ولكن عدم اليقين حول من سيحضر المؤتمر ومن يقاطعه فاقم التوترات بين المجموعات العراقية المختلفة، سياسية ودينية وعرقية، كما طرح أسئلة حائرة حول دور المجلس المئوي ومدى تأثيره على حكم العراق. وليس واضحا كذلك كيف سيختار المؤتمر هذا المجلس. \r\n وتبشر إدارة بوش بهذا المؤتمر باعتباره دليلا على نجاح سياستها للعراق بعد الحرب. وقال وزير الخارجية كولن باول، يوم الخميس في خطاب ألقاه في مجلس السلام، وهو مجلس تموله الحكومة الفيدرالية الأميركية «سيتيح هذا المؤتمر الفرصة الأولى بعد نقل السيادة إلى العراقيين، لكل العراقيين من كل انحاء البلاد، ممثلين لكل أجزاء المجتمع المدني، أن يجتمعوا على صعيد واحد، ويناقشوا قضاياهم الوطنية وليعبروا عن تأييدهم للحكومة الإنتقالية». \r\n وفي نفس الوقت فإن الولاياتالمتحدة تريد أن تقف جانبا، وتترك للعراقيين تنظيم مؤتمرهم بأنفسهم. ولكن هذا الوضع يثير كثيرا من المخاوف حول سير العملية بدون التدخل الأميركي. وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية آثر عدم الكشف عن هويته «من المهم أن نبتعد عن المسرح. يمكننا أن نقدم نصائح بالطبع، وهذا هو السبب الذي نحتفظ فيه بسفارة هناك. ولكننا لن نقرر بالنيابة عنهم». \r\n ويعتبر هذا المؤتمر، الذي غالبا ما يقارن ب«اللويا جيرغا» التي اختارت الحكومة الأفغانية عام 2002، تمرينا على تحد أكبر منه يتمثل في إجراء الانتخابات في يناير من العام المقبل. فإذا نجح المؤتمر فإن التأييد الشعبي للحكومة وللانتخابات، غالبا ما يزداد. أما إذا تأخر أو اعتبر فاشلا من قبل الناس العاديين، فإنه يمكن أن يغير توقيت ومصداقية كل عملية الانتقال التي وضعتها أميركا للعراق. \r\n التحضيرات لعقد المؤتمر شهدت حتى الآن ضغوطا مكثفة وحوارات عنيفة وبعض مظاهر الفوضى، مما يعتبره المسؤولون العراقيون والأميركيون دليلا على بروز فضاء سياسي معافى في العراق. وقال نائب رئيس الوزراء برهم صالح «الأمر الهام هنا هو وجود عملية سياسية ووجود شكوك بالتالي حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور». \r\n ولكن مما يدل على أن المشرفين على التحضير للمؤتمر عليهم أن يقطعوا أشواطا بعيدة، أنهم لم يحسموا بعد الطريقة التي يختارون بها الممثلين المائة. وقد اقترح خبراء من الأممالمتحدة أن كل من يحصل على أكثر من عشرة اصوات يكون من حقه أن يجد مقعدا بالمجلس. القضية الأخرى المثيرة للقلق هي هل سيشارك في المؤتمر ممثلو القوميات والمذاهب الدينية؟ وقد لوحظ مدى الإهتمام بالمؤتمر في جنوب العراق حيث تسود الأغلبية الشيعية التي تبلغ 60% من سكان العراق البالغ عددهم 25 مليونا. ونسبة لأن الشيعة تعرضوا إلى قمع وحشي على يدي صدام حسين وحزب بعثه الذي كان يسيطر عليه السنة، فإنهم حريصون على تحريك العراق نحو حكم الأغلبية. ولكن المؤتمر لا يحظى بنفس القدر من الحماس في وسط العراق حيث تسود المجموعات العربية السنية، أو في شماله حيث تشتعل الصراعات بين الأكراد والتركمان والعرب على الاستيلاء على السلطة. \r\n ويقول المسؤولون أن إشراك السنة الذين ناصبوا الأميركيين العداء، في المؤتمر يعد أمرا حاسما. وقال رئيس الوزراء إياد علاوي أن إقناع قسم كبير من السنة بالمشاركة في المؤتمر، من قبل الحكومة، سيحدث شرخا عميقا في بنية المقاومة. وقال المسؤول الكبير بوزارة الخارجية الأميركية الذي سبقت إليه الإشارة «تتمثل استراتيجية علاوي البعيدة في جلب السنة الذين لم تتلطخ أياديهم بالدماء، ولكنهم شاركوا في المقاومة. وقد أعلن هو وزملاؤه أن خيمة المؤتمر واسعة ولا يريدون عزل جميع العناصر المتطرفة». \r\n لكن بعض الوجوه السنية البارزة تقول إن العقبات في تنظيم المؤتمر تهدد بخلق رد فعل سلبي بين السنّة المتعاونين. وقال حاتم مخلص الطبيب الذي كان يعمل في نيويورك قبل عودته من المنفى إلى العراق بعد الحرب «هناك الكثير من الناس الساخطين حول ما يجري حاليا. كان من المفترض توفر استمارات لكن لم يتم توزيعها بعد.. لم يبذَل أي جهد في تقديم شروح للجمهور عن كيفية المشاركة وهذا ما خلق الكثير من الغموض حول كل العملية». وجاءت تصريحاته بعد قيامه بجولة في مناطق «المثلث السني» الواقعة شمال وغرب بغداد. كذلك يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق حول النقص في التواصل مع الجمهور. \r\n وقال الدكتور مخلص إنه لمنع مقاطعة سنية للمؤتمر راح يحث أولئك الذين رفضوا الدعوة للمشاركة في المؤتمر كي يغيروا من موقفهم. كذلك يخطط المسؤولون الأميركيون للتحدث مع أولئك الذين قرروا مقاطعة المؤتمر، حسبما قال المسؤولون العراقيون الذي ظلوا محافظين على تفاؤلهم حول الحدث المقبل. وقال صالح ضمن هذا السياق «نحن نرى الكثير من الضجيج والشكاوى لعدم توفر ضم كل الأطراف بما فيه الكفاية وغير ذلك. لكننا نتسلم أيضا كل يوم التماسات جديدة مكتوبة بلغة حسنة لضم آخرين إلى المؤتمر. هناك الكثير من الاهتمام في بعض المناطق». \r\n ففي مدينة البصرة هناك أكثر من 1000 شخص قد تنافسوا لاحتلال 43 مقعدا مخصصة للمدينة في المؤتمر وهناك حوالي 1300 من الكوت سعوا لاحتلال 22 مقعدا حسبما قال بعض المسؤولين العراقيين. \r\n وعلى المرشحين أن تتوفر فيهم ثلاثة شروط، حسبما قال فؤاد معصوم رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر. أولا يجب أن يكونوا «متمتعين بسمعة حسنة» ولم يكونوا أعضاء في قوات أمن صدام حسين السابقة أو في حزب البعث. \r\n واستخدمت اللجنة صيغة معقدة لانتقاء المشاركين في المؤتمر كي تتمكن من اختيار 548 مندوبا من محافظات العراق الثماني عشرة، وهذا يشمل 130 شخصا من بغداد; 140 من الأحزاب السياسية; 70 من شيوخ العشائر; 170 مثقفا ووجوها عراقية بارزة; و100 من اللجنة التحضيرية حسبما قال معصوم. \r\n وقال هؤلاء المسؤولون إن من المتوقع أن تسعى مجموعتان للحصول على قدر من السلطة، الأولى تتكون من أعضاء مجلس الحكم السابق والذين لم يشمَلوا في تشكيلة الحكومة الانتقالية، وأكثر الوجوه البارزة في هذه المجموعة هي احمد الجلبي قائد تنظيم «المؤتمر الوطني العراقي». وسيسعى أفراد هذه المجموعة إلى العودة إلى السلطة. \r\n ويقوم الجلبي بتحشيد كتلة شيعية جديدة تضم مؤيدي رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر. وهدف الجلبي هو الحصول على مقعد ثم التحول إلى رئيس للمجلس الوطني الذي سيتمخض عن المؤتمر حسبما قال مسؤولون عراقيون وأميركيون. \r\n كذلك تسعى الأحزاب الدينية أن تحصل على حصة أكبر في السلطة بعد أن تم إقصاؤها من الحكومة المؤقتة على يد مندوبي الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة. ويتوقع مسؤولون من الأكراد والسنّة العرب أن تقع معارك مكثفة حول كم من النواب سيتم اختيارهم عن الأحزاب الدينية داخل المجلس التشريعي الذي سيصل عدد أفراده إلى 100 شخص. وإذا ضم هذا المجلس عددا كبيرا من النواب المنتمين لأحزاب دينية فإنه يكون من السهل رفض قرارات الحكومة وتحدي الفكرة الداعية إلى تحول العراق إلى بلد علماني وديمقراطي. \r\n وقال مخلص الذي يرى أنهم يحصلون على دعم كبير من إيران الشيعية «الإسلاميون يحاولون السيطرة على عملية التغيير». والحزبان الشيعيان اللذان كانا نشيطين بشكل خاص هما حزب الدعوة الذي يتمتع رئيسه إبراهيم الجعفري بأعلى شعبية حسب استطلاعات الرأي والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، كما يقول عراقيون. \r\n وتعترف إدارة بوش بأن العملية تتضمن قدرا من التوتر. وقال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية «نحن نريد أن نشجع على الحوار لكننا لا نريد أيضا أن تصبح العملية تحت سطوة أولئك الذين يريدون اختطاف المؤتمر ومنعه من تحقيق الهدف من وراء عقده: دعم عملية الانتقال السياسي، ودعم الحكومة المؤقتة وكوسيلة تشرف على المصالحة الوطنية. العراقيون لا يريدون أن يكون المؤتمر أداة للتفرقة». \r\n وما يهدد المؤتمر هو الجانب الأمني. فأي هجوم كبير سيزعزع الحماس السائد لدى الناس حول المشاركة في الحياة السياسية حسبما حذر مسؤولون عراقيون وأميركيون. \r\n \r\n * خدمة «واشنطن بوست» خاص ب «الشرق الأوسط»