كشفت دراسة حديثة مثيرة للاهتمام نشرت في دورية الدراسات الأمنية أن ما جعل أسامة بن لادن زعيماً إرهابياً لم تكن صلابته أو كاريزمته، لكن قدرته على تسليط الضوء على الأفكار الجيدة من كل من تابعيه والغرباء على السواء. ويرتكز تاريخ الابتكار الإرهابي على الاقتباس والتكييف والتنقيح أكثر من أي مجال آخر، ف «الجيش الجمهوري الأيرلندي» لم يبتكر السيارات المفخخة، ولكنه أجاد استخدامها في سبعينات القرن الماضي، واقتبست منظمة «نمور التاميل» فكرة التفجيرات الانتحارية من «حزب الله»، ما جعلها أسلوباً قاسياً مميزاً على مدار الحرب التي استمرت عقوداً ضد الحكومة السيريلانكية. وأجمعت الدراسات القليلة التي تناولت تحليل الابتكارات الإرهابية على تسليط الضوء على الدور المركزي الذي تلعبه قيادة المجموعة في عملية الابتكار. ويشير الباحثون إلى الدور الرئيس الذي لعبه مؤسس جماعة «أوم شينريكيو» الدينية اليابانية، «شوكو أساهارا»، في تحفيز تطوير غاز الأعصاب في عام 1995، ويستشهدون بالدور المركزي الذي لعبه قائد حركة التحرير الوطني البرازيلية «كارلوس ماريغيلا» في ابتكار استراتيجية الخطف الدبلوماسي أثناء الحراك الثوري في البرازيل. ويعتبر تأثير وديع حداد على «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» لتبني عمليات خطف الطائرات من بين الأدوار المهمة، وكذلك الدور الجوهري لمناحم بيجن في صياغة استراتيجية «البيت الزجاجي». وينسب للقيادي الفلسطيني أحمد جبريل دوراً مهماً في الدفع من أجل تطوير عدد من الأساليب المبتكرة للقيادة العامة ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، مثل استخدام أجهزة «الضغط البارومتري» في تفجير الطائرات واستخدام الطيران الشراعي المعلق في اختراق أراضي العدو. وفيما يتعلق بدراسة الأفكار التي أفضت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أفاد الباحث في أساليب «تنظيم القاعدة»، عساف موخادم، بأنه على النقيض تماماً من المنظمات الإرهابية الأخرى، اشتهر «تنظيم القاعدة» بتلقي مقترحات الهجمات الإرهابية من عدد من الجهاديين. وبالنظر إلى أن «القاعدة» تنظيم يجب «الجهاديين»، تبنى أشكالاً من إدارة الأعمال مثل الهيكل التنظيمي والإستراتيجية المرنة، مطبقاً لها على تنظيم إرهابي عالمي. والمثال الأساسي لهذه العملية كان دعم بن لادن للعقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر خالد شيخ محمد، وهو نوع من رواد الإرهاب البارزين، الذي رفض في بادئ الأمر الانضمام بشكل رسمي ل«تنظيم القاعدة». ويصف «موخادم» كيف طور «خالد شيخ محمد» بمرور الوقت فكرة الهجمات، مستفيداً بصورة خاصة من التفجيرات الفاشلة، وخصوصاً تفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993 ومؤامرة «بودجينكا»، وهي خطة تم إحباطها لتفجير عشرات الطائرات الأميركية في آسيا. وتبدو دراسة كيفية استفادة هذه الجماعات من أخطاء ونجاحات بعضها وثيقة الصلة بشكل خاص، في ضوء التراجع النسبي في انتشار ونفوذ «تنظيم القاعدة المركزي»، الذي يقوده خليفة بن لادن أيمن الظواهري، مقارنة بفروعه المتعددة. والعامل الآخر الذي يشير إليه موخادم لكنه لم يتناوله بشيء من التفصيل العميق هو ولع تنظيم «القاعدة» الغريب بضرب قطاع الطيران الدولي. وخلال الأعوام الأخيرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يبدو أن مؤامرات تنظيم «القاعدة» وفروعه تركزت على مهاجمة الطائرات، على رغم تشديد الرقابة الأمنية المحيطة بالطائرات والمطارات بدرجة أكبر من الأهداف الأخرى، لكن هذا الهوس يبدو غريباً بعض الشيء. نوع المقال: سياسة دولية