إن الحكومات التي تعاقبت على إدارة الدولة جاثمة على صدر الوطن والشعب أربعين عاما، كلَّلَتها الأعوام العشرون الأخيرة بأعتى أنواع الارتهان والوظيفية، مارست سياساتِها الموغلة في التراجع والقهر من جهة، وفي تفكيك الدولة وإهلاك الشعب من جهة أخرى، وفق القواعد التالية. 1 – الهروب من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أسفرت عن ثورة نيسان 1989، إلى أزمات أشد منها، بعد أن تم تمرير الخدعة الكبرى بامتصاص العاصفة التي فجرتها تلك الثورة من خلال إصلاحات هزيلة، ما لبث النظام أن تراجع عنها، حفاظا على منظومة المصالح الخادمة للتحالف الطبقي البيروقراطي الحاكم في البلاد، التي بقيت تحت رحمة حكم ملكي مطلق، تحميه قبضة أمنية متغولة، تساندها برلمانات هزيلة معظمها مزور لا يمثل الشعب ولا يعبر عن إرادته. 2 – الانصياع الكامل لمتطلبات "تفاهمات واشنطن" التي كانت قد سبقتها ومهدت لها اتفاقية "وادي عربة" المشئومة، التي رهنت هي وما قبلها وما بعدها، الدولة الأردنية إلى البنك وصندوق النقد الدوليين، ما أدى إلى التأسيس لسياسة تفكيك الدولة، وتدمير الطبقة الوسطى، والقضاء على كل مكونات دولة الرعاية الاجتماعية، عبر رفع كل أشكال الدعم، وخصخصة كل مؤسسات القطاع العام. 3 – إعادة إنتاج ثقافة العصبية المنتِجة لكل أنواع الفساد المالي والإداري، بشكل يتناسب مع متطلبات المرحلة، خالقة جدلا عقيما للهوية بغرض تقسيم الشعب إلى مكوناتٍ متنافرة، والتأسيس لصراعات فئوية مدمرة، وتشتيت قضاياه في التغيير والتحرير لتصبَّ في اتجاه قضايا فرعية، تشغله عن مستقبله ومصيره المتمثل في مجابهة الوظيفية والصهيونية والإمبريالية بالدوران في حلقة مفرغة من الجدل والعنف والاختلاف. لذلك فإننا في "المجلس الوطني للانقاذ والتغيير"، ومن منطلق الحرص على توجيه البوصلة الوطنية نحو إزالة تلك القواعد المهلكة التي بنى عليها النظام سياساته على مدى الأعوام الأربعين الماضية عامة، والعشرين الأخيرة منها خاصة، عَملاً على البدء بالتأسيس لدولة قانون ومؤسساتٍ مدنية ديمقراطية تقوم على التعددية والتشاركية وتداول السلطة وتداول الثروة وعدالة توزيعها، في وطن أردني حر مستقل وغير تابع، قادر على احتضان حالة متقدمة من مقاومة المشروع الصهيوني الإمبريالي ، فإننا ندعو كافة أحرار الوطن وحراكييه ومناضليه إلى الالتقاء للتحاور والتشاور للخروج بأنجع الصيغ لتحقيق ذلك، في ضوء الأسس التالية التي غدت مطالب لكل الأردنيين لا مجال للتراجع عنها.. أولا- إن "الهوية الأردنية" هي هوية حية وديناميكية، وهي الرداء الذي يتدثر به كل مواطني هذه الدولة على قدم المساواة. وإن هذا الوطن هو وطن الجميع بلا أيِّ اعتبار لتلك التفريقات التي كرسَّها النظام الوظيفي، وحكوماته وأجهزته الأمنية التي وقفت وراءَه، لتحميَه وتدافع عنه وتمارس كل أنواع الفساد والإفساد باسمه، منذ نشأةِ الدولة وقبلها الإمارة. وأن على كافة "الهويات الفرعية الضيقة" القائمة على "ثقافة العصبية" أن تختفي من حياة الأردنيين، وذلك عبر العمل الجاد على استعادة المواطن الأردني لهويته الأردنية الجامعة، ولهويته السورية الأوسع، التي يتوحد في إطارها إقليم بلاد الشام، باعتباره الخطوة الأولى في تحقيق الوحدة العربية الشاملة. ثانيا – انسحاب الأردن من مرجعية التسوية التي بدأت في مدريد، ورفض وإلغاء كل ما ترتب على تلك المرجعية من حلول أو مرجعيات فرعية، وعلى رأس كل ذلك مرجعية "أوسلو" فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، ومرجعية "وادي عربة" فيما يتعلق بالشأن الأردني، والتحلل تحللا تاما من تفاهمات واشنطن وكافة الارتباطات بمؤسسات الإقراض الدولية وعلى رأسها البنك وصندوق النقد الدوليين. ثالثا – سحب كافة السلطات التنفيذية والتشريعية الممنوحة للملك، وعلى هذا الأساس تغدو السلطة التنفيذية عبارة عن حكومة منتخبة أو برلمانية تحظى بثقة برلمان منتخب بأكمله، انتخابا حقيقيا لا صوريا, مع ضرورة وضع كافة مؤسسات الدولة ذات المهام التنفيذية ضمن مسؤوليات رئيس الوزراء المنتخب وسلطته المباشرة, وولايته العامة الكاملة، أو ضمن سلطات وزرائه، وعلى رأس تلك المؤسسات، ما كان منها عسكريا أو شبه عسكري "الجيش، الأمن العام، المخابرات العامة.. الخ". رابعا – السلطة القضائية، مستقلة استقلالا حقيقيا وتاما، فلا تعيِّنُها السلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية، ولا الأجهزة الأمنية, بل ينتخب مجلسها الأعلى من قِبَلِ الجسم القضائي، ليقوم هذا المجلس بتعيين القضاة في المستويات الأقل، وتنتقل كافة الصلاحيات الممنوحة لوزارة العدل فيما يتعلق بالقضاء وبالقضاة والمحاكم للمجلس الأعلى للقضاء المنتخب هذا، وتُسَنُّ لهذا الغرض تشريعات تضمن النزاهة والدقة. على أن يسبق ذلك تنظيف الجهاز القضائي من الاختراقات التي تعرض لها. خامسا - انطلاقا من ضرورة النهوض في الحياة المجتمعية في الأردن سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلى المساواة بين الرجل والمرأة، فإنه لابد من دعم كافة التوجهات الثقافية والتشريعية التي تعمل على تكريس دور المرأة في المجتمع، وعلى منحها حقها في بناء المجتمع والدولة أن تتولى المناصب في الدولة وعلى قدم المساواة بالرجل، لا فرق في ذلك بين منصب وآخر تحت أيِّ مبرر أو مُسَوِّغ. وإعادة إنتاج الثقافة التي تؤسِّس لدور المرأة في المجتمع الأردني، ولعلاقتها بالرجل، على أساس الشراكة الكاملة بينهما في تنمية البلاد وإدارتها. سادسا – سنَّ كل التشريعات الاقتصادية والضريبية والتسعيرية والاستثمارية، وما يتعلق منها بالملكية وبالإنتاج وبتوزيع الإنتاج، بما يساعد على تحقيق تداول فعلي وحقيقي للثروة وتوزيع عادل لها للقضاء على البطالة والفقر وكل أشكال التفاوت الطبقي، باعتبار ذلك البوابة الوحيدة للخروج من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الأردن هيكليا وبنيويا. وفي هذا الخصوص يجب أن يقوم أيُّ برنامج اقتصادي في الأردن كي يحقق التنمية المنشودة، ويُخَلِّصَ البلاد من الفقر والبطالة، على التحرر الكامل من أيديولوجيته الراهنة القائمة على آليات اقتصاد السوق، وما يؤدي إليه من رفع يد الدولة عن الاقتصاد، وخصخصة القطاع العام، ورفع الدعم عن أيِّ نوع من السلع أو الخدمات، وعلى الارتباط بالبرامج الاقتصادية للمؤسسات المالية والنقدية الدولية الخادمة لمراكز رأس المال العالمي، والعمل من ثم على إعادة إنتاج الاقتصاد الأردني وفق القواعد والأسس والمبادئ التالية.. أ – التوجه نحو تكريس حد أدنى للدخول والأجور يحقق الكرامة الإنسانية للمواطن على الصعيد الاستهلاكي. ب – التوجه نحو تكريس حد أعلى للاستهلاك يُجَنِّب الثروة الوطنية الوقوع تحت طائلة التبديد. ج – التوجه نحو سياسة ضريبية متوازنة تخفف العبء عن كاهل غالبية فئات المواطنين، وتحمله للفئات الأكثر غنى. د – التوجه نحو سياسة استثمارية إنتاجية تركز على إنتاج القِيَم المضافة محليا من جهة، وعلى إنتاج السلع والخدمات الأساسية من جهة أخرى، للدفع باتجاه الاكتفاء الذاتي. ه – التوجه نحو علاقة متوازنة بين المخرجات التعليمية واحتياجات السوق المحلية من العمالة والتقانة، بعد إعادة النظر بالكامل في الفلسفة والسياسة التعليمية الأردنية الحالية. و – التوجه نحو إيجاد حلول لاختلالات الموازنة العامة بعيدا عن المساس بدخول غالبية المواطنين، وربطها بالإمكانات الحقيقية للاقتصاد الوطني عبر جعلها خادمة له، لا جعله خادما لها، وذلك عبر إعادة إنتاج مُكونات الموازنة العامة السنوية للدولة بشكل يتيح تحقيق الأهداف التالية فيها. – تقليص إجمالي النفقات العامة الجارية غير الاستثمارية، باقتطاع كل ما يمكن اقتطاعة من موازنات المؤسسات الأمنية والعسكرية وشبه العسكرية والإدارية، بما لا يتعارض مع الاستراتيجيات الأمنية العامة للدولة. - التخفيض المتدرج في أعداد العاملين في قطاع الدولة، وتوجيههم وفق خطط مدروسة إلى الأعمال المنتجة. - وضع فلسفة متكاملة لسياسة الترشيد الاستهلاكي في القطاع الحكومي، تعمل على تخفيض النفقات الحكومية لا زيادتها، بحيث تتقلص خلال أول خطة تنموية ثلاثية أو خمسية إلى أقصى ما يمكن تحقيقه من وفورات، دون المساس بمستويات المعيشة والاستهلاك للشريحة الواسعة من العاملين في هذا القطاع. – إعادة هيكلة الأسس التي تقوم عليها مرتبات ومستحقات ومكافآت العاملين في القطاع الحكومي، بحيث تعتمد الكفاءة والإبداع والولاء للوطن قبل الولاء للإفراد وبشكل يحقق العدالة ويقلص الفوارق بين المستويات الوظيفية، ويحول بين تلك الفوارق وبين خروجها عن المنطق والمعقول. – ضخ مبالغ جديدة ومتصاعدة سنويا، في موازنات المؤسسات الصحية, مع التركيز على الوقاية وسلامة الغذاء قبل العلاج والمؤسسات التعليمية ومؤسسات البحث العلمي، إما من خلال الاقتطاعات الحاصلة في موازنات المؤسسات الأمنية والإدارية، وإما من خلال الوفورات المتحققة عبر سياسة الترشيد الاستهلاكي في مؤسسات القطاع الحكومي، أو من خلال إحداث إضافات على موارد الموازنة العامة، بما لا يمس ولا بأيِّ شكل بمستوى معيشة ذوي الدخول التي تتراوح حول الحد الأدنى. – البدء بتقليص دور بند الاقتراض الخارجي في تكوين موارد الموازنة العامة عبر التقليص في نفقات الدولة، واستثمار وتنمية الثروات الوطنية وليس عبر الانتقال في الاقتراض من "الخارج" إلى "الداخل"، إلا في الحد الأدنى وعند الضرورات. وذلك إلى أن يتم الوصول إلى التوقف عن الاستدانة الخارجية بالكامل. ورفض المعونات المشبوهة، والتوقف عن سداد الديون وفوائدها والانضمام إلى نادي الدول المنادية برفض سداد الديون. ح – التوجه نحو إيجاد الآليات التي من شأنها أن توصلَ المجتمع الأردني إلى مجانية التعليم والعلاج دون المساس بجودة هاتين الخدمتين وكفاءتهما. وسن التشريعات الكفيلة بضمان السير بالاقتصاد الوطني ومستوى ناتجه الإجمالي إلى مرحلة حصول كل المواطنين على علاجهم وتعليمهم الجامعي المجاني ، وفق سياسة متدرجة تحقق ذلك الهدف بدون قفزات مربكة. ط – التأكيد على ملكية الدولة للمشاريع الإستراتيجية وعلى إدارتها الكاملة للسياسة الاقتصادية المعتمدة على مركزية التخطيط، رغم الاعتراف بالقطاع الخاص كقطاع اقتصادي تنموي حيوي. ك – تفعيل دور الأراضي المعطلة في عملية التنمية الزراعية والثروة الحيوانية، من خلال مشاريع تنموية واقعية تخدم تنمية المجتمعات المحلية والتنمية الوطنية الشاملة، وتوفير كافة أنواع الدعم والحماية للمزارعين الأردنيين. وحل مشكلة الواجهات العشائرية لصالح مستحقيها الشرعيين، واستعادة كل مساحات الأرض التي تم الاستيلاء عليها من قبل المتنفذين، بطرق غير شرعية ومحاسبتهم على ذلك. وأخيرا فإننا نتوجه إلى رأس النظام مؤكدين له على أن الشعب لا يقبل بأقل مما ورد في هذا النداء، وعلى رأس ذلك كله مساءلة كل من أوصل البلاد إلى ما نحن فيه من كوارث على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مع محاكمة كل من تثبت إدانته بأي قضية فساد مالي أو إداري. وبناء على كل ما سبق، لم يعد الشعب الأردني يرى الحل، سوى في حكومة إنقاذ وطني تتولى مهمة الإشراف على صياغة دستور جديد للبلاد مرفق بحزمة من قوانين الحريات السياسية والتمثيلية وفي مقدمتها قانون متطور وعصري للانتخاب يقبله الشعب الأردني، وينتح عنه برلمان حقيقي لا صوري قادر على سن التشريعات التي تدافع عن مصالح الوطن الداخلية والخارجية ، ويتولى انتخاب رئيس حكومة وحكومة وطنية. إن ما سبق واوردناة ليس إلا الحد الأدنى من البرنامج الإصلاحي المنشود إذا كان هناك من يريد الإصلاح الحقيقي مع ضرورة التأكيد لرأس النظام على أن مؤسسة العرش ليست في مأمن من غوائل الغد القريب، لا بسبب أن الحراك الشعبي الأردني يهددها، ولكن بسبب التحالف الطبقي الفاسد وجهاز المخابرات المساند له، المختبئ وراءها لتمرير مصالحه التي تحظى بالحماية والرعاية الدائمتين من مؤسسة العرش ذاتها. عمان 17/10/2012
المجلس الوطني الأردني للإنقاذ والتغيير الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة