ستتحرر مصر من الفساد والطغيان وتخطوا أولى خطواتها نحو النهضة مباشرة بعد تحررها من وهم تقديس المؤسسات. كثير من المصريين وقعوا أسارى فكرة المؤسسة الوطنية العريقة أو الشامخة أو الشريفة أو الرائدة أو أياً من صفات القدسية التي يبرع المصريون في إضفائها على أنفسهم ومؤسساتهم. وأحسب أن أولى خطوات مصر نحو الحرية والتنمية والنهضة تأتي بعد التحرر من هذا الوهم المسيطر على عقول الكثيرين من أبناء الوطن. يا سادة كل مؤسسات الوطن نخر فيها الفساد حتى النخاع وبات الفساد معششا في كل ركن من أركان الدولة، وباتت كل مؤسسات الدولة مرتعا للوساطة والمحسوبية والمجاملة والرشاوي. لا يوجد ادنى شك في أن كثير -إن لم يكن كل- مؤسسات الوطن تملك نقاطا مضيئة في تاريخها ولكن مؤسسات اليوم التي يمكن أن تكون قد ورثت هذه الومضات إلا أنها ورثت معها أيضا العديد من السقطات السوداء وخاصة في العقدين الأخيرين. وقد تكون من أهم إنجازات الثورة أن كشفت عن حجم الفساد المرعب في بعض المؤسسات وعلى رأسها الإعلام والشرطة، إلاأن بعض المصريين لا يزالون يتشبثون بوهم "قدسية" البعض الآخر من مؤسسات الدولة كالمخابرات والجيش والأزهر والقضاء والجامعات المصرية وغيرها. الواقعية هي السبيل الوحيد لتقييم وضع هذه المؤسسات كخطوة أولى على طريق استعادة بريقها وإصلاح هياكلها وطريقة إدارتها لتعود للقيام بدورها الذي ينتظره ويتمناه منها كل المخلصين من أبناء مصر. عندما نتعامل بواقعية مع مشاكلنا سنتمكن من علاجها، فالتغيير يبدأ من نقطة الإعتراف بالأخطاء والمشاكل ومواجهة الواقع. فقط عندما نهدم أصنام "قدسية" المؤسسات الوطنية سنتمكن من التقدم على طريق التنمية والحرية والنهضة.