ان تلك السياسة معيبة بشكل قاتل، وذلك في ضوء عدم استعداد القائمين عليها لان يفكروا في سبب حالة الكره التي يواجهونها فلماذا هناك عشرات من الشباب المستعدين لان يفجروا انفسهم؟ لماذا قام 19 شابا من ذوى المؤهلات العلمية العالية بتفجير انفسهم وتدمير حياة الوف اخرين في احداث الحادي عشر من سبتمبر؟ لماذا تزداد اعمال المقاومة على الرغم من احتمال مقتل القائمين عليها؟ اننا نحتاج اولا الى ان نتفهم تلك الحقيقة قبل التعامل معها. \r\n \r\n هناك بالفعل ثلاثة محاور استراتيجية يمكن التعامل من خلالها مع هذا الوضع الاول، وهو الذي اقترب بوش بشكل خطير من التعبير عنه بوضوح واقرار، يتمثل في اعتبار ان ما يجرى هو صراع بين القيم الغربية والاسلامية وحقيقة الامر تشير الى ان التعبير عن الوضع بهذه الصورة يصب في مصلحة المتشددين الذين يريدون وقوع المزيد من الهجمات من جانب اميركا وحلفائها حتى يتسنى لهم استقطاب المزيد من الانصار الى صفهم وربما يستطيعون من خلال ذلك ان يطيحوا بالتقاليد العلمانية. \r\n \r\n والاتجاهات الغربية الموجودة في العالم الاسلامي، ولسوف يكون للامر تأثير خطير كذلك على البلدان الغربية، التي تضم جاليات مسلمة كبيرة العدد، اذا ما تم التعبير عن الوضع الحالي بأنه صراع بين القيم الغربية والقيم الاسلامية. \r\n \r\n المحور الثاني، وهو الذي تتبناه عناصر المحافظين الجدد الرئيسيين في العالم، يتمثل في التركيز على استخدام القوتين العسكرية والاقتصادية. لقد كانت اهداف حربي افغانستان والعراق جيو سياسية متمثلة في اقامة قواعد في آسيا الوسطى والشرق الاوسط ونفطية، تتعلق بتأمين اكبر منطقتين مصدرتين للبترول في العالم غير ان هذا الاسلوب في العمل يعد هو الآخر استراتيجية خاسرة، فأفغانستان آخذة في الخروج عن نطاق سيطرة اميركا، اذ تزداد المقاومة الافغانية بشكل واضح. \r\n \r\n في ضوء قيام طالبان باعادة تنظيم صفوفها وتزايد النفوذ الروسي هناك بشكل منتظم فالآن وبعد مرور عامين على الحرب التي من المفترض انها انتهت في افغانستان، لا تزال اجواء العنف تعصف بذلك البلد، وليس هناك ما يشير الى وجود جيش افغاني يمكنه ارساء الامن في البلاد. \r\n \r\n كما ان الورطة العراقية هي الاخرى اكثر سوءا من قبل. ان وطأة مقتل اكثر من 10 الاف مدني واصابة 20 ألفا آخرين وكذلك الخسائر الاكبر في صفوف العسكريين العراقيين تلك المعاناة المستمرة بعد مرور اكثر من عام على الغزو يفاقمها ذلك الفشل في توفير الخدمات الاساسية، التي يحتاجها الشعب، والتسرع في حل الجيش العراقي والبطالة المتفشية والمعاملة الوحشية التي يمارسها الجنود الاميركيون ضد العراقيين. \r\n \r\n وفي الوقت نفسه لم يتم كسر شوكة تنظيم القاعدة وتبعا لتقديرات الاستخبارات الاميركية فان تنظيم القاعدة لايزال يدير خلايا ارهابية في اكثر من 65 دولة، ولايزال يعمل لديها 50 ألفا من الكوادر التي تنتمي لجيلين من اجيال قدامى المحاربين الافغان. \r\n \r\n ان «القاعدة» تستمد قوتها من سببين رئيسيين، اما الاول فهو انها تعد رمزا للوقوف ضد الهيمنة الغربية والآخر هو انها بنت لنفسها عمقا استراتيجيا عن طريق الابقاء على صلات عملياتية مع بعض من اقوى الجماعات المتشددة في الشرق الاوسط واسيا وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فقدت القاعدة 16 من قادتها الكبار البالغ عددهم 25 قائدا غير انها تأقلمت مع الوضع واعادت تحويل نفسها بشكل سريع الى قوة اكثر تحركا ومرونة واكثر قدرة على المراوغة من ذي قبل وعلى الرغم من اعلان تلك «الحرب على الارهاب» خلال العامين الماضيين، وهي الحرب التي شنت من خلال 18 هجوما على الاقل في عدة مناطق من العالم، الا ان القاعدة تبدو اكثر تأثيرا وفعالية من العامين اللذين سبقا احداث 11 سبتمبر. \r\n \r\n ان التحكم العسكري والسيطرة على مجريات الامور من الناحية الحربية، على الرغم مما تم تحقيقه في هذا المجال من نجاحات مهمة، هو امر لا يمثل سوى مؤشر بسيط للقدرة على استئصال شأفة «القاعدة» التي بشكل فعلي تثبت كلما جرى تقليص وجودها في مناطق معينة من العالم، انها قادرة على العودة سريعا في مناطق اخرى، غير ان هناك محورا ثالثا بديلا للتعامل مع الوضع الحالي والشيء الاهم هو انه يجب ايلاء اهتمام اكبر بالبعد السياسي للموقف اذا كانت هناك رغبة في تناول ومعالجة التظلمات والشكاوى الحقيقية . \r\n \r\n والكبيرة التي تستغلها القاعدة لتقوية اركانها ولا جرم ان هذا الامر يتطلب احداث بعض التغييرات السياسية التي ستثير جدلا في المنطقة وفيما يتعلق بالعراق يجب ان يكون هناك تفويض واضح يمنح للامم المتحدة لتحل محل قوات التحالف مع تحديد موعد مبكر لسحب تلك القوات وهذا يعني ان توضح الولاياتالمتحدة بانها لن تبقي على احتلال فعلي طويل الاجل عن طريق الاحتفاظ بقواعد عسكرية والسيطرة الفعلية على النفط والامن والاقتصاد. \r\n \r\n بعد قرار اميركا بسحب معظم قواتها من السعودية، فهل هناك من داع لوجود قوات اميركية ترابط بشكل دائم في المنطقة ام ان هناك وسيلة بديلة لاظهار قوتها؟ \r\n \r\n لن يجرى القضاء على التهديد الذي تمثله «القاعدة» حتى تقوم اميركا بتبني سياسة اكثر توازنا في الشرق الاوسط، وحتى يمكنها ممارسة ما يستلزم من ضغوط لحمل اسرائيل على اقامة دولة فلسطينية قادرة على البقاء، وبدلا من اتباع سياسة انهزامية تقوم على فرض تغييرات في انظمة بعض دول المنطقة سيكون من الافضل ان يجرى تحديد اسماء الدول التي من المحتمل ان تؤدي ظروفها الى تعزيز التشدد ثم محاولة معالجة تلك الظروف عن طريق برامج مساعدة اقتصادية دولية معدة بشكل جيد. \r\n \r\n تلك ليست اهدافا خيالية طوباوية غير ان الولاياتالمتحدة لن تتحرك نحوها من دون ان تمارس عليها ضغوطا كثيرة من قبل حكومات صديقة فبريطانيا بحاجة لان توضح بقوة ان الدعم البريطاني لاميركا لايمكن ان يستمر بلا شروط ولعل اهتمام بوش الكبير ببقاء بلير رئيسا للوزراء في بريطانيا كما كشف كتاب بوب وودوارد الاخير يمثل رسالة يجب تفهمها بشكل جيد في واشنطن. \r\n \r\n اذا اريد ان لا يحدث في لندن وبوسطن ما حدث في بالي وكيكامباك (كينيا) والدار البيضاء والرياض وجاكرتا واسطنبول ومدريد فانه يجب الركون الى تلك السياسات الدبلوماسية التي من شأنها ان توفر لنا حماية افضل بكثير من اعتمادنا على القوة العسكرية والمعلومات الاستخبارية وحسب، على الرغم مما تمثله هاتان الاداتان من اهمية حيوية. \r\n \r\n