مثل هؤلاء الحكام، اصيبت البنية التحتية للعديد من الدول الافريقية بالعطب، وانخفضت قيمة العملة، وتضخمت الاسعار الحقيقية على نحو لافت في الوقت الذي تدهورت فيه الاوضاع المتعلقة بوفرة فرص العمل والرعاية الصحية ومستويات التعليم، ومعدلات متوسط الاعمار. وتعرضت الحياة العامة للحصار: تدنت حالة الامن العام، وارتفعت معدلات الجريمة والفساد، وتدفقت الاموال العامة الضرورية لخدمة البلاد في حسابات مصرفية سرية، وتفشت ظاهرة التمييز العرقي المسببة للحرب الاهلية التي يعاقب عليها القانون. \r\n \r\n الا ان هذه الصورة على الرغم من سوداويتها الآن الى حالة اكثر حدة من الانفراج على يد قلة من القادة الافارقة الذين يجسدون نموذجاً حقيقياً لما اصبحت عليه القيادة الفاعلة في العقود الحالية. ان هؤلاء القادة ينظر اليهم باعتبارهم نموذجاً متميزاً بسبب ما يتمتعون به من قوة الشخصية. \r\n \r\n ومن التزام بمباديء المشاركة الديمقراطية والقدرة على مجابهة المشكلات المتجذرة في مجتمعاتهم. لقد تمكنت حكومة موزمبيق على سبيل المثال من تحقيق نمو اقتصادي يتجاوز معدله 10% بين عامي 1996 و2003، اعقب الكارثة الاقتصادية التي فرضتها ظروف الحرب الاهلية (المنتهية في 1992). وفي كينيا عمل الرئيس مواي كيباكي على تعزيز المجتمع المدني وبالاستثمار في مجال التعليم وازالة العوائق التي تشكل حجر عثرة في وجه المشروعات الاقتصادية والتي سبق وضعها خلال حكم الرئيس السابق دانيال أراب موي القمعي. \r\n \r\n ان النموذج الامثل للقيادة الجيدة في القارة الافريقية تجسده بوتسوانا. اذ قبل سنوات طويلة من اكتشاف الماس، اظهرت هذه المحمية الصحراوية السابقة التي اهملها البريطانيون في عهد الحكم الاستعماري قدرة وبراعة في ممارسة الديمقراطية الفعلية، التكامل، التسامح، المبادرات الاقتصادية، وحكم القانون. وظلت هذه البلاد ديمقراطية قلباً وقالباً بصورة مستمرة منذ استقلالها في سنة 1966 وهو سجل لا يوجد له مثيل في القارة. كما دافعت عن حقوق الانسان، وشجعت الحريات المدنية، وعملت على نحو فاعل على دعم التطور الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيها. \r\n \r\n ما الذي قاد بوتسوانا الى النجاح في الوقت الذي اخفقت فيه مساعي بقية الدول الافريقية؟ يشير بعض المراقبين الى مسألة التجانس اللغوي النسبي التي تسود البلاد. لكن الصومال، الذي بقى مضطرباً على الرغم من هذا التجانس يشير الى ان هذا العامل لا يكفي لوحده. \r\n \r\n البعض الآخر يشير الى عوامل تتعلق بتأثير الحملة التي مضى عليها قرن من الزمان والتي قامت بها الجمعية التبشيرية اللندنية من حيث النظرة العملية الهادئة، التي لا تنفصم عراها المتجسدة في ثقافة البلاد السياسية. غير ان هذا التفسير لا ينجح هو الآخر في شرح الاسباب المؤدية الى عدم ظهور نفس التأثيرات الايجابية في دول اخرى لها نفس الموروث التاريخي المسيحي، كما في جارتها زيمبابوي. \r\n \r\n وحتى احتياطي الماس الهائل لا يبدو مسئولا عن ذلك، حيث انه على الرغم من وفرة احتياطي الموارد الطبيعية في دول مثل انغولا، والغابون، ونيجيريا، إلا أن اي منها لم تسجل عائداً مماثلاً لمصلحة شعبها. \r\n \r\n ان المسئول عن هذا النجاح في واقع الامر هو القيادات البوتسوانية المتميزة بالحنكة والبصيرة التي حكمت البلاد خاصة خلال الفترة التي اعقبت الاستقلال. لقد انحدر سير سيريتس خاما، مؤسس بوتسوانا الحقيقي من عائلة زعماء بامانغواتو المعروفين بميلهم للاستقامة وفعل الخير. عندما اسس خاما الحزب الديمقراطي البوتسواني في سنة 1961، وقاد بلاده نحو الاستقلال كان قد كرس نفسه