وقعت ثورة 25 يناير في أخطاء عديدة، لعل أهمها عدم الصبر حتى التمكين وعدم قدرتها على تفكيك مؤسسات الاستبداد. من الصعب لوم من قام بها على ذلك، ولكن لكي لا نكرر أخطاء 25 يناير، علينا أن نجتهد في تصور صورة مصر المستقبل والنظام السياسي الذي نريد بعد انكسار الانقلاب. ويجب أن يكون لدينا تصورا واضحا لما ندعو الناس اليه، كي لا نذهب الى الميادين ثم نعود ولم نمكن للثورة ولم ننتصر لمبادئها. وعلى الرغم من التكرار الذي قد يبدو فيما أقول ، إلا أنه من الضروري النظر والبحث في مصر التي نريد مستقبلا. لو تصورنا شكل الحكومة الممكنة بعد الانقلاب وبعد الدماء البريئة التي سالت وبعد الاستقطاب الحاد والشرخ المجتمعي الذي حدث ، فان هذه الحكومة لا يمكن إلا أن تكون حكومة ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية ليس لفيصل فيها الغلبة. حكومة ذات رؤية سياسية واضحة تركز على استعادة وحدة الجماعة الوطنية، وبناء دولة حديثة قوية اقتصاديا وعسكريا، والتأسيس لنظام ديمقراطي راسخ. رئيس وحكومة لمدة ثلاثة سنوات يقود دولة ما بعد الانقلاب رئيس مدني مُؤسس لمدة واحدة فقط وحكومة ائتلاف وطني يلتزمان جميعا بالتأسيس لنظام ديمقراطي تعددي تشاركي لا يقوم على المغالبة أو احتكار السلطة. يرسخ لسياسة دولة القانون ولدولة مؤسسات حقيقية مستقلة وفاعلة ومتوازنة (وليس دولة أجهزة قمعية كالتي يدعون اليها الان). ويستند على برنامج وطني يركز على التنمية البشرية وانجاز تنمية اقتصادية مستدامة ومتوازنة ، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتأكيد على استقلال القرار الوطني وحماية أمننا القومي ومصالحنا الاستراتيجية، وتطهير الداخلية وتفكيك مؤسسات الاستبداد والدولة البوليسية - العسكرية. الجمعية الوطنية من أين يأتي رئيس الدولة واعضاء الحكومة؟ هؤلاء ينتخبون من بين أعضاء جمعية وطنية مكونة من شخصيات ورموز وطنية ونخب جديدة ستظهر أثناء الفترة القصيرة القادمة من خلال مقاومتها للانقلاب العسكري. علينا ان ننتبه الى ظهور هؤلاء ونميز بين الطيب والخبيث ولا ندع لإعلام الانقلاب الفرصة لتحطيم هذه الرموز الوطنية الصاعدة. وقد ظهر بالفعل العشرات منهم في الآونة الأخيرة، لا يتسع المقام لذكرهم. الدستور دستورنا القادم يجب أن يكون مختصرا ويركز على المبادئ الاساسية والحقوق والواجبات وشكل الدولة والنظام السياسي وممارسة الحياة السياسية. يشترك في انشائه او تعديله الشعب بكافة أطيافه وفئاته من خلال الآليات الدستورية والقانونية المتوافق عليها. ولا يجوز لأي جهة تعديل او تعطيل الدستور دون الرجوع الى الشعب صاحب السيادة. هوية مصر سيحسم صراع الهوية في مصر القادمة. فلمصر هوية متميزة ، وهي هوية مركبة لا يمكن فصل عنصر فيها عن الاخر. هوية شكلتها الجغرافيا والدين والتاريخ وصهرتها في هوية مصرية عربية مؤمنة. الهوية المصرية نحتها التاريخ والدين والدولة القديمة قدم النيل والارض والاقباط والشعب. والهوية العربية رسختها اللغة والثقافة وامتداد الامن الاستراتيجي لمصر في جوارها العربي شرقا وجنوبا . فليس من المصادفة أن يكون دائما مفتاح منعة مصر ونهضتها هو اتحادها بالشام والسودان والحجاز ، وعلامة ضعفها هو تخليها عن دورها العربي الاقليمي . ومصر "مؤمنة" بمسلميها وأقباطها وعلى هذا العهد بوركت في الانجيل والقران. وكان خير تمثيل لهذا في ثورة 25 يناير في التفاف هلالها حول صليبها واقباطها حول مسلميها . هذه هوية مصر التي لا يمكن تجاوزها ولا ينبغي تفكيكها والتي تمثل احد اعمدة نهضتها في المستقبل. العلاقات المدنية – العسكرية يجب حسم طبيعة العلاقات المدنية – العسكرية في مصر، خاصة بعد ما ظهر من تغير في عقيدة المؤسسة العسكرية واستعدادها لخوض حرب ضد جزء من الشعب للحفاظ على سيطرتها على الدولة. تقوم هذه العلاقة في الدول الحديثة على أساس عدم تدخل المؤسسات العسكرية والأمنية في الشأن السياسي واخضاع المؤسسة العسكرية وميزانيتها وانشطتها الاقتصادية للسيطرة والرقابة المدنية ، دون الاخلال بالنهوض بمستوى جاهزية وتدريب وتسليح هذه المؤسسات وضمانات حيدتها للقيام بمهامها المقدسة في حماية حدود الوطن. فلا أحد في مصر يريد جيشا ضعيفا أو منكسرا. وفي نفس المقام، يجب عدم تسييس مؤسسات الدولة غير السياسية والتي يجب عليها أن تنأى عن أي انحياز أو تحزب سياسي كالقضاء والإعلام والمؤسسات والهيئات الدينية والجهاز الإداري والنقابات والاتحادات والمنظمات غير الحكومية، كي نحدث توازنا بين أجهزة ومؤسسات الدولة وباقي المجتمع. العدالة الانتقالية وحماية الثورة العدالة الانتقالية منظومة متكاملة لا تستخدم في التوظيف السياسي أو التستر على الجرائم التي ارتكبت ، ولا يمكن ضمان نتائجها في ظل قضاء مسيس وغير نزيه. ضمان أي عدالة انتقالية حقيقية هو التمكين الفعلي للثورة وليس المتاجرة بها من قبل نظام سياسي منحاز في الاساس. سيتم تطبيق وتنفيذ تصور واضح لمنظومة عدالة انتقالية متكاملة، يحاسب فيها كل من انتهك حقوق الإنسان وكل من أفسد ونهب المال العام، وكل من حرض على العنف والكراهية. تلتزم بالقيام بإصلاح جذري لكافة مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء ووزارة الداخلية والاجهزة الامنية والرقابية، والسعي الجاد لاستعادة أموال مصر المنهوبة. عدالة انتقالية يتم على اساسها مصالحة تقوم على الحقيقة والمصارحة ، وجبر الضرر وتعويض الضحايا ، والاصلاح المؤسسي ، والانتقال الديمقراطي. وسيكون لحماية الثورة وأهدافها الاولوية وان استدعى ذلك اقامة لجان تحقيق ومحاكم خاصة دون الاخلال بسيادة القانون وحقوق الماثلين أمامها. التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية يتمثل أهم تحدي مستقبلي قادم في النجاح في انجاز حلم المصريين في التنمية الاقتصادية المتوازنة والمستدامة مع التأكيد على الجانب الانساني لهذه التنمية والمتمثل في العدالة الاجتماعية والنهوض بالإنسان المصري الذي هُمش وغُيب لعقود طويلة. على مصر المستقبل أن تختزل الزمن وان تأتي بحلول واستراتيجيات مبدعة لتحقيق التنمية السريعة وادماج الشعب كله في مسيرة التنمية الانسانية. تنمية تركز على النهوض بثروتنا البشرية (محو أمية كتابية وثقافية والارتقاء بالصحة والتغذية والسكن والظروف المعيشية والوعي الاجتماعي) ، يتوازن فيها الاهتمام بقطاع الزراعة والصناعة والخدمات، وتحدث ثورة تعليمية وتكنولوجية بمصر، وتضع الاقتصاد الانتاجي نصب عينيها . تنمية تحقق التصنيع الزراعي وربط الناتج القومي ومدخولات الدولة بالإنتاج والتصدير وليس بالدخول الريعية أو بيع أصول الشعب . تنمية تنصف الضعفاء والفئات الفقيرة وتحد من التفاوت الفلكي بين الدخول وتضمن رقابة مجلس الشعب على موارد الدولة ومصاريفها ، وتوفر فرص شريفة وانسانية للعمل والكسب مثل انشاء صناديق استثمار وطنية ، ومشروعات اقراض صغيرة ، ومساهمة رجال الاعمال الوطنيين في مشاريع تنمية وارتقاء بالريف وبصحة أبناءه. مع إقامة منظومة للعدالة الاجتماعية تعمل على رفع المعاناة الاقتصادية والمعيشية عن جماهير الشعب وخاصة محدودي الدخل والمهمشين، و تحقق مبدأ تكافؤ الفرص وعدالة توزيع الموارد وحماية المواطن البسيط ورعايته ووقف كافة أنواع الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي واعتماد مبدأ الكفاءة في التعيينات والترقيات. احترام التعددية التعددية في مصر من الرسوخ بحيث لا يمكن لفيصل مهما كانت قوته أو رعونته أن يقمع أو يستأصل فيصل أخر. من ابسط مبادئ الديمقراطية ضمان الحق لكافة القوى السياسية في الاختلاف في البرامج والوسائل والآليات القادرة على تحقيق المصالح الوطنية والاهداف الاستراتيجية طالما احترمت الدستور والقانون وتمسكت بالسلمية ورفضت كل أنواع التمييز والإقصاء والاستعلاء. وهذا بالضبط هو الحق الطبيعي في التعدد والاختلاف والتنوع الذي ضمنه الاسلام وحضارته حينما كانت مزدهرة. لا سبيل لحماية ثورة 25 يناير واسترجاع حريتنا وكرامتنا وبناء مصر التي نريد إلا عبر اصطفاف جماهيري واسع خلف قيادة سياسية وشبابية موحدة وصلبة وتكتل وطني ديمقراطي يضغط بكل الوسائل السلمية الممكنة من أجل استرجاع المسار الديمقراطي، وتفكيك دولة القمع والاستبداد، وتحقيق مصالحة سياسية شاملة، وإعادة وحدة المجتمع وتراحمه والوقوف ضد كافة صور الهيمنة في الداخل والخارج.