محافظ الإسكندرية يُدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 ويدعو للمشاركة الإيجابية    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    سعر الريال السعودى مقابل الجنيه اليوم الإثنين 10-11-2025    جامعة كفر الشيخ تستقبل طلاب ريادة الأعمال الجدد وتكرم المتميزين    الدفاع المدني بغزة: نواجه كارثة حقيقية حال عدم إدخال مستلزمات الإيواء    محكمة بباريس تعلن أن ساركوزي سيُفرَج عنه تحت المراقبة القضائية    ترامب لفاراج عن أزمة BBC: هل هذه الطريقة التي تعاملون بها أفضل حلفائكم؟    إلغاء المئات من الرحلات الجوية في أمريكا في ظل الإغلاق الحكومي    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    أحمد الكاس يعلن تشكيل منتخب مصر أمام إنجلترا في كأس العالم للناشئين    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    تحديد موعد مباريات قبل نهائي دوري مرتبط السلة للرجال    توافد الناخبين بعد انتهاء ساعة الراحة فى لجان إمبابة    محافظ المنوفية يزور مصابى حريق مصنع السادات للاطمئنان على حالتهم الصحية    الداخلية تكشف حقيقة سكب سيدة مادة كاوية على أخرى فى الشرقية    بعد تصريحاته في الجزائر.. شاهد اعتذار ياسر جلال للمصريين: كنت غلطان    فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    3272 متقدما فى اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    اشتريت سيارة ووجدت بها عيبا فهل يجوز بيعها دون أن أُبين؟.. الأزهر للفتوى يجيب    «درس أرنولد ومعانقة الذهب».. قصة ظهور زيزو الأول ضد الزمالك    فيلم «عائشة لا تستطيع الطيران» يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش    «السياحة»: المتحف المصري الكبير يستقبل 12 ألف زائر منذ صباح اليوم حتى الآن    بدور القاسمي تشهد إطلاق كتاب الشارقة: عاصمة الثقافة    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لسارقي الآثار بالشرقية    بتكلفة 2.37 مليار جنيه.. وزير التعليم العالي يتفقد مشروعات جامعة الأقصر    سفير مصر بالمغرب يحتفل بتكريم ليلى علوي في مهرجان الرباط الدولي    وزارة الصحة توفر الرعاية الطبية للناخبين أمام لجان الاقتراع فى الأقصر وأسوان    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    العرجاوي: إعفاء الصادرات المصرية من الجمارك الصينية خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين القاهرة وبكين    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    من المتحف الكبير لمعرض فى روما.. كنوز الفراعنة تهيمن على العالم    البنك المركزي المصري يطرح عطاء أذون خزانة بقيمة 1.5 مليار دولار    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    سعر الذهب اليوم فى مصر يسجل 5420 جنيها للجرام عيار 21    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    نفذوا جولات استفزازية.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    «الثروة الحيوانية»: انتشار الحمى القلاعية شائعة ولا داعٍ للقلق (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والقضية الفلسطينية
نشر في الأهرام المسائي يوم 10 - 11 - 2010

يدرك القاصي والداني أن مصر بدورها الحضاري وموقعها الجغرافي ومبادئها الراسخة كانت وما زالت رغم كيد المغرضين القوة الرئيسية في إقليمها وقبلة العمل العربي ودفته الرئيسية‏,
‏ ويشكل دورها المحوري دعامة الاستقرار والأمن والسلام والتنمية في المنطقة‏,‏ انطلاقا من هذه الحقيقة الراسخة‏,‏ تحملت مصر عبر مراحل التاريخ المختلفة مسئولياتها الجسام في الدفاع عن الأمة العربية‏,‏ ودعم قضاياها والحفاظ علي حقوقها وفقا لرؤية موضوعية مستقبلية ثاقبة يصعب علي الكثيرين من قصار النظر رؤيتها أو تلمسها ومن بين هذه المسئوليات جاء الدور المصري في دعم عمليات التحرر في العالم العربي‏,‏
خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات وقد أدي انتهاج مصر لهذه السياسة الرائدة التحريرية التي هدفت إلي تخليص الدول والشعوب العربية من نير الاستعمار الأجنبي إلي تكالب الدول الاستعمارية علي مصر خلال عدوان عام‏1956,‏ إلا أن ذلك لم ينل من إرادة مصر‏,‏ ومن عزمها علي الاستمرار في سياستها‏.‏
الارتباط الدائم والثابت لمصر بالقضية الفلسطينية‏:‏
أما ارتباط مصر بقضية فلسطين فهو ارتباط دائم ثابت‏,‏ تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري‏,‏ وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية‏,‏ مع شعب فلسطين وعليه فإن الموقف المصري من قضية فلسطين لم يخضع في أي مرحلة لحسابات مصالح آنية أو أغراض قطرية ضيقة‏,‏ ولم يكن ورقة لمساومات إقليمية أو دولية‏,‏ علي غرار ما فعلته وتفعله بعض الدول وهذا ما يفسر ثبات الارتباط العضوي المصري بقضية فلسطين‏,‏ علي مدار أكثر من ثمانية عقود‏.‏
قبل ثورة‏23‏ يوليو‏1952‏ كان ما يجري في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية‏,‏ وكانت مصر طرفا أساسيا في الأحداث التي سبقت حرب عام‏1948,‏ ثم في الحرب ذاتها‏,‏ التي كان الجيش المصري في مقدمتها‏.‏
كما ساعدت مصر في إنشاء حركة فتح ثم منظمة التحرير الفلسطينية‏(‏ مشروع القائد الفلسطيني أحمد الشقيري الذي تقدم به إلي قمة الاسكندرية في سبتمبر‏1964,‏ حيث تمت الموافقة علي قيام المنظمة واعتمادها كممثل للشعب الفلسطيني‏,‏ بدعم قوي من مصر لقد جندت مصر إمكاناتها وقدراتها الكاملة في كلل مرحلة من مراحل الصراع من أجل فلسطين‏..‏ ففي مرحلة الصدام العسكري‏(1948‏ 1974)‏ كانت مصر المقاتل الأول‏,‏ وسخرت مواردها‏,‏ وفقدت عشرات الآلاف من خيرة شبابها في خمس حروب حرب‏1948,‏ وعدوان‏1956,‏ وعدوان‏1967,‏ وحرب الاستنزاف ثم حرب التحرير في أكتوبر‏1973.‏
ثم اقتحمت مصر بعد انتصار أكتوبر‏73‏ غمار التسوية السلمية علي أساس قرارات الأمم المتحدة‏,‏ ولم تكن المعركة السلمية أقل ضراوة‏,‏ وفي كل مراحلها كانت التسوية الشاملة هدف مصر‏,‏ وكان الحل العادل لقضية فلسطين‏,‏ هو جوهر أي بحث في الحل الشامل‏,‏ حيث دعت الأطراف العربية بما فيها الطرف الفلسطيني إلي مفاوضات مينا هاوس‏,‏ وجاء نص كامل عن مراحل التسوية للقضية الفلسطينية في إطار مبادئ كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط‏.‏
وفي عهد الرئيس مبارك كان التزام مصر ثابتا في مساندة قضية فلسطين‏,‏ خاصة بعد أن تم تحرير الأرض المصرية‏,‏ وتوجه معظم الجهد الدبلوماسي المصري إلي مساندة الموقف الفلسطيني‏,‏ فلقد ساعدت مصر في إجلاء القيادة الفلسطينية عقب محنتها في لبنان‏(1982)‏ كما دعمت النضال الفسلطيني خلال الانتقاضة الأولي‏(1987),‏ ودعمت إعلان الدولة الفلسطينية مدريد للسلام‏(1991),‏ ثم أيدت مصر اتفاق أوسلو الذي ارتضاه الفلسطينيون عام‏1993,‏ بالإضافة إلي العديد من الاتفاقات المكملة له كذلك رعت مصر محادثات طابا التي توصل فيها الطرفان سنة‏2000‏ إلي أقرب صيغة للحل النهائي كذلك ساندت مصر الموقف الفلسطيني دوليا وإقليميا‏,‏ وبذلت كل جهد من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية‏,‏ وقيام الدولة الفسلطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ومن الثابت أن شبكة علاقات مصر الدولية تقوم علي عدة أسس يأتي في مقدمتها المواقف الدولية من قضية فلسطين‏,‏ بحيث أصبحت هذه العلاقات تتحدد إيجابا وسلبا وفق مواقف المجموعات والقوي الدولية تجاه قضية فلسطين وفي هذا الإطار يأتي النشاط الواسع والمكثف للرئيس مبارك والدبلوماسية المصرية في مختلف التجمعات الدولية‏,‏ دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني‏.‏
الجهد المصري في المجال الإنساني في مواجهة العدوان الإسرائيلي علي غزة‏27‏ ديسمبر‏2008:‏
إذا انتقلنا إلي الجهد المصري في أعقاب العدوان الإسرائيلي البربري علي قطاع غزة يوم‏27‏ ديسمبر الماضي‏,‏ فإن المشككين في الدور المصري وفاعليته يتناسون أن مصر هي من لعبت الدور الأكبر في هذه الأزمة‏,‏ بل وحذرت من تداعياتها قبل وقوعها وأعلنت قبل العدوان عن حساسية الأوضاع‏,‏ وطالبت بضبط النفس‏,‏ وأنه يجب التمسك بالتهدئة‏,‏ وأعلنت في حينه أن الهدف المصري هو حماية الشعب الفلسطيني وإتاحة الفرصة للمصالحة الفلسطينية وقد أكدت الأيام صدق التوجه المصري‏,‏ وها نحن اليوم نسعي من جديد للتوصل إلي تهدئة بشروط‏,‏ كان من الممكن التوصل اليها دون إراقة كل هذه الدماء الزكية وتجنب كل هذه الدمار‏.‏
كما نسي المشككون ان القاهرة وبتعليمات من السيد رئيس الجمهورية قامت فور بدء العمليات العسكرية بالتحرك علي عدة محاور‏,‏ وأولها المحور الإنساني‏,‏ حيث اضطلعت بأكبر عملية إغاثة في تاريخ القطاع‏,‏ بفتح معبر رفح للأغراض الإنسانية لإدخال المساعدات وكذا لإجلاء الجرحي الفسلطينيين كما تم تشغيل مطار وميناء العريش لاستقبال المعونات الإنسانية من مختلف دول العالم‏,‏ حيث تم تجنيد كل الطاقات والوزارات‏(‏ الدفاع‏,‏ الداخلية‏,‏ الخارجية‏,‏ الصحة‏,‏ الهلال الأحمر المصري‏,‏ محافظة شمال سيماء‏..)‏ لهذا الغرض ومنذ اليوم الأول للعدوان تم من خلال معبر رفح فقط دون المعابر الأخري إدخال أكثر من‏5000‏ طن من المواد الطبية‏,‏ كما تم نقل‏100‏ جريح ومريض فلسطيني إلي المستشفيات المصرية في العريش والإسماعيلية والقاهرة‏,‏ تحملت الخزانة المصرية نفقات نقلهم وإقامتهم وعلاجهم‏,‏ من منطلق التزامنا بمؤازرة إخوة يعانون محنة إنسانية‏.‏
ورغم ذلك تأتي المغالطات التي يرددها البعض إما عن قصد أو عن غير قصد بشأن معبر رفح تكشف إما عن مخطط يستهدف مصر يشاركون فيه‏,‏ أو تنم عن عدم علم بالقواعد القانونية التنظيمية لعمل المعابر في قطاع غزة‏,‏ ذلك أن غزة قانونا مازالت أرضا محتلة وتسيطر إسرائيل كقوة احتلال علي مخارجها‏,‏ وتتحكم في حركة الدخول اليها والخروج منها‏,‏ كما أن تأمين حدود غزة مسئولية إسرائيلية تتحملها بمقتضي التزاماتها وفق اتفاقيات جنيف لعام‏1949.‏
أما فيما يتعلق بمعبر رفح شأنه شأن أي منفذ حدودي فله بوابتان‏:‏ إحداهما في الأرض المصرية‏,‏ والأخري في أرض فلسطين‏,‏ وتشغيل البوابة الفلسطينية وغيرها من معابر القطاع يتم وفق ترتيبات دولية تقررت في عام‏2005,‏ تقضي بتواجد أفراد من السلطة الفلسطينية ومندوبين عن الاتحاد الأوروبي‏,‏ وبمراقبة من إسرائيل‏,‏ وكانت عمليات الخروج والدخول تتم وفق هذه الترتيبات‏,‏ إلي أن تم تجميد العمل في البوابة الفسلطينية بعد استيلاء حماس علي القطاع‏,‏ مما أدي إلي صعوبة أن تتم هذه العمليات بأمن وسلامة بالنسبة للأفراد‏,‏ وأن يتحقق وصولها فعلا إذا تعلق الأمر ببضائع هذا فضلا عن أن محاولة تشغيل أي معبر من معابر القطاع بطرق مغايرة لهذه الترتيبات يخدم المخطط الإسرائيلي الهادف لفصل قطاع غزة عن الضفة‏,‏ وإنهاء القضية الفسطينية كقضية شعب فلسطيني واحد في كل الأراضي الفلسطينية‏,‏ ويناضل من أجل أن تقوم عليها دولة فلسطينية واحدة‏,‏ عاصمتها القدس الشريف‏.‏
ويحضرني هنا ما جاء في كلمة الرئيس مبارك أمام القمة العربية بالكويت‏,‏ محذرا فيها من محاولات البعض اختزال القضية الفلسطينية في غزة‏,‏ واختزال غزة في المعابر‏,‏ واختزال المعابر السبعة في معبر رفح‏,‏ إن هذه الأفكار تندرج تحت مخطط قوي من خارج المنطقة تحاول التدخل في شئونها والمساس بأمنها‏,‏ والإساءة لدور مصر‏:‏ القوة العربية والدولة المحورية ويتفق في نفس الوقت مع المخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلي فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وتصديره إلي مصر‏,‏ بل ويتماشي مع مخطط إسرائيلي أخطر يسعي لتوسيع القطاع علي حساب أراضي شمال سيناء‏,‏ وتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب ودولة‏,‏ إلي قضية مأوي ولاجئين‏.‏
الجهد المصري في المجال السياسي في مواجهة العدوان الإسرائيلي علي غزة‏:‏
لم يقتصر الدور المصري الفاعل والمؤثر علي المنحي الانساني والاغاثي بل لعبت القاهرة الدور الأكثر تأثيرا علي المنحني السياسي‏,‏ فتحركنا وقمنا بالعديد من الاتصالات الدولية والإقليمية التي كانت محل تقدير كل القوي في الداخل ومختلف التجمعات في الخارج‏.‏
فلقد شعرت مصر بنذر العدوان الإسرائيلي القادم علي قطاع غزة‏,‏ فقامت بحث الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس‏,‏ علي تجديد التهدئة التي كانت قد انتهت في‏2008/12/19.‏ شرحت لهم المخاطر المحدقة بهم نتيجة لحسابات الانتخابات الإسرائيلية‏,‏ إلا أنهم للأسف لم يستجيبوا نظرا لحسابات خاطئة‏,‏ وضغوط خارجية لا تراعي مصالح الشعب الفلسطيني وسلامته‏.‏
كما قامت مصر بالاتصال بدوائر عديدة في الحكومة الاسرائيلية منها‏:‏ وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي للتحذير من مغبة اي عدوان علي قطاع غزة‏,‏ كما قامت مصر بالاتصال بالدول الفاعلة علي المستوي الدولي للتدخل لدي اسرائيل الا أن تدهور الموقف علي الأرض‏,‏ ودخول الأزمة إلي مرحلة التصعيد المتبادل‏,‏ أدي إلي توفير الذريعة لإسرائيل لشن عدوانها الغاشم علي القطاع‏,‏ ويثور التساؤل‏,‏ علي نحو ما ذكر الرئيس مبارك خلال خطابه في عيد الشرطة يوم‏4‏ فبراير‏:‏ لماذا رفضت فصائل المقاومة محاولاتنا لتمديد التهدئة؟ ولماذا لم تستمع لتحذيرنا من أن مواقفها تمثل دعوة مفتوحة لإسرائيل بالعدوان؟ هل كان ذلك مخططا ومقصودا؟ ولصالح من؟‏.‏
بل ولقد اعترف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس أثناء العدوان علي غزة بخطأ حساباته‏,‏ وبأنه كان يعتقد أن الأمر لن يتعدي الضربات الجوية فقط‏!‏
وكما قال الرئيس مبارك في الخطاب المذكور‏:‏ وإلي متي يراق الدم العربي ثم نستمع لمن يعترف بالخطأ في حساب ردود الأفعال الاسرائيلية‏,‏ ومداها ونطاقها؟ ولمن يرفع شعارات المقاومة فوق أشلاء الشهداء وأنقاض التدمير والخراب؟‏.‏
لقد دعت مصر منذ البداية إلي الوقف الفوري لإطلاق النار‏,‏ وفي إطار التحرك العربي والدولي بذلنا جهودا حثيثة لتأمين صياغة قرار مجلس الأمن‏1860‏ الذي صدر يوم‏2009/1/8‏ بهدف حقن الدم الفلسطيني‏,‏ وإنهاء العدوان‏,‏ ومن منطلق إدراكنا أن قرار مجلس الأمن سيحتاج إلي آلية لتنفيذ وقف إطلاق النار‏,‏ استبقت القاهرة الأحداث وامتلكت زمام المبادرة‏,‏ حيث كان السيد الرئيس قد أعلن عن ان المبادرة المصرية استراتيجية متكاملة لحل الأزمة‏,‏ تشمل إلي جانب وقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة‏,‏ عملية المصالحة الفلسطينية وإعادة الإعمار‏,‏ وذلك من منطلق ما أكده أمام القمة العربية بالكويت‏:‏ لقد رأينا منذ اليوم الأول للعدوان أن غزة لا تحتاج لبيانات الشجب والإدانة قدر احتياجها لتحرك عملي عاجل يوقف الاعتداءات الاسرائيلية ويحقن الدماء‏,‏ وطرحت مصر المبادرة الوحيدة للخروج من الأزمة في غياب أية مبادرات أخري‏,‏ ونجحت مصر فيما فشل فيه الآخرون وتم وقف إطلاق النار يوم‏2009/1/20.‏
نعم لقد عملت مصر لصالح الشعب الفلسطيني الذي يعاني من جراء العدوان من ناحية‏,‏ ومن جراء الانقسام من ناحية أخري‏,‏ بينما عمل آخرون لأطراف علت أصواتها‏,‏ وانعدمت أفعالها‏,‏ فها هي إيران والقوي الموالية لها في المنطقة‏,‏ يؤكدون لإسرائيل عبر أطراف أوروبية أنهم لن ينخرطوا في القتال‏,‏ في الوقت الذي يتآمرون فيه علي مساعي التهدئة والمصالحة قبل العدوان‏,‏ دون اعتداد بحياة الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين‏,‏ وها هم أتباعهم الذين يكيلون الاتهامات لمصر دون وعي أو إلمام بأساسيات الفكر السياسي‏,‏ أو طبيعة التهديدات التي يجسدها الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ لقد أبتلع الكثيرون الطعم الذي ألقته اسرائيل فظنوا أن القطاع محرر‏,‏ غير مدركين خطورة ذلك علي مستقبل القضية الفلسطينية ووحدة الأراضي الفلسطينية‏.‏
وتواصل مصر جهودها حاليا بإعلان التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية‏,‏ كما تعمل جاهدة للتوصل إلي صفقة لتبادل الأسري تضمن الإفراج عن مئات من الأسري الفلسطينيين‏,‏ وذلك رغم التعنت الاسرائيلي ومحاولاتها ربط اتفاق التهدئة بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي‏,‏ الأمر الذي ترفضه مصر وتعتبره تعنتا لا يمكن قبوله‏,‏ كما تسعي مصر لاستئناف عملية المصالحة الفلسطينية تحت رعايتها‏,‏ ولذا قامت بالدعوة إلي عقد اجتماع للمصالحة الفلسطينية بين مختلف الفصائل‏,‏ وفي مقدمتها فتح وحماس‏,‏ وفي إطار جهودها لدعم قطاع غزة وإعادة الحياة الطبيعية له فقد دعت مصر لعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار عقد بشرم الشيخ في‏2‏ مارس‏2009,‏ حيث من المنتظر ان تقوم الدول والمؤسسات المانحة بتوفير التمويل اللازم لمشروعات إعادة البنية التحتية والمرافق والمنشآت‏,‏ وقد لاقي هذا الدور المصري الكبير والمتميز ارتياحا لدي الرأي العام المصري والعربي‏,‏ فضلا عن التقدير والترحيب من جميع الدول والمنظمات المنصفة والموضوعية‏,‏ الساعية إلي السلام واستقرار المنطقة‏,‏ وسيظل خطابا الرئيس امام القمة العربية في الكويت وفي يوم عيد الشرطة وثيقتين تاريخيتين عظيمتين‏,‏ لما تضمناه من ثوابت وحقائق وبيانات دامغة‏,‏ حول القضية الفلسطينية وظروف العدوان الاسرائيلي الأخير‏,‏ وسنظل نحن المصريين نعتز ونفتخر بما جاء فيهما من معان ودلالات‏,‏ نواجه بها كل قوي التضليل والمغالطة‏.‏
ثم يأتي من يدعي أننا ننحاز لطرف علي حساب طرف‏,‏ كيف؟ وقد حذرنا الإخوة في غزة من مغبة عدم تجديد التهدئة‏,‏ أليس من حقنا الآن أن نشير إلي سابق تحذيراتنا‏,‏ وما أدي إليه تجاهلها من دماء ودماء‏,‏ لا لشيء إلا لكي نعود إلي المربع الأول‏!‏ كيف لعاقل أو متابع منصف أن يتهم مصر بالانحياز وقد استجابت خلال جهودها للمصالحة الفلسطينية في نوفمبر الماضي إلي جميع ملاحظات حماس‏,‏ للدرجة التي طرحت معها القاهرة ورقة جديدة كلية‏,‏ استجابة لمتطلبات الحركة‏,‏ لنجد أنهم يتراجعون في اللحظات الأخيرة‏,‏ بعد أن كانوا قدأعلنوا تأكيدهم الحضور للقاهرة‏,‏ لم يوضحوا لنا لماذا تحلفوا؟ لم يوضحوا للشعب الفلسطيني ذلك‏,‏ وكل ما أوضحوه في حينها في مبررات غير واقعية لم تكن لتمنع حريصا علي المصلحة الوطنية الفلسطينية من الحضور للقاهرة‏,‏ لرأب الصدع الفلسطيني وإصلاح ما أفسده الانقسام‏.‏
تمسك مصر بالحقوق الفلسطينية المشروعة منذ بداية مسيرة التسوية السلمية
إذا انتلقنا إلي ما يثيره البعض من تشكيك حول جهود مصر للتسوية السلمية في عامي‏1979,1978‏ عن الاتفاق الإطاري للحكم الذاتي في كامب ديفيد‏,‏ فأثق اننا لسنا في حاجة لان نؤكد ان مصر كانت قد أوضحت في أكثر من موقف‏,‏ ومنذ بدايات عملية التسوية السلمية‏,‏ ان ماورد بخصوص الحكم الذاتي الفلسطيني في إطار إعلان مباديء في الشرق الأوسط عام‏1978‏ هو اجتهاد مصري لما تري فيه صالح الفلسطينيين‏,‏ وأن القبول به من عدمه شأن فلسطيني صرف‏,‏ مما يعني بكل وضوح أن القاهرة لا تسعي إلي فرض اجتهادها علي الطرف الفلسطيني‏,‏ لأنها في كل مراحل القضية لم تقدم نفسها بديلا عن الفلسطينيين‏,‏ ولم تتحدث باسمهم‏,‏ بل حرصت علي أن يكون القرار فلسطينيا‏,‏ في كل ما يتعلق بمصير شعب فلسطين وأرضه‏,‏ ثم تقوم بدعم الحل الذي يختاره الفلسطينيون لأنفسهم‏,‏ كان هذا خطنا الثابت‏,‏ وسيظل كذلك‏.‏
والمراجع المنصف لنصوص إطار السلام المشار إليه يجد أنه قد أسس التسوية السلمية والشاملة لصراع الشرق الأوسط علي إبرام معاهدات سلام تقوم علي قراري مجلس الأمن رقم‏338,242‏ بكل فقراتهما وهوذات الاساس الذي تسعي كل الاطراف العربية عامة والفلسطينيون خاصة لتحقيقه الآن‏.‏
كما أنه هو نفس الاساس الذي أجمعت عليه الدول العربية في بيروت عام‏2002,‏ من خلال المبادرة العربية للسلام‏,‏ اما الادعاء بأن مصر قد سعت من خلال هذا الاتفاق الإطاري إلي اختزال حل القضية الفلسطينية في إقامة حكم ذاتي‏,‏ فهذه مغالطة مرفوضة‏,‏ ذلك أن الحديث عن هذا الحكم الذاتي كان في إطار فترة انتقالية ولمدة خمس سنوات‏,‏ كان من المفترض أن تجري خلالها مفاوضات بين الاطراف المعنية تؤدي إلي التوصل إلي اتفاقات حول الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة وعلاقتها مع جيرانها بحلول نهاية الفترة الانتقالية‏,‏ ولا تخرج هذه الأحكام عما ارتضاه الفلسطينيون أنفسهم بجميع فئاتهم وفصائلهم منذ اتفاقية أوسلو عام‏1993,‏ وما زالوا يسعون جاهدين لتحقيقه‏.‏
وفي ضوء ذلك أليس من الانصاف ان نقرر ان ما توصلت إليه مصر في عامي‏1978‏ و‏1979‏ كان من شأنه ان يفتح الباب أمام الفلسطينيين لبلوغ اضعاف ما يأملون الحصول عليه حاليا؟
وللأسف لقد رفضه الجانب الفلسطيني في حينه فأضاع فرصة تاريخية‏,‏ لو كان قد استغلها لكانت هناك اليوم ومنذ سنوات الدولة الفلسطينية المستقلة‏,‏ ولأصبحنا الآن نتحدث عن علاقات دولتين‏:‏ تعاون بين مصر وفلسطين ومعابر بينهما لا تخضع علي الجانبين الا لسيطرة من الدولتين‏,‏ ولا يقوم علي تشغيلها الا المصريون والفلسطينيون أما عندما يبلغ الشطط مداه بآخرين فيطالبون بإلغاء اتفاقية السلام لعام‏1979,‏ فنقول لهم إن هذه الاتفاقية لم تأت من فراغ‏,‏ إنما جاءت تتويجا لانتصار أكتوبر المجيد‏,‏ فما قبلت اسرائيل ان تدخل في مفاوضات للانسحاب من اراضينا المحتلة الا بعد نصرنا العظيم‏,‏ ونجاحنا في العبور وتحطيم خط بارليف‏,‏ ودخول قواتنا الجوية والبرية والبحرية اراضي ومياه وأجواء سيناء المحتلة‏,‏ كان عبورا من الهزيمة إلي النصر‏,‏ ومن الانكسار إلي الاعتزاز والفخر‏,‏ تعبيرا عن إرادة شعب وتصميمه علي تحرير أرضه مهما كانت التضحيات‏,‏ وكان في نفس الوقت تأكيدا علي قدرة جيشنا علي استعادة السيادة علي كامل التراب المصري‏.‏
واستنادا إلي هذا النصر واعتمادا علي دلالاته‏,‏ وماترتب عليه من نتائج في مواجهة إسرائيل والعالم‏,‏ كانت المعركة السياسية التي انتهت بنصر جديد سجلته اتفاقية السلام لعام‏1979,‏ والتي بمقتضاها أجبرت اسرائيل علي الانسحاب من جميع الأراضي المصرية‏.‏
أما مازعم البعض بأن اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية قد تضمنت نصوصا تمنح إسرائيل ميزة تفضيلية عند استيرادها للبترول والغاز الطبيعي من مصر‏,‏ فهذا أيضا محض ادعاء وافتراء علي الحقيقة فالمراجع المنصف لنصوص الاتفاقية وملحقاتها والتي صادق عليها مجلس الشعب يوم‏10‏ ابريل‏1979‏ بأغلبية‏329‏ صوتا ضد‏15,‏ وامتناع عضو واحد عن التصويت والتي أجري بشأنها استفتاء شعبي في‏19‏ ابريل من نفس العام يتضح له عدم وجود اي نص بمنح أية مزايا تفصيلية‏,‏ والملحق الثالث من الاتفاقية صريح حين يقرر أن العلاقات الاقتصادية سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلي اسرائيل وان يكون من حق إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصري الأصل والذي لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلي وأن تنظر مصر والشركات التي لها حق استثمار بترولها في العطاءات المقدمة من اسرائيل علي نفس الأسس والشروط المطبقة علي مقدمي العطاءات الآخرين لهذا البترول‏,‏ وهو ما ينسحب بالتبعية والضرورة علي صادرات الغاز المصرية‏.‏
ستواصل مصر جهودها لإحلال السلام‏,‏ واستقرار المنطقة‏,‏ وعودة الحقوق الفلسطينية المشروعة‏,‏ وستواصل جهودها لاستئناف المصالحة الفلسطينية توحيدا للصف الفلسطيني‏,‏ وإنهاء لانقسام بغيض يهدد مستقبل حقوق الشعب الفلسطيني‏,‏ ولن يهدأ لنا بال إلا بعد تحرير فلسطين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تضم غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشريف‏.‏
وقد أوضحت أزمة العدوان الأخير علي غزة بما لا يدع مجالا للشك‏,‏ أن مصر كانت مستهدفة كقوة اقليمية‏,‏ تحافظ علي الاستقرار والسلام والتنمية في المنطقة وأن هناك قوي خارجية يهمها ضرب الدور المصري‏,‏ وتعريض الأمن القومي المصري للخطر‏,‏ ولكن مصر ستظل دائما علي ثوابتها ومبادئها‏,‏ ولن تخضع للابتزاز‏,‏ كما قالها بحق الرئيس مبارك‏,‏ الذي أكد في نفس الوقت ان الاحتلال مصيره إلي زوال‏..‏ والقضية الفسطينية أبدا لن تموت‏.‏
‏*‏ نقلا عن مجلة الوعي بالقانون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.