بالفعل للعمل من اجل مباديء الديمقراطية التشاورية واقتصاد السوق، التي تتيح الازدهار لدولته الفتية. \r\n \r\n \r\n وبالنظر الى تواضع خاما وعدم تباهيه والاعتقاد الراسخ لديه بمباديء حكم الشعب، فقد تمكن من وضع الاساس اللازم لثقافة سياسية قائمة على مبدأ المشاركة العملية واحترام سلطة القانون صمدت طوال فترة ولاية من خلفوه مثل سير كيتوميل ماسير وفيستوس موغاي. \r\n \r\n وعلى الرغم من اختلاف الظروف المحيطة بادارة كل منهما، الا ان الحاكم الاول لموريشيوس سير سيووساغر رامغولام، تمسك بالمباديء والقوانين الادارية ذاتها التي انشأها خاما. وقد منح رامغولام موريشيوس بداية ديمقراطية قوية تمكن باقي خلفائه المتسمين بالحكمة ممن ينتمون الى خلفيات وأحزاب مختلفة من المحافظة عليها. بمقدور كل من خاما ورامغولام ان يحاكيا الكثير من معاصريهما من خلال ارساء قواعد نظام حكم احادي قوي وقائم على سرقة أموال الشعب، إلا أنهما رفضا القيام بذلك. \r\n \r\n إن القيادة الفاعلة قد برهنت على هذا العامل الحاسم في جنوب افريقيا ايضاً، إذ أنه لولا تلك القدرة على القيادة الشاملة والبصيرة التي كان يتمتع بها نيلسون مانديلا والالتزام بمبدأ حكم القانون والاصرار على توسيع نطاق الخدمات الأساسية المقدمة للشعب وتأكيده على الانتقال من سياسة الاقتصاد الموجه التي تسيطر عليه الدولة إلى سياسة السوق لخرجت جنوب افريقيا من مرحلة الابرتهايد (الفصل العنصري) بصورة دولة أكثر تمزقاً وأوتوقراطية مما حصل بالفعل. \r\n \r\n قلة قليلة من القادة الأفارقة استطاعت ان تحتذى بمانديلا وخاما ورامغولام. وعلى الرغم من أن كلاً من غانا وليسوتو ومالي والسنغال تبدو مثالاً للدول الواعدة، إلا أن قادة العديد من الدول الأفريقية كانوا قد بدأوا فترة رئاستهم كقادة ديمقراطيين لكي يتحولوا، بعد فترة أو فترتين، كزعماء مستبدين فاسدين: باكيلي مولوزي في ملاوي، موي في كينيا، والنموذج الأكثر بروزاً هو روبرت موغابي في زيمبابوي. وهنالك آخرون مثل سام نجوما في ناميبيا ويوري موسيفيني في أوغندا ربما كانوا يسيرون في الاتجاه نفسه. \r\n \r\n ولتعزيز النموذج الإيجابي للقيادة، قررت نخبة من القادة الافارقة البارزين السابقين والحاليين، كانت قد اجتمعت السنة الماضية، التصدي لمشكلات القارة المتعلقة بمرض سوء القيادة على الصعيدين العملي والنظري. \r\n \r\n \r\n \r\n وفي ختام سلسلة من الاجتماعات الخاصة (عقد آخرها في مومباسا بكينيا) تم تأسيس مجلس القيادة الافريقية الذي قام بإصدار القيادة الافريقية المتضمن 23 توصية، والتوقيع على وثيقة إعلان مومباسا للعمل على تطوير القيادات الادارية، وتقديم مجموعة من الاقتراحات بشأن تخصيص برامج تدريبية في فن القيادة الصحيحة تستهدف القادة السياسيين المقبلين. \r\n \r\n يعتقد أعضاء المجلس أن المستويات المطلقة للإدارة تعتبر ملائمة وممكنة، حيث تعني الإدارة الجيدة ضمان أمن الدولة والأفراد وحكم القانون وتوفير فرص التعليم والرعاية الصحية الجيدة، كما تشكل الإطار العملي الذي يقود إلى النمو الاقتصادي. وتضمن فاعلية الحركة التجارية النشطة وحفظ الحريات الفردية والانسانية، هذا بالاضافة إلى اعطاء الصلاحيات للمجتمع المدني وحماية القضايا البيئية المشتركة. وبصورة قاطعة، فإن القيادات الجيدة توفر لمواطنيها ايضاً الشعور بالانتماء إلى المشروعات والخطط الوطنية الطموحة. \r\n \r\n وانطلاقاً من ادراكه لحقيقة أن فقراء أفريقيا يزدادون فقراً، وأن أساليب الحكم الجيدة ضرورية للتطور الاقتصادي المثمر، يضع المجلس نفسه على قمة هرم الاصلاح الأساسي الفاعل في القارة، غير أن اقتراحاته تتجاوز بكل تأكيد أطر الشراكة الجديدة للتنمية في القارة الافريقية والخطط الرامية إلى تأسيس الاتحاد الافريقي. \r\n \r\n فعلى سبيل المثال تنص قوانين القيادة الافريقية في أولى توصياتها على ضرورة أن «يوفر القادة رؤية منسجمة فيما يتعلق بمعدلات النمو الفردي ومستوى التقدم الذي يتم انجازه على الصعيد الوطني، مع الأخذ بعين الاعتبار توفر مستويات العدالة والحياة الكريمة للجميع»، والتلميح ضمناً إلى أن معظم القادة لا يهتمون بهذه الجزئية في الوقت الراهن. \r\n \r\n كما تنص التوصيات الأخرى على تشجيع القادة على «المشاركة الواسعة» مع التقيد بما يتضمنه روح ونص دساتيرهم الوطنية (خاصة ما يتعلق بفترات الرئاسة) والمعارضة واحترام قوانين حقوق الإنسان والحريات المدنية، وتعزيز سلطة القانون، وتطوير السياسات الرامية إلى اجتثاث الفقر والعمل على تحسين كل ما من شأنه أن يضمن الصالح العام، وارساء قوانين تتعلق ببنية أخلاقية قوية، وعدم السماح باستخدام مناصبهم في تحقيق مكاسب شخصية، ومكافحة الفساد ودعم الحريات الشخصية الضرورية اللازمة. \r\n \r\n إن جدول الأعمال هذا شديد الوضوح يسعى إلى تجنب الكوارث الناجمة عن ظاهرة القيادة الوراثية المبنية على التجديد للقيادات الحاكمة، مثلما حدث عندما وصل موبوتو سيسيسيكو إلى السلطة في زائير، وموي في كينيا، وعيدي أمين في أوغندا، وجين بيدل بوكاسا في جمهورية افريقيا الوسطى. كما ان المجلس على وعي تام بحالة اختطاف السلطة في زيمبابوي على يد موغابي، ما نجم عنه الجوع والتدني الشديد في مستويات المعيشة. \r\n \r\n يرأس المجلس الرئيس السابق سير كيتوميل ماسير من بوتسوانا ويضم في عضويته كلا من رئيس الدولة النيجيري السابق الجنرال ياكوبو غوون، ونائب الرئيس مودي أوري من كينيا، ورئيس الوزراء والوزراء الحاليين والسابقين من سيراليون إلى كينيا ومن ملاوي وأوغندا. وكلهم ممن ينظر إليهم في القارة الافريقية باعتبارهم نموذجاً استثنائياً للنزاهة الشخصية والاحترام، وكمؤيدين محنكين تستعين بهم أنظمة الحكم الجيدة. \r\n \r\n ويسعى المجلس من جهة أخرى الى ضم عدد آخر من الأعضاء من مختلف أصناف القيادات الافريقية الديمقراطية البارزة من الفرانكفونيين والانغلوفونيين، النساء والرجال. وهم مجتمعون يمكنهم أن يقدموا خدمات جليلة لقارتهم بتقديم الاستشارة للهيئات الدولية والدول ووكالات المساعدات حول كيفية تطوير القيادة. \r\n \r\n كما يقف الفريق على أهبة الاستعداد لمساعدة المجتمعات المدنية في الدول التي تمر بأزمات قيادية حادة، إضافة الى حثه القادة المحليين الجشعين على محاربة الفساد والالتزام بفترات رئاسة محددة (على سبيل المثال، يستشعر الرؤساء الحاليين لكل من الغابون وملاوي وناميبيا وأوغندا وزامبيا بصورة غير قانونية الرغبة في البقاء لفترة رئاسة ثالثة). \r\n \r\n ويتوقع المجلس أن يبدأ السنة المقبلة بعقد سلسلة حلقات تدريبية خاصة بالوزراء وغيرهم. أما برنامجه فيؤكد على تعزيز دور المباديء والدستورية وسلطة القانون والمباديء والأخلاق والمحاسبة وحرية الاختلاف والادارة المالية الجيدة وإقامة التحالفات والمباديء الأساسية المتعلقة بالاقتصادات المصغرة والكلية. ومن المنتظر أن يدشن برنامجه خلال فترة وجيزة. \r\n \r\n وبخصوص ما إذا كانت جهود هؤلاء القادة الافارقة ستسهم في وقف نزيف الدماء ووضع حد للاقتتال والتقليل من الفساد والمساعدة على توفير المزيد من الرخاء للمواطنين في مختلف أرجاء القارة، فإن ذلك ليس مؤكداً بأي حال، غير أن هذه المبادرة المشتملة على عناصر الأصالة والتجديد تجسد بداية مثيرة وواعدة. \r\n \r\n