تمثل أزمة أوكرانيا والنزاع بين الولاياتالمتحدةوألمانيا بشأن ممارسات أجهزة الاستخبارات الأميركية بداية لنهاية الهيمنة الأميركية على القارة الأوروبية التي عرفناها منذ انهيار الشيوعية. وربما يكون التفكك سريعاً أو هادئاً وطويلاً، لكنه قادم. وأزعم أن الاتحاد الأوروبي مسؤول مسؤولية أساسية عن ما يحدث في الوقت الراهن في أوكرانيا، لاسيما أن شغف التوسع المسيطر على المفوضية الأوروبية منذ تسعينات القرن الماضي ارتكز على الاهتمام المنطقي والمثير للإعجاب بإعادة التأهيل الاقتصادي والسياسي وأيضا بمستقبل دول أوروبا الوسطى والشرقية الموقعة على معاهدة وارسو القديمة. وكان القرار المتخذ هو منح هذه الدول في النهاية عضوية الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه كانت الولاياتالمتحدة طرفاً في التفاوض من أجل إعادة توحيد شقي ألمانيا في بداية التسعينات، الأمر الذي أوجد ما اعتبرته روسيا مراجعة مثيرة للقلق للتوازن العسكري في أوروبا. وفي غضون ذلك، كانت روسيا تعاني من اضطرابات داخلية، بداية من عام 1991 بالتزامن مع الانقلاب الذي أطاح بميخائيل جورباتشوف من سدة قيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك واستبداله ببوريس يلتسن، الذي فكك اتحاد الجمهوريات السوفيتية. ودشنت الولاياتالمتحدة، حانثة في وعدها الأصلي الذي قطعته لجورباتشوف، برنامجاً لمنح الدول الموقعة على معاهدة وارسو السابقة عضوية كاملة في حلف الناتو. وصاحبت المشاركة الكبيرة من الخبراء الاقتصاديين والمستشارين الأميركيين في تدهور وضع الاقتصاد الروسي، جهوداً ذات نوايا طيبة- وإنْ كانت غير محسوبة بشكل كبير- من قبل الجماعات الأميركية غير الرسمية لتحفيز استقلال أوكرانيا. وعني ذلك انقطاع العلاقة السياسية بين أوكرانيا وموسكو القائمة منذ العصور الوسطى، والتي تشكلت عندما أصبحت أوكرانيا جزءاً من الإمبراطورية الروسية في عام 1793، لكن ذلك لم يفهمه إلا أشخاص قليلون في واشنطن. وكانت أنشطة المنظمات غير الحكومية التي مولها الكونجرس الأميركي برعاية الحزبين السياسيين في الولاياتالمتحدة موجهة كي تتبنى أوكرانيا نظاماً ديمقراطياً على النمط الأميركي وتصبح دولة مستقلة. وحدث ذلك بعد اندلاع «الثورة البرتقالية» في عام 2004، والتي خلقت أزمة داخلية حتمية في أوكرانيا نفسها، التي كانت دائماً مقسمة بين الأقلية الأرثوذكسية المتحدثة باللغة الروسية التي تمثل خمس السكان في الشرق، والتي كانت مطمورة ثقافياً في التاريخ الروسي من جانب، وثلاثة أرباع السكان المتحدثين باللغة الأوكرانية في الغرب. ومن الناحية التاريخية، كانت الأغلبية الأوكرانية متشابكة بشكل كبير مع تاريخ الكاثوليك الرومان وليتوانيا وبولندا، واللتان تمثلان مجتمعتين قوة كبرى في المنطقة. وكانت الدولة البولندية المعاصرة راعي الاستقلال الأوكراني والبيلاروسي ودمجهما في الاتحاد الأوروبي. وربما يكون ذلك قراراً منطقياً ومربحاً للمشكلات الأوكرانية الراهنة لو لم يستاء بوتين من محاولة ضم أوكرانيا من قبل الاتحاد الأوروبي، والذي تعتبره روسيا على نحو منطقي خاضعاً لهيمنة ألمانياوالولاياتالمتحدة. ويحاول بوتين إنشاء اتحاد جمركي جديد، له تداعيات سياسية حتمية، مع بيلاروسيا وكازخستان، وربما دول أخرى كانت أعضاء في الاتحاد السوفيتي السابق، ومن المفترض أن الغرض من معركته الراهنة من الحوافز والتهديدات مع الاتحاد الأوروبي هو ضم أوكرانيا إلى هذا الاتحاد. ولعل هذا يفسر العرض غير المتوقع من قبل الرئيس بوتين بتقديم 15 مليار دولار إلى أوكرانيا المضطربة اقتصادياً. وعلاوة على ذلك، أعلنت روسيا أيضاً أنها نشرت صواريخ باليستية قصيرة المدى على حدودها الغربية، في مواجهة صريحة للجهود الأميركية طويلة الأمد لبناء نظام دفاع مضاد للصواريخ بالقرب من الحدود الروسية. والأزمة الثانية التي من شأنها تقويض العلاقات الأميركية مع الاتحاد الأوروبي هو رد فعل ألمانيا العنيف تجاه أنشطة وكالة الأمن الوطني الأميركية، حيث عززت اللامبالاة والرفض من قبل إدارة أوباما من شدة رد الفعل الألماني، والتي بلغت ذروتها عندما تم الكشف عن تعرض المكالمات الهاتفية للمستشارة ميركل للمراقبة عن طريق القواعد الأميركية في ألمانيا، والتي لم يعد هناك سبب منطقي لبقائها هناك بعد نصف قرن من الحرب وثلاثة عقود على انتهاء الحرب الباردة. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدةالامريكية الاتحاد الاوربى-شمال اسيا