في لعبة شديدة المخاطر التي لا حصر لها، تفادت مدمرة صواريخ موجهة أمريكية، بأعجوبة نادرة في الشهر الماضي، الاصطدام مع سفينة مرافقة لحاملة طائرات صينية، أثناء عمليات انتشار روتينية من قِبل كلا الأسطولين في بحر الصين الجنوبي . وقد قطعت السفينة الصينية خط سير السفينة الأمريكية، كاوبِنز، متفادية التصادم بما لا يزيد على مرمى حجر . وكانت سفينة كاوبنز، تساعد في جهود الإغاثة من الإعصار الذي ضرب الفلبين، كما كانت قد نُشرت لتراقب عن كثب المنطقة التي كانت حاملة الطائرات تخضع فيها لاختبارات بحرية . وقد أعرب البنتاغون، ونائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، متحدثاً أثناء زيارة الى الصين، عن الاعتراض الشديد على هذه الأعمال "الاستفزازية"، وَدَعَوا بكين الى تبنّي بروتوكولات اتصال فعالة، وآليات للوقاية من الأزمات، للمساعدة في الحيلولة دون حدوث سوء فهم، ولتفادي سيناريوهات التصعيد المحتملة في المستقبل، وكان الردّ الصيني مبهماً على نحو مميّز . ومثل هذه المناسبات التي تكاد أن تقع فيها كارثة بين الجانبين في البحر وفي الجوّ، تتكرر بصورة متزايدة، مع تزايد انتشار القوات العسكرية الصينية خارج حدودها الوطنية بأعداد أكبر، واحتكاكها بالدوريات العسكرية، والقوات الأمريكية المنتشرة . ومع ذلك، ترفض الصين الدخول في اتفاقيات لتحديد "قواعد الطريق" للحوادث من هذا النوع . كما اعترضت على وضع بروتوكولات اتصالات في الأزمات، في حال حدوث سوء فهم بين قائديْ سفينتيْن . فلماذا تفعل ذلك؟ ثمة عدة أسباب محتملة -وفي مقدمتها، مسألة الثقة . فالصين تدرك أن سلاح البحرية وسلاح الجوّ الأمريكييْن، هما خيرة ما تملكه الولاياتالمتحدة من حيث القدرات العسكرية، والخبرة العملياتية . وهي ترغب في تفادي كشف نقاط ضعفها- ولا سيّما في أزمة محتملة . ثم هنالك الاختلاف على الأهداف النهائية . فالصين تعتبر مثل هذه الآليات، بمثابة حزام أمان لشخص مدمن للسوق بسرعة جنونية . وهي تريد من الولاياتالمتحدة، أن تكفّ عن القيام بعمليات قريباً جدّاً من حدودها، وأن تسحب قواتها- لا أن تشعر بالاطمئنان إلى أن الأمور يمكن حلها سلميّاً بعد وقوع حادث مؤسف . وهنالك أيضاً التفسيرات المختلفة للسيادة . فالصين تشعر بالقلق من أن أي اتفاق محدود على صعيد العمليات، قد يقوّض ادعاءاتها بشرعية مطالبتها بالمنطقة االتي يحتويها ما يُعرَف باسم "خط التسع شرْطات"، والتي تشكل الشطر الأعظم من بحر الصين الجنوبي . . وحتى وقت قريب، كان هنالك توتر خفيّ بين الحزب والجيش، بشأن قواعد اشتباك القطع التابعة لجيش التحرير الشعبي . ولكن، يبدو، أن ثمة تنسيقاً أكبر في عهد "شي جين بينغ" . . يضاف الى ذلك، أن البروتوكولات العملياتية التي تطلبها الولاياتالمتحدة، هي سمة من سمات الحرب الباردة؛ وتسعى بكين، في مجال الدبلوماسية العامة، الى تفادي إثارة شعور في الولاياتالمتحدة، بأن الصين خصم دولي، بالطريقة التي كان عليها الاتحاد السوفييتي . وأخيراً، أنّ للصين والولاياتالمتحدة أساليبَ مختلفة تماماً في السعي الى الردع . فأمريكا، تلجأ على الأغلب إلى عروض القدرة العسكرية الساحقة- الصدمة والرعب- لكي تدبّ الرعب في قلوب الخصوم أو المنافسين المحتملين . أما بالنسبة الى الصين، فإن الردع -أو ربما الأفضل أن يقال، التشكيك- فيتم تحقيقه لا من خلال العروض العلنية للقوة، بل من خلال تشكيك الآخرين في مفاهيمهم وتصوّراتهم (عن قدرات الجيش الصيني) . وعلى ذلك- وَوَفْق هذا النسق من المنطق- كلما كان فهم جيش التحرير الشعبي، والتآلف معه على صعيد العمليات، أقلّ، كانت قيمة الردع أكبر . والنتيجة، هي أن الولاياتالمتحدةوالصين، لديهما ثقافتان استراتيجيتان مختلفتان تماماً، وأهداف مختلفة فيما يتعلق بالمواجهات على صعيد العمليات، وسوف يكون العثور على نموذج مقبول أمراً صعباً . ومع ذلك، فإنه يجب عليهما أن تعثرا عليه: لأن الاستقرار العالمي يعتمد على تجنب التصادم. نوع المقال: الصين الولاياتالمتحدة الامريكية