أصبحت الأوضاع الانسانية والاقتصادية في غزة يرثى لها، ففي أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بمكتسبات ثورة 25 يناير؛ أطبق الحصار من جديد على القطاع، الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا ولا يصح الانتظار معه حتى تستقر الأوضاع السياسية في مصر في مصر وبات الوضع على الحدود بين مصر وغزة حائرا ومضطربا، خاصة بعد إقدام قوات الانقلاب في مصر على عملية واسعة تقوم فيها بتدمير الأنفاق، والتي تعد الرئة الاحتياطية التي يتنفس منها القطاع، نظرا لحالات التضييق الشديدة في الدخول والخروج من معبر رفح، مما بات يهدد بكارثة إنسانية أخرى يشهدها الفلسطينيون في غزة. ومن جانبه أكد- محمد عصمت سيف الدولة- الباحث والمتخصص في الشأن القومي العربي، ورئيس حركة ثوار ضد الصهيونية - أكد على أهمية فتح الرئة الرئيسة للفلسطينيين، وهي معبر رفح بشكل كامل، وعدم الانتظار حتى تستقر الأوضاع في مصر، خاصة أن هناك في غزة كارثة إنسانية، كذلك لابد من البحث عن حل سريع لها، مما يعني عقد اتفاقية خاصة مع الجانب الفلسطيني تتضمن تشغيل المعبر بكامل طاقته، وبكافة أنواع التشغيل، حتى لا يقع المواطن الفلسطيني البسيط فريسة لما يفوق قدرة الجميع على التحمل. وفي حواره مع صحيفة الحرية والعدالة حرص سيف الدولة على عدم الحديث عما يحدث في مصر، وعدم القراءة في سياقه، نظرا لرغبته في التركيز على تلك المعاناة الأخرى في الجوار، والتي لم يعد يلتفت إليها أحد الآن. * كيف تنظر إلى المأساة الفلسطينية بعد الإقدام على تدمير الأنفاق، والاستمرار في غلق معبر رفح؟ - ما أود هنا التركيز عليه هو أن هناك شعبا شقيقا، جارا، اسمه الشعب الفلسطيني، وبغض النظر عن التقلبات، والأحداث الدامية التي تدور في مصر الآن، فلابد أن نتعامل مع أهلنا هناك باعتبار أنهم بشر لا يجب أن نحرمهم أقل مقومات الحياة. ولذا فأنا أطالب منذ أن بدأ هذا الحصار في عام 2007، أن تقوم مصر بعمل "تطبيع" مع فلسطين، وهو ما يعني وجود علاقات عادية جدا وليست استثنائية لأي اعتبار من دين أو أخوة أو جوار، ولكن كل ما في الأمر أن نعاملهم بشكل طبيعي، مما يقتضي معه أن نحول معبر رفح إلى معبر يعمل بشكل عادي للأفراد والبضائع معا، مثل غيره من المعابر في مصر، كمعبر السلوم على سبيل المثال، وفي هذا نطبق عليه كل القواعد والقوانين التي تتعلق بمنع دخول الممنوعات، وتوفر تأشيرات خاصة للدخول، وغيرها من الإجراءات المتبعة في أي معبر ولأي مواطن عابر أجنبي. * وكيف ترى الوضع الحالي للمعبر؟ - المعبر حاليا يخضع لاتفاقية – فيلادلفيا - والتي وقعها نظام مبارك مع "إسرائيل" عام 2005، ورغم أنها اتفاقية ليست ذات شهرة، بل تعتبر مجهولة بالنسبة لكثير من الناس، لكنها – للأسف - هي ما يحكم الوضع هناك، وهي لا تساهم فقط في حصار الشعب الفلسطيني، وإنما تقيد سيادة مصر على معبرها، حيث تنص على أن معبر رفح هو للأفراد فقط، وأن دخول البضائع يكون عبر معبر "كرم أبو سالم"، حتى يكون تحت إشراف ورقابة "إسرائيلية"، وعليه يكون العمق الفلسطيني في غزة تحت الإشراف والرقابة والضغط "الإسرائيلي"، ولذا فكل ما نطالب به هو أن نحرر هؤلاء من تلك الضغوط. ويكون ذلك عن طريق عقد اتفاقية معابر مصرية فلسطينية مستقلة، تحترم المصلحة والسيادة المصرية بشكل كامل، وتتحرر من النفوذ الأمريكي و"الإسرائيلي"، والأهم من ذلك أن تكون النقطة الفاصلة أو نقطة الانطلاق لتلك الاتفاقية أن فلسطين دولة محتلة، ومصر لا تعترف بشرعية ذلك الاحتلال، وبالتالي ليس من المعقول أن نقبل تلك القيود التي يفرضها المحتل على حركة البضائع والأفراد من وإلى فلسطين. أما أن ندمر الأنفاق في ظل الإغلاق أيضا على المعابر فأمر لا يتخيله عقل إنسان. * ولكن هل لتلك المقترحات معنى في ظل التطورات الأخيرة في مصر؟ - الحقيقة أنا أنادي بذلك منذ بدء الحصار، فبغض النظر عن الأوضاع أو التطورات في أي جانب، لابد أن يكون لدينا موقف موحد ننطلق منه، وهو أنه من حق هؤلاء الناس أن يحيوا حياة كريمة، ونحن في مصر عندما كانت أراضينا محتلة في 56، و67، كنا ننتظر من الشعوب الأخرى، وخاصة من الأشقاء العرب، أن يدعمونا، ولم نكن لنقبل أبدا أن يحاصرنا أحد، ولذا فليس من المعقول أن نشارك نحن الآن في هذا الحصار المفروض على الفلسطينيين في غزة، خاصة أن المعاناة هناك كبيرة للغاية، ومستمرة للعام السادس على التوالي، كذلك لا يعقل أن تنتظر تلك المعاناة حتى تستقر الأوضاع في مصر. والأهم أن تاريخ وأمد الصراع في فلسطين أطول بكثير مما يحدث في مصر، وتتغير الظروف والأوضاع والأنظمة، وهم على حالهم من الاضطهاد والحصار والاحتلال، بل ومطاردون ومتهمون كذلك. * نظرا لأن الوضع في سيناء لا ينفصل عن غزة، كيف ترى ترشيح "دافيد ساترفيلد" مدير القوات الأجنبية فى سيناء، قائما بأعمال السفير الأمريكى فى مصر؟ - الحقيقة أن لدينا في سيناء قوات أجنبية لا تخضع للأمم المتحدة، وقد أجريت من قبل العديد من الدراسات لنقد اتفاقية السلام (المصرية-الإسرائيلية)، وبالتحديد المادة الرابعة من تلك الاتفاقية، والتي تتعلق بالترتيبات الأمنية في سيناء، وفي هذه الدراسات بينت أن من ضمن القيود على مصر داخل تلك الاتفاقية أن قوات حفظ السلام الموجودة في سيناء لا تخضع للأمم المتحدة، وإنما تخضع وبشكل مباشر للإدارة الأمريكية، والآن عندما نجد أن مدير القوات الأجنبية في سيناء - منذ أربع سنوات - هو نفسه من يتم ترشيحه كقائم بأعمال السفير الأمريكي بالقاهرة، أي أنه عضو عامل في وزارة الخارجية الأمريكية وليس مثلاً موظفا بالمعاش، وبالتالي هو يأتمر بأوامر وزارة الخارجية الأمريكية، هذا يثبت إلى أي مدى هناك نفوذ من الولاياتالمتحدةالأمريكية على القوات الأجنبية الموجودة في سيناء، وهو ما يعني أنها ليست قوات محايدة بأي حال من الأحوال. فكيف نتوقع منها بعد ذلك أن تكون قوات حفظ سلام تحكم بالعدل بين مصر و"إسرائيل". ولذا ما يلبث أن يطالب كافة الناشطين والمهتمين بتحويل القوات الأجنبية تلك لإشراف الأممالمتحدة، حتى تحرر مصر من السيطرة والنفوذ الأمريكي على تلك القوات. * هل يصح هنا أن نتحدث عن مستقبل تلك الاتفاقية الآن؟ - هذا موضوع كبير بالفعل، لكن ما أستطيع أن أقوله هنا، هو أنه وطالما أن سيناء لم تتحرر من هذه الاتفاقية، وظلت القيود الأمنية والعسكرية المفروضة علينا هناك، وظللنا نستأذن "إسرائيل" كلما أردنا إدخال قوات إضافية داخل سيناء، كل ذلك إنما يعني أن سيناء لم تتحرر أبدا، وأن التنمية هناك ستظل تتعثر؛ لأنها مرتبطة بالأمن، وبالتالي لا أمل إلا إذا أعدنا النظر إن لم يكن في اتفاقية السلام كلها فعلى الأقل في تلك الترتيبات الأمنية، حتى تسمح للمصريين بالتواجد على أراضيهم دفاعا عن أي تهديد، وإلا ستظل سيناء نقطة ضعف لإخضاع الإرادة المصرية.