انطلقت خلال الأسابيع الأخيرة، وسائل الإعلام لتخوض بكل حرية فيما تسميه بالقطيعة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية على خلفية الاتفاق النووي مع إيران، لكن إذا كانت هذه التكهنات تصلح لتتصدر عناوين الصحف، إلا أنها لا تصمد أمام التحليل الرصين، فرغم اللغة المحمومة حول الموضوع، تظل الأعمدة الأساسية التي شكلت ركيزة قوية لأحد أهم تحالفات أميركا في الشرق الأوسط لأزيد من ستة عقود، بالمتانة والقوة نفسها التي كانت دائما عليها في السابق، فلم تمر سوى ساعات قليلة فقط على إعلان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التوصل إلى الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية، حتى ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي على شاشة التلفزيون واصفاً الاتفاق بأنه «خطأ تاريخي»، بل أضافت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هناك انشغالاً حقيقياً لدى المسؤولين في تل أبيب تجاه المفاوضات السرية التي جرت وراء الكواليس بين الأميركيين والإيرانيين، رغم أنه وكما اتضح لاحقاً كانت الحكومة الإسرائيلية على علم مسبق بتلك اللقاءات، والنتيجة حسبما يذهب إليها بعض المعلقين، أن الشراكة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وبينها وبين حلفائها الآخرين في الشرق الأوسط، معرضة للتصدع والخطر، الأمر الذي سيهدد الأمن الإقليمي ويضرب المصالح الأميركية في مقتل لسنوات قادمة، وكل ذلك بسبب اتفاق مرحلي يهدف إلى وقف برنامج إيران النووي. هذا التحليل يستند إليه بعض المعلقين وكتاب المقالات للتحذير من مرحلة انفصال تام في العلاقة الأميركية الإسرائيلية، والحال أن مثل هذه المخاوف تركز على الشكل دون الموضوع، ذلك أنه في التصريح تلو التصريح لم يكف كل من أوباما ونتنياهو عن التأكيد على هدفهما الواحد وعلى اتفاقهما في الغيابات والمقاصد، والمتمثلة أساساً في ضرورة وقف البرنامج النووي لإيران ومنع وصولها إلى السلاح النووي، ومع أن البعض قد يتحسر على افتقاد القائدين للكيمياء الشخصية بينهما، إلا أن العلاقات الرسمية بين رؤساء الدول لا تحتاج إلى صدقات حميمية لكي تنجح، فالمصالح هنا تغلب ما سواها، وهي لا تنقص العلاقات التقليدية بين واشنطن وتل أبيب، مضافاً إليها مجموعة القيم المشتركة بين البلدين، هذا الأساس المتين القائم على المصالح والقيم، هو ما جعل من التحالف الأميركي الإسرائيلي أمراً استثنائياً على مدى ال 65 سنة الماضية، اجتاز العديد من المشكلات والصعوبات الممتدة على مدار 12 إدارة أميركية، لذا يتعين وضع اللغة المتشنجة التي سادت في الأسابيع القليلة الماضية في سياقها الحقيقي، باعتبارها اختلافاً فعلياً وموجوداً في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب، يعكس تقديرات مختلفة لحسابات الربح والخسارة في الاتفاق المرحلي مع إيران، لكنه اختلاف لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى مرتبة القطيعة التي تهدد العلاقات المستقبلية بين البلدين. وعلى سبيل المثال، استضافت إسرائيل مؤخراً القوات الجوية الأميركية في إطار مناورة عسكرية بالطائرات المقاتلة، وهو دليل واضح على استمرار التعاون العسكري بين البلدين وتنحية الخلافات جانباً للدفع قدماً بالمصالح المشتركة، المتمثلة في محاربة الإرهاب وإنهاء الحرب في سوريا، ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط. والأكثر من ذلك أن التعاون الأميركي الإسرائيلي الوطيد والتنسيق الدائم بينهما هو ما فتح المجال أمام المفاوضات الأميركية الإيرانية، فبعد سنوات من تحدي إيران للمجتمع الدولي، غيرت في النهاية موقفها لما رأته من توافق أميركي إسرائيلي، ليس فقط على فرض عقوبات اقتصادية عليها، بل استعدادهما لاستخدام القوة إن لزم الأمر لمنع طهران من تطوير القنبلة النووية، وبسبب العزلة الدولية المتنامية التي باتت تطوق إيران، والتدهور الاقتصادي المتسارع، بدأ الشعب الإيراني يطالب قيادته بالعمل على تخفيف العقوبات، ما دفعها إلى تليين مواقفها والجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولا ننسى أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية تقوم على أساس متين، ولن ينقطع هذا التعاون، إذ من المتوقع أن تتعمق المشاورات بين البلدين، لتصبح حاسمة في مسألة التوصل إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران. مؤسس مركز «سابان» لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية