تعددت الأخبار خلال الأسبوع الماضي التي تتساءل عن سبب تجاهل وسائل الإعلام لعملية اختطاف ما يزيد على مائتي فتاة على أيدي جماعة بوكو حرام المتطرفة المناهضة للغرب في نيجيريا. وعلى رغم ذلك كانت هناك مئات التعليقات المنشورة على موقع «فيسبوك»، وآلاف التغريدات، وعشرات التقارير في وسائل الإعلام بشأن ما يجري. واستغرق الأمر ما يزيد على أسبوع، وهو أكثر من ما ينبغي في ضوء حجم الجرم المرتكب، ولكن في النهاية حصلت هذه القضية على مزيد من الاهتمام الإعلامي أكثر من أي حادث اختطاف لفتيات في صراع مسلح.. ربما على الإطلاق. ومن المؤسف أن ما حدث لهذه الفتيات ليس جديداً على الإطلاق، فنماذج الاتجار في الأطفال في أماكن الصراع كثيرة ومنتشرة في أنحاء العالم. وفي 14 أبريل، اختطفت جماعة «بوكو حرام»، والتي تعني ترجمتها «التعليم الغربي حرام»، فتيات نيجيريات من المدرسة الثانوية في مدينة «تشيبوك» الواقعة شمال شرق الدولة. وسرعان ما اختفت القافلة في الغابة، ومنذ ذلك الحين، انتشرت الشائعات في أنحاء الدولة بشأن مصيرهن، وتشير تقارير إلى أنه قد تم بيع الفتيات للزواج أو الاستعباد في مقابل أقل من 12 دولاراً، وكأنه لو كان تم بيعهن بقيمة أكبر فإن ذلك كان سيحسن الوضع! وتحاول جماعة «بوكو حرام» استعادة سيطرتها على شمال نيجيريا ممن تعتبرهم «مسلمين مزيفين»، وتقدر «مجموعة الأزمات الدولية» أن الجماعة الإرهابية المرتبطة بتنظيم «القاعدة» قتلت أكثر من أربعة آلاف شخص في نيجيريا منذ أن بدأت تمردها قبل أربعة أعوام. وشنت الجماعة سبع هجمات على بعض المدارس في عام 2013، حسبما أفادت «منظمة العفو الدولية»، بينما تؤكد «هيومان رايتس ووتش» أن المسلحين استغلوا في السابق الأطفال في أعمال القتال. وعلى رغم ذلك، فاقم اختطاف ذلك العدد الكبير من الطالبات الأزمة، وقد اختارت «بوكو حرام» ضحايا معرضين للخطر على مر التاريخ، وفي الواقع تعتبر الفتيات من البشر المهمشين الذين يتم استغلالهم وتجاهلهم عالمياً. ولا شك في أن اعتبار الحادث مجرد حالة اتجار في البشر (أو عبودية العصر الحديث كما يروق للبعض وصفها) هو تغافل عن حالة أكبر، فالجرائم ضد النساء والفتيات ليست مجرد أمر شائع، وإنما أيضاً يتم تجاهلها ولا تحظى بملاحقة قضائية مؤثرة، ولا تجد تغطية إعلامية دولية كل يوم، وخصوصاً عندما تحدث في الجنوب العالمي. وتقول الناشطة الإعلامية والكاتبة ثريا شمالي: «إن أشياء مثل العنف ضد النساء والفتيات يبدو أنها باتت أمراً مألوفاً، أو موجوداً، والناس يتوقعون حدوثه». وأضافت: «أن التقارير الإخبارية تشير إلى ما حدث للفتيات النيجيريات المختطفات على أنه زواج أطفال»، موضحة أن هذا التعبير«يخفف ما يحدث ويجعله مستساغاً للناس، وهو في الحقيقة خلاف ذلك». من جانبها، تعتقد «عقيلة راداكريشنان»، المديرة القانونية في «مركز العدالة العالمية» أن فهم ما يجري أمر ضروري لوضع نهاية له، موضحة أن الإخفاق في فهم تجارب فتيات بعينها يعيق جهود المحاسبة والإصلاح وإعادة التأهيل. وعلى سبيل المثال، أخفقت قضية زعيم الميليشيا الكونغولية «توماس لوابانجا»، المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي ركزت على المحاسبة بسبب استخدام أطفال كجنود، في أن تتضمن أي شكل من أشكال العنف «الجنسي» ضد الأطفال في الاتهامات والعقوبات. وأوضحت «راداكريشنان» أن من بين الضحايا ال 129 الذين شاركوا في المحكمة، أخبر 30 أنهم تعرضوا لأعمال عنف جنسي، وبالنسبة لهذه الفتيات، كان هذا العنف جزءا من تجربتهن في الصراع. وفي محاولة لتصنيف ما حدث للفتيات النيجيريات، تحدثت إلى «كريستينا فينش»، رئيسة برنامج حقوق المرأة التابع ل«منظمة العفو الدولية». وتساءلت «فينش» قائلة: «هل هذا هو أسلوب النقاش الطبيعي للناس عندما يتحدثون في مشكلة الاتجار بالبشر العالمية؟»، مضيفة: «بالطبع لا، فما حدث للفتيات النيجيريات هو أمر يتعلق إلى حد كبير باستغلال النساء مراراً وتكراراً كوسيلة للحرب على مر التاريخ». وتستهزئ «بوكو حرام» من عالم تسامح كثيراً مع استخدام الفتيات كسلاح، ومن ثم تستهدف الشريحة الأضعف في المجتمع والأقل قوة. ولا تختلف هذه الأفعال في جوهرها عن استخدام الحكومة السورية النساء كأهداف للمعاقبة في تلك الحرب الدائرة، وذلك بالقيام بعمليات اغتصاب للنساء والأطفال أمام أزواجهن أو إرسال أشرطة فيديو للاغتصاب إلى الأسر كوسيلة لإذلالها. وأفاد أدوتي أكوي، مدير إدارة العلاقات الحكومية لدى «منظمة العفو الدولية»، بأنه من دون شك، تعتبر هذه خطوة جريئة من «بوكو حرام» في الصراع الدائر في نيجيريا، قصدت من خلالها تعزيز سلطتها في الدولة التي تحاول تجاهل المجموعة الإرهابية أو ترغب في إبعادها. وذكر أن بعض هذه الفتيات سيتم بيعهن كجوائز، بينما ستمنح أخريات سبايا للمقاتلين، ويحدث توزيع السبايا في الصراعات في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ التقيت فتيات كان قد تم اختطافهن من قبل عدد من الميليشيات وبقين في الأسر لأشهر. ورجح أكوي أن بقية الطالبات النيجيريات سيتم بيعهن من أجل جمع الأموال، موضحاً أن عمليات الاختطاف تجعل «بوكو حرام» أكثر وحشية ومهابة. وأكد أن الجماعات المسلحة تتنافس فيما بينها بشأن أيها يمكن أن تخيف السكان بدرجة أشد، وفي هذه المنافسة يبدو أن «بوكو حرام» ستفوز. مدير مشروع «نساء تحت الحصار» في نيويورك نوع المقال: عام