كشف تقرير أعده الباحث الحقوقي حسام بهجت عن تفاصيل وقائع الفاسد ونهب المال العام والتحايل وإخفاء مبارك لفواتير شراء قصور وفلل وأثاث لنجليه وأحفاده ، فيما عرف بقضية "القصور الرئاسية" عن أن رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق محمد التهامي الذي عينه المشير السيسي رئيسا للمخابرات العامة بعد الانقلاب رفض التحقيق في هذه المخالفات حتي كشف أمرها ضابط بالجهاز للرئيس مرسي فأمر بعزل التهامي وتحقيق النائب العام فيها بعدما كان يرفض . وقد أورد التحقيق الذي شمل 2000 صفحة كمًا كبيرا من المعلومات الصادمة التي تصور بعضا من جوانب تلك المرحلة السوداء من تاريخ مصر، والحياة الباذخة لأسرة مبارك واعتبروا مال الدولة ملكا لهم واغترفوا منه بلا حساب ، ولجوئهم إلى الاحتيال والتزوير لتغطية نفقاتهم ، حيث أمر مبارك وأعوانه بضرورة إخفاء طبيعة تلك المشتريات الخاصة له ولأسرته ، وتصويرها على أنها تكاليف لأعمال صيانة وهمية لأبراج الاتصالات المنتشرة في أنحاء مصر، بغرض توفير خطوط اتصال آمنة مع رئيس الجمهورية !؟. فيلات ومكاتب جمال وعلاء علي حساب المصريين وهذه المشتريات - بحسب شهادات أشخاص انتدبوا للعمل في القصر الرئاسي وكانت وظيفتهم الحقيقية هي تلبية طلبات وتكليفات الرئيس والهانم وابنيها وزوجتي الابنين – تتضمن : منازل ومزارع ومكاتب والترميمات والتشطيبات وتغيير الديكورات، كما شملت شراء الأجهزة الكهربائية وقطع الأثاث ومستلزمات المطابخ ، وكان من بين الطلبات الأولى التي تلقاها الضابط رفيع الرتبة الذي عين مشرفا هندسيا على المقار الرئاسية، أمر من الهانم زوجة مبارك بشراء خمس ثلاجات ألمانية لكل واحدة بابان ، وأمر من مبارك نفسه لشراء مقعد خاص له ولحفيديه الصغيرين . كما أورد التقرير تجديد ديكورات مكتبي علاء وجمال اللذين أدارا منهما أعمالهما الخاصة، وتجهيز فيلا جمال التي اشتراها في القطامية، والجناح الذي بناه المقاولون العرب في قصر العروبة للحفيدة التي ولدت في عام 2010 ، والمكتب الخاص الذي خصصته الهانم سوزان لنفسها في فندق سيتي ستارز كونتننتال والفيلات الخمس التي امتلكتها الأسرة في شرم الشيخ ومزرعة جمال وعلاء على طريق الإسماعيلية التي تتمدد على 25 فدانا، ومدفن الأسرة الفاخر الذي بناه المقاولون العرب بعد وفاة حفيد مبارك . من أهم شهود القضية الضابط المهندس ذو الرتبة الرفيعة (عمرو خضر) الذي عين للإشراف الهندسي على المقار الرئاسية وضابط آخر كبير بالرقابة الإدارية، اسمه (معتصم فتحي) الذي كان مع نخبة من زملائه مسئولين عن التحقيق في فساد الوزراء ورؤساء الهيئات العامة. من يحاسب رئيس المخابرات ؟ فبعد سقوط مبارك تقدم معتصم فتحي ببلاغ إلى النائب العام اتهم فيه مبارك وكبار معاونيه بالفساد، تحديدا في مجال تخصيص أراضي الدولة والوحدات السكنية ، لكن البلاغ لم يتحرك طوال فترة حكم المجلس العسكري ، وبعد انتخاب الدكتور محمد مرسي جدد معتصم بلاغه إلى النائب العام ووجه اتهامه إلى رئيس الرقابة الإدارية (محمد التهامي رئيس المخابرات العامة الحالي) بالتستر على نظام مبارك، وظهر على التلفزيون قائلا إن هناك 14 واقعة فساد محددة قدمها ضباط الرقابة ولكن رئيس الجهاز منع التحقيق فيها . حينذاك استدعى معتصم إلى رئاسة الجمهورية وأوصل شهادته التي أسفرت عن عزل مرسي لرئيس الجهاز من وظيفته بقرار رئاسي في 2 سبتمبر 2012 وتعيين آخر مكانه ، قبل أن يعيده السيسي رئيسا لجهاز المخابرات ، ولم يتم التحقيق معه حتى الآن بتهمة التستر علي فساد مبارك . أما الضابط عمرو خضر ، وبعد القبض عليه في مارس 2013 ، فقد قال لمحققي النيابة: "كنت أنفذ تعليمات رئيس الجمهورية وأسرته ، ولم يكن لي أن أرفض تنفيذ الأوامر وقالوا لي إن هذا هو النظام الذي كان متبعاً حتى قبل أن أنتقل للعمل في السكرتارية الخاصة" !. من يحاسب رئيس الوزراء ؟! وبحسب ملف القضية : "قدم الضابط المهندس (خضر) للنيابة شرحا تفصيليا لكيفية ارتكاب الجريمة حيث كان يتلقى التكليف من أحد أفراد آل مبارك لإجراء أعمال أو شراء مستلزمات، ثم يقوم بتحويل الطلب إلى أحد مقاولي الباطن الذين يتم اختيارهم من قاعدة بيانات تقوم السكرتارية الخاصة للرئيس بتجميعها وتحديثها دوريا. وبعد انتهاء مقاول الباطن من تنفيذ الأعمال المطلوبة أو شراء الأجهزة والمستلزمات كان يقوم بتقديم الفاتورة إلى خضر، الذي يقوم بدوره بمراجعتها وإضافة توقيعه الخاص، قبل أن يرسل المقاول مع الفاتورة إلى موظف آخر برئاسة الجمهورية يدعى محي الدين فرهود. كان فرهود، وهو أيضا أحد المتهمين الخاضعين للمحاكمة حاليا في نفس القضية، مسئولا عن مراكز الاتصالات الرئاسية المعنية بتوفير خطوط الاتصال الآمنة للرئيس. وعندما كان أحد مقاولي الباطن يقدم لفرهود أي فاتورة تحمل توقيع خضر، كان فرهود يعمل مع المقاول على إعداد فاتورة أخرى وهمية تشير زورا إلى أن نفس القيمة المالية قد تم إنفاقها على صيانة أحد أبراج اتصالات الرئاسة !!. بعد هذا كان المقاول يذهب بالفاتورة المزورة إلى إحدى شركات المقاولات المملوكة للدولة (المقاولون العرب) ، والمكلفة بصيانة أبراج الاتصالات الرئاسية، حيث تقوم الشركة باعتماد الفاتورة الوهمية، وإضافة هامش ربح للشركة، ثم إصدار أمر بالدفع لمقاول الباطن من أموال الدولة. وتقول النيابة أن هذه الشركة العامة التي سهلت الاستيلاء على ملايين الجنيهات من موازنة الدولة لإنفاقها على القصور الخاصة لآل مبارك هي شركة المقاولين العرب، وبينما يخضع الآن اثنان من موظفي الشركة الصغار للمحاكمة في نفس القضية بتهم تسهيل الفساد والتزوير وإهدار الأموال العامة، فإن قرار الاتهام جاء خاليا من اسم رئيس مجلس إدارة الشركة (المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء الحالي) طوال نفس الفترة، رغم أن مذكرات التحقيقات اتهمته بالاسم بالاشتراك في ارتكاب نفس الجرائم وبين عامي 2001 و2012 كان رئيس الشركة هو إبراهيم محلب، الذي تم تعيينه رئيسا لوزراء مصر في فبراير الماضي. وقد أرشد "خضر" المحققين إلى شقة في التجمع الخامس بأطراف القاهرة كان قد احتفظ فيها بصناديق احتوت على 1007 فواتير بالمبالغ التي أنفقتها أسرة مبارك على ممتلكاتها الخاصة، ذلك أنه لكي يحمي نفسه ويؤمنها كان قد قام بتصوير الفواتير الأصلية، ومع كل واحدة نظيرتها المزورة والوهمية التي صرفت على أساسها قيمة المشتريات ، وكانت تلك الفواتير من أهم الأدلة التي جرى الاعتماد عليها في إدانة مبارك وأسرته . ورغم أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن عملية الفساد هذه برزت منذ عام 1990، أي بعد تسعة أعوام من تولي مبارك للسلطة، إلا أن عدم توافر وثائق تكشف عن حجم الأموال المنهوبة في تلك المرحلة المبكرة جعل النيابة التي تولت التحقيق في الأمر تركز على التجاوزات التي حدثت في الفترة من عام 2003 وحتى 2011 . وقد قدرت النيابة المبالغ التي تم إنفاقها على الممتلكات الخاصة للأسرة في تلك الفترة وحدها بنحو 125 مليون جنيه، تم الاستيلاء عليها من أموال دافعي الضرائب ، وقد زورت مستندات صرفها كي تبدو وكأنها نفقات صيانة مراكز الاتصالات الرئاسية ، وطول الوقت كانت عمليات التنفيذ وترتيب الأوراق والمستندات تتم من خلال شركة المقاولين العرب .