\r\n الشيء الوحيد الذي لم تقم تلك الرواية بتوضيحه هو: من هو المسؤول جوهريا عن السياسة الأميركية تجاه روسيا ، تلك السياسة التي تميزت بالعدوانية والاستبداد ، وتهديد سلامة روسيا ، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ، وذلك لأهداف لا جدوى منها. التعليق التقليدي للغرب يقول أن الحكومات الأعضاء في حلف الناتو قد قللت من شأن \"تصميم روسيا على السيطرة على مجالها التقليدي الذي كانت تسيطر عليه دوما\". \r\n \r\n هذا خطأ. لقد احتملت روسيا بهدوء وبصورة مدهشة الجهود الغربية الناجحة للاستيلاء على ما يعتبر بالنسبة لروسيا \"مجال نفوذها التقليدي\" ، إذا كان هذا المصطلح يعني حلف وارسو ، الذي ظل حتى العام 1991 المقابل الشيوعي لحلف الناتو ، ويساعد في تأمين القوات لتمكين ما كان يطلق عليه اسم مذهب بريجينيف ، والذي يقول بأن العضوية في حلف وارسو وفي \"الكتلة الاشتراكية\" أمر لا يمكن إلغاؤه والتراجع عنه. \r\n \r\n ميخائيل غورباتشوف تحرك في الاتجاه المعاكس للوضع. لقد سحب القوات من أفغانستان. \r\n \r\n لقد أعاد الرئيس بوش الأب تعريف حلف الناتو باعتباره \"أداة سياسية للاستقرار الأوروبي\" بدل كونه قوة مواجهة عسكرية. بموجب هذه الشروط وافق غورباتشوف على توحيد ألمانيا داخل الناتو. وشجعت دول حلف وارسو على اختيار ما تريد ، وقد فعلت ودخلت الناتو. \r\n \r\n الرئيس بيل كلينتون أبلغ بوريس يلتسين أن توسيع حلف الناتو سوف يتوقف عند دول أوروبا الشرقية التي ألحقها الجيش السوفياتي بالكتلة السوفياتية بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا كانت هنغاريا وجمهورية التشيك وبولندا ، من بين أوائل الدول التي دخلت الناتو. \r\n \r\n في العام 2004 ، قامت إدارة جورج دبليو بوش: ومن ضمنها كوندوليزا رايس ، الباحثة في الشؤون السوفياتية والتي يفترض أنها مطلعة أكثر: بخرق هذه الاتفاقات بمنتهى القسوة بجعل حلف الناتو يعترف ببلغاريا ورومانيا ولاتفيا وليتوانيا وأستونيا (ودول أخرى) ، الثلاثة الأخيرة كانت جزءا ، وإن يكن بغير رضاها ، من الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية. هذه الخروقات لم يعترض عليها الرئيس كلينتون ولا الرئيس بوش الأول ، وهو الرئيس الذي قطع هذه الوعود. \r\n \r\n بعد ذلك جاءت \"الثورات الملونة\" برعاية أميركية في جورجيا وأوكرانيا ، وتنصيب حكومات مؤيدة لأميركا ، تبعتها جهود قامت بها إدارة بوش لحمل الناتو على منحهم خطة عمل عسكرية رسمية مقابل العضوية ، لحسن الحظ أعاقت المانيا وفرنسا هذه المبادرة. بداية هذا العام ، أعلنت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي كوسوفو دولة مستقلة - بشكل غير شرعي - وهي التي تعتبر صربية منذ القرن الثاني عشر. \r\n \r\n كانت تلك هي نقطة التحول بالنسبة لروسيا. الآن ، لم تقم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بتقطيع أوصال صربيا وحسب ، بل حاولوا أيضا تحويل دولتين كانتا جزءا من روسيا تاريخيا إلى دولتين تابعتين للغرب. ببساطة ، لم تكن جورجيا وأوكرانيا جزءا من الاتحاد السوفياتي وحسب ، بل كانتا قبل ذلك جزءا من روسيا القيصرية. \r\n \r\n أوكرانيا في قلب التاريخ الروسي. كانت في مركز الولاية الروسية في العصور الوسطى ، التي تطورت منها روسيا الحديثة ، والتي عرفت دائما باعتبارها \"الأصل الذي نشأت منه كل المدن الروسية\". \r\n \r\n جورجيا لها تاريخ قوقازي معقد ومليء بالأزمات مع القوى المجاورة ، لكن في القرن الثامن عشر أصبح نظامها الملكي المدعوم تابعا للقيصر مقابل حمايتها ، ومنذ ذلك الوقت أصبحت جورجيا جزءا من التاريخ الروسي. ستالين نفسه ولافرينتي بيريا ، رئيس شرطته السرية الخاصة ، كلاهما كانا من جورجيا ، وكذلك كان قادة آخرون من البلاشفة. \r\n \r\n يمكن للمرء أن يفهم أن يفكر جورجي قومي وديماغوجي مجنون مثل ميخائيل ساكاشفيلي أن في استطاعته أن يمحو خلافات عرقية قديمة العهد في بلده عن طريق شن هجوم على قوات حفظ السلام الروسية ، التي تتمركز بصورة شرعية في تلك الجيوب لحماية المنشقين. لكن من الذي شجع استراتيجية العداء العسكري والحصار السياسي لروسيا؟ وما هي المصلحة الغربية التي يمكن أن تخدمها ؟. \r\n \r\n إنها سياسة حمقاء لا معنى لها ، المقصود منها على الأرجح إرهاب روسيا ، لكن لماذا؟ من أجل إدامة التوتر الدولي لتدعيم القوى التي تمارس في الولاياتالمتحدة دورا تنفيذيا غير شرعي ولا يخضع لمساءلة ، بمشاركة الرئيس بوش ونائب الرئيس ديك تشيني؟ هذه مسألة خطيرة جدا ، وقد جرى التعامل معها في الصحافة الأميركية كما لو أن الولاياتالمتحدة لا تلعب بالديناميت. روسيا دولة قوية وتمتلك أسلحة نووية ولها مصالح قومية مشروعة. كما أن روسيا لم تعد الدولة الأيديولوجية التي لها طموحات عالمية. هذا ما تتصف به الولاياتالمتحدة اليوم ، وما تتصف به أيضا السياسة التي مورست تجاه روسيا في ظل إدارة الرئيس بوش والرئيس كلينتون. \r\n \r\n أفضل نصيحة معقولة وواعية رأيتها جاءت من الأوروبيين ، وهي موجهة لأوروبيين آخرين. والنصيحة هي عدم الموافقة على هذه السياسة الأميركية العدائية والحمقاء ضد روسيا ، ومتابعة الوساطة الناجحة لنيكولا ساركوزي في جورجيا ، وبذل جهود لوضع شروط أوروبية لحل الأزمة ، تتجاهل الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n ساكاشفيلي لن يشكل عقبة على الأرجح. وشعبه ربما يقوم قريبا بتخليص نفسه ممن خلق هذا الفشل الذريع ، الذي أدى إلى إذلال بلده ، وإذلال حلف الناتو والولاياتالمتحدة أيضا. بوش ورايس سوف يصبحان قريبا خارج الحلبة - رغم أن أحدا لا يدري ما سيحدث لاحقا. \r\n \r\n المبادرة الأوروبية تبدو معقولة. لقد تغاضت عن واشنطن وقدمت لروسيا عرضا لعلاقات جديدة وبناءة مع أوروبا ، مع تحكيم وحلول لمشاكلها مع بولندا وأوكرانيا وجورجيا بالطريقة نفسها التي يجري بها حل الأمور داخل أوروبا. إن القيام بذلك بحاجة لأوروبا في غاية الشجاعة ، لكن الولاياتالمتحدة في مسارها الحالي قد لا يترك لها سوى القليل من الخيارات.