النظر إلى أن الأميركيين المسلمين وذوي الأصول العربية كانوا يترقبون بشغف اتخاذ إدارة أوباما إجراءات من شأنها إنهاء ممارسات وإرشادات «التصنيف عند تطبيق القانون» على أساس ديني وعرقي التي ترجع إلى عهد بوش، فربما ساورنا قلق عميق خلال الأسبوع الجاري بسبب تقارير صحافية تفيد بأن المدعي العام «إيريك هولدر» قد يقترح الإبقاء على كثير من تلك البرامج التي عرضت حقوقنا كمواطنين أميركيين للخطر بشكل كبير. وقد انتظرنا إدارة أوباما ما يربو على خمسة أعوام كي تضع نهاية لهذه الممارسات، ولكن الآن نخشى من أنها ربما لن تفعل ذلك. وفي ذاكرة مجتمعات الأميركيين المسلمين وذوي الأصول العربية تاريخ حافل بالقلق من جراء أنشطة «التصنيف العرقي عند تطبيق القانون». وعلى سبيل المثال، في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، كان ذوو الأصول العربية يتعرضون بصورة منتظمة إلى إخراجهم من صفوف تسجيل الدخول في المطارات ويخضعون لعمليات تفتيش مهينة على مرأى ومسمع من المسافرين. ويمكنني أن أتحدث من واقع تجربتي، ولاسيما أنني تعرضت لمثل هذه السلوكيات أثناء تلك الفترة، وقد كانت إجراءات استدعائي ذات مرة من الطابور وتفتيشي بصورة وقحة ومعاملتي كمشتبه به أمام المسافرين أمراً مؤذياً ومحرجاً. وعندما تم السماح لي في النهاية بركوب الطائرة، جعلت نظرات الركاب التجربة أكثر صعوبة وإزعاجاً. وقد أدليت بشهادتي حيال مثل هذا النوع من «التصنيف العرقي عند تطبيق القانون» أمام الكونجرس واللجنة الخاصة التي ترأسها نائب الرئيس «جور»، وتحديت «إدارة الطيران الفيدرالية» أن تقدم لي مثالاً واحداً أسفر فيه «التصنيف غير الموضوعي عند تطبيق القانون» عن اكتشاف تهديد على سلامة الطيران، فلم تستطع. وبفضل ذلك، بعد فترة قصيرة، أوصت لجنة «جور» بإنهاء مثل هذه الممارسات في المطارات المحلية. وأثناء الحملة الرئاسية في عام 2000، تعهد بوش بإنهاء كافة أشكال التنصيف ضد الأميركيين العرب، ولكن ثبت أن فرحة البعض في جاليتنا كانت سابقة لأوانها. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، حاصرت وزارة العدل بشكل تمييزي المهاجرين العرب لترحيلهم، وأجرت اتصالات بكافة المهاجرين من الدول العربية والإسلامية، وأطلقت العنان لمسؤولي الجمارك وحرس الحدود في التعامل بصورة تمييزية مع الأميركيين من المسلمين وذوي الأصول العربية العائدين إلى الولاياتالمتحدة من كندا. وكانوا يفتشون ما يحملونه من أجهزة الكمبيوتر والهواتف والملفات ويذلونهم أمام أسرهم ورفاقهم من المسافرين. وفي عام 2003، وضع «جون أشكروفت»، المدعي العام في عهد بوش، أساساً لهذا التمييز عندما أصدر إرشادات تحظر ممارسة «التصنيف عند تطبيق القانون»، ولكنها تركت ثغرة مفتوحة بحجة الأمن القومي. وقد كانت هذه الثغرة هي التي منحت غطاءً ومبرراً لبرنامج «التخطيط الديموغرافي» المشين الذي تنفذه إدارة شرطة نيويورك ووكالة الاستخبارات المركزية. وأفضل ما يوصف به هذا البرنامج هو أنه «تصنيف مسعور»، إذ أجبرت الإدارة -بتوجيهات من وكالة الاستخبارات المركزية- بعض المهاجرين على العمل كمخبرين داخل مجتمعاتهم، ومن ثم، يتم إرسالهم إلى المساجد وأماكن العمل التي يملكها عرب والقاعات الاجتماعية في أنحاء منطقة العاصمة، على أن يقدموا تقارير. وكانوا يجمعون معلومات بشأن الجماعات التي تتواجد هناك والمحادثات التي يتبادلونها ومحطات التلفزيون التي يشاهدونها، على أن يتم جمع المواد في سلسلة من التقارير حسب «مناطق الاهتمام» عن كل من الجاليات العربية والإسلامية في المدينة. وبالطبع، تثير الطريقة التي يتم بها جمع المعلومات الواردة في هذه التقارير وأسلوب عرضها واستخدامها، مشاعر الخوف والقلق، ولاسيما أنها تتعامل مع جالية بأسرها مكونة من مئات الآلاف من الأشخاص الأبرياء على أنهم مجموعة من المشتبه فيهم. وبرنامج إدارة شرطة نيويورك بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية، ليس سوى مثال، وإن كان متطرفاً، على التصنيف في تطبيق القانون على أساس ديني وعرقي، والذي يهدد، إن ترك من دون محاسبة، بتقويض حقوقنا الأساسية كأميركيين. وبدلاً من الإغلاق المباشر للثغرة المتروكة من عهد بوش، واصلت إدارة أوباما العمل وفق إرشادات «أشكروفت» خلال الأعوام الخمسة الماضية. وفي أعقاب محاولة تفجير رحلة طيران «نورث ويست» في عام 2009، وضعت هذه الإدارة برنامجها التمييزي الخاص للتصنيف عند استخدام القانون ضد الركاب العرب والمسلمين. وقال المدعي العام «إيرك هولدر» ذات مرة «إن جهات تطبيق القانون لا ينبغي أن تراقب أنشطة المواطنين إلا عندما يكون هناك أساس للاعتقاد بأن شيئاً ما غير ملائم يحدث أو محتمل الحدوث». وعليه، طالما أن كون الشخص عربياً يعيش في نيويورك أو يسافر عبر أحد المطارات لا يعتبر مؤشراً كافياً على سلوك غير ملائم، أعتقد أن على المدعي العام الأميركي أن يتحرك لتطبيق كلماته. وأؤكد على أن استخدام «التصنيف على أساس عرقي أو إثني أو ديني» من قبل جهات تنفيذ القانون لا يتفق مع المبادئ الأميركية ويجب وضع نهاية له، فاستهداف الناس بسبب أشكالهم أو صفات المجتمعات التي ينتمون إليها هو تمييز في أسوأ أحواله ومبرر هزيل لجهات تنفيذ القانون. وبنصب شباك كبيرة واستهداف مجموعات إثنية وعرقية بأسرها بدلاً من التركيز على سلوكيات محددة، لا تهدر جهات تنفيذ القانون موارد ثمينة فحسب، وإنما تجازف أيضاً بكسر حاجز الثقة وتُنفّر المجتمعات التي يمكن أن تكون مفيدة في بناء شراكات قوية. ويريد الأميركيون المسلمون من ذوي الأصول العربية التعاون مع جهات تنفيذ القانون من أجل الحفاظ على أمن الولاياتالمتحدة، ولكنهم يريدون أيضاً أن يعاملوا كمواطنين وشركاء لهم كافة الحقوق كغيرهم من مواطني بلادهم. نوع المقال: الولاياتالمتحدةالامريكية العالم الاسلامى