بينما تمر الثورة السورية بمنعطف خطير خلال هذه الