تمر هذا الأسبوع الذكري العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي استقبلتها الولاياتالمتحدة بتهديدات جديدة أشارت إليها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في الخطاب الذي ألقته بمدينة نيويورك، وقالت إن هناك أخباراً"عن تهديد محدد له مصداقية من دون أن يتأكد، وعن أن القاعدة تحاول مرة جديدة إيذاء الأمريكيين خاصة استهداف نيويورك وواشنطن". ويعتقد مسئولون أمريكيون أن هذا التهديد ربما يكون مرتبطاً بزعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي تولي قيادة القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن في مايو في غارة أمريكية في باكستان. وأعلن البيت الأبيض عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أي تهديدات جديدة وعن نشر قوات شرطة إضافية وموارد إضافية للكشف عن السيارات المفخخة. وأعلن مفوض شرطة مدينة نيويورك، ريموند كيلي، انه تم نشر أفراد شرطة مدربين علي استخدام أسلحة ثقيلة كما تمت زيادة الدوريات في نيويورك بمقدار الثلث وفرض إجراءات تفتيش علي العبارات والأنفاق والجسور. الانتقام لمقتل بن لادن التهديد الذي تعرضت له الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل ثلاثة أيام علي الذكري السنوية العاشرة لاعتداءات 11 سبتمبر رفع درجة الحذر والاستنفار الأمني إلي درجة عالية حيث تتوقع إدارة أوباما رد فعل انتقاميا بعد مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن حيث تمكنت فرقة كوماندوز من قتله مخبئه في بلدة أبوت آباد في باكستان، و التحصل علي وثائق وملفات الكترونية أظهرت أنه كان يعد لضربات تتزامن مع الذكري السنوية لاعتداءات سبتمبر. يذكر أن أحداث 11 سبتمبر شهدت اصطدام طائرتين مخطوفتين ببرجي مركز التجارة العالمي مما أدي الي انهيارهما، بينما استهدفت طائرة ثالثة البنتاجون وتحطمت رابعة في حقل في بنسلفانيا بعد تمكن الركاب من السيطرة علي الخاطفين. أحيت الأممالمتحدة ذكري 11 سبتمبر يوم الجمعة الماضي، ووقف سفراء الدول الاعضاء في الاممالمتحدة دقيقة صمت في المراسم التي جرت في الجمعية العامة للامم المتحدة. وقالت سفيرة الولاياتالمتحدة لدي الأممالمتحدة سوزان رايس إن الولاياتالمتحدة ستستمر في التعاون مع المجتمع الدولي لإعاقة وتفكيك وهزيمة القاعدة. ودعا جوزف ديس رئيس الجمعية العامة التي تضم 193 دولة الي بذل جهود جديدة بشأن ميثاق مكافحة الارهاب الذي يناقش منذ عام 1972 . من ناحية أخري، أكد الاتحاد الأوروبي تضامنه مع الولاياتالمتحدة في الحرب ضد الإرهاب ، وطالب الولاياتالمتحدة بإغلاق معسكر الاعتقال في جوانتانامو كما وعد الرئيس أوباما منذ توليه الرئاسة، وقالت مفوضة الشئون الداخلية بالاتحاد الاوروبي سيسيليا مالمستروم إن "رأي الاتحاد الاوروبي بجميع مؤسساته ودوله الأعضاء تم إعلانه عدة مرات في اتصالاتنا مع الأمريكيين". وأكد رئيس الاتحاد الاوروبي هيرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو أن ثورات الربيع العربي تمثل الرد الأقوي علي هجمات الإسلاميين ، وقال المسئولان في بيان مشترك "أرسل الشعب في شوارع تونس والقاهرة وبنغازي والعالم العربي إشارة قوية من أجل الحرية والديمقراطية. هذا هو الرد الأقوي علي الكراهية الحمقاء والتعصب الأعمي لجرائم9/11". رفع مستوي التأهب أشارت نتيجة استطلاع للرأي قام بها معهد جالوب إلي أن 46% من الأمريكيين يرون أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها كسبوا الحرب علي الإرهاب، بينما رأي 42% أن الرابح ليس الولاياتالمتحدة ولا الإرهابيين، ورأي 9% من الذين شملهم الاستطلاع أن الإرهابيين هم الذين ربحوا في الحرب علي الإرهاب. في الوقت الذي رفعت فيه وزارتي الدفاع و الداخلية مستوي التأهب، تناول الإعلام الأمريكي ذكري الحادي عشر من سبتمبر بحذر أقل حيث اعتبر معظمها أن تهديد القاعدة لم يعد يمثل الخطر الأكبر علي أمن الولاياتالمتحدة في حين رأي البعض الآخر ان الإدارة الأمريكية بالفعل قد حققت نجاحاً ملموساً في حربها علي الإرهاب وهو الذي كللته بمقتل أسامة بن لادن. خصصت مجلة الشئون الخارجية الأمريكية Foreign Affairs عددها الصادر في سبتمبر الجاري لتناول ذكري 11 سبتمبر ومستقبل تنظيم القاعدة. في دراسة بعنوان "تحدي تنظيم القاعدة: حرب الجهاديين مع الإسلاميين الديمقراطيين"، يقول الدكتور ويليام ماك كانتس الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية و الأستاذ بجامعة جونز هوبكينز، إن الربيع العربي و مقتل بن لادن يمثلان أملاً جديداً وخوفاً للحركات الجهادية في الوقت نفسه. فالربيع العربي الذي أطاح بالنظم العلمانية الديكتاتورية يمثل أملاً جديداً للحركات الجهادية في إقامة النظم الإسلامية التي طالما نادوا بإقامتها. غير أن مقتل بن لادن ربما يكون بداية تشتت للحركات الجهادية التي كانت تتجمع تحت زعامة بن لادن خاصة أن البعض منها أعلن عن نيته خوض الانتخابات و المشاركة السياسية في النظم العربية في دول الربيع العربي. حقيقة القاعدة يذكرنا ماك كانتس بأن اللحظة التاريخية الراهنة تمثل تقاطع طرق شبيها بما حدث في نهاية الحرب الباردة وانسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان و انهياره فيما بعد. فهذه اللحظة ربما تكون كتلك من حيث أنها قد تؤدي إلي تنامي قوة الحركات الجهادية خاصة في ظل تحرر المجتمعات العربية سياسياً وسعيها لإعادة البناء. في دراسة أخري بعنوان "حقيقة القاعدة: ملفات بن لادن أظهرت تراجع دور الإرهابيين"، يقول الدكتور جون مولير أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوهايو، إن الدرس الأول الذي كان ينبغي علينا تعلمه من 11 سبتمبر هو أن عصابات الإرهابات الصغيرة يمكنها أن تستغل نقاط الضعف داخل الأنظمة الأمنية القائمة لأي دولة للقيام بعمل إرهابي كبير. غير إن مولير يوضح كيف أن الجميع فضل أن يري 11 سبتمبر في ضور المخطط الإرهابي الكبير لتنظيم ربما يكون يكاد يقترب من تصنيع القنبلة النووية، و هي الرؤية التي تتماشي مع المثل التركي "إن كان عدوك نملة، فينبغي أن تراه في حجم الفيل". ويؤكد مولير أن ما تم ضبطه من ملفات في مخبأ بن لادن يوضح كيف أن تهديد القاعدة تم تضخيمه كثيراً في السنوات العشر الماضية. انتقد مولير كيف أن الشعب الأمريكي ظل في حالة ترقب لهجمة نووية مرتقبة للقاعدة علي مدار العقد الماضي خاصة بعد أن حذر مايكل شوير المسئول بوكالة الاستخبارات الأمريكية (السي أي ايه) من أن مثل هذه الهجمة أصبحت وشيكة. كما حذر عالم الفيزياء ريتشارد جاروين من أن احتمال وقوع تفجير نووي في الولاياتالمتحدة أو في أوروبا تعدي نسبة ال 78 بالمائة. ولم يلتفت الكثيرون إلي الحقائق التي أكدت أن ميزانية تنظيم القاعدة لتمويل الأبحاث الخاصة بالأسلحة الكيميائية و أسلحة الدمار الشامل تراوحت من ألفين إلي أربعة آلاف دولار عام 2001 وفقاً للمعلومات التي تم التحصل عليها من أحد أجهزة الكمبيوتر الخاصة بتنظيم القاعدة في أفغانستان. تهميش دور القاعدة بعد مقتل بن لادن، أي بعد مرور عشرة أعوام، أثبتت التقارير الأولية لتحليل المعلمومات التي احتوتها أجهزة الكمبيوتر التابعة لتنظيم القاعدة أن التنظيم اعتمد علي تنظيم عمليات فردية ضعيفة التمويل وأنه كان يعاني ضعف التمويل بصفة عامة. وعلي الرغم من هذه الحقائق، فضلت الإدارة الأمريكية الاعتماد علي تضخيم الخطر بسبب توالي تصريحات بن لادن التي توعدت بالقيام بعمليات إرهابية جديدة داخل الأراضي الأمريكية متجاهلة بذلك حقيقة أخري هامة و هي أنه منذ 11 سبتمبر لم يتم العثور علي أي خلية تابعة لتنظيم القاعدة داخل الولاياتالمتحدة نفسها. ويؤكد مولير هذا التناقض بالإشارة إلي أن عدد من يموتون بسبب أعمال قام بها تنظيم القاعدة أو من يشتبه بالانتماء إليه لم يتخط بضع مئات سنوياً في جميع أنحاء العالم، وإلي أن واحدا من بين 3.5 مليون أمريكي معرض لتهديد القتل بسبب تنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر، وستظل هذه النسبة قائمة ما لم تتم إعادة هيكلة التنظيم بشكل جذري وما لم يتمكن من الحصول علي تسليح نووي. بعد مرور عقد من الزمان علي أحداث 11 سبتمبر، يري المراقبون أن تنظيم القاعدة تسبب في حدوث شرخ بين المسلمين وغير المسلمين في العالم أجمع، و في تعرض المسلمين الأوروبيين و الأمريكيين للعديد من الشبهات. وقد استطاع هذا الشرخ و كذلك العداء المتبادل بين أفراد التنظيم و بين الحركات الإسلامية في العالم العربي إلي ظهور روح وسطية جديدة في العالم الإسلامي تحاول إعادة تعريف صورة الإسلام والمسلمين في الغرب من ناحية، و تحقيق حلم إقامة الدولة الإسلامية عن طريق القنوات الديمقراطية الشرعية من ناحية أخري. ويري ويليام ماك كانتس، أن الربيع العربي قد أكد أن الشعوب العربية ليست بحاجة لتنظيم القاعدة سواء للتعبير عن إرادتها أو لمساعدتها في بناء نظمها الجديدة فعشرة أعوام من الشهرة الواسعة للتنظيم كانت كافية لتشويه صورته داخل العالمين العربي و الإسلامي بحيث قام بتهميش نفسه بنفسه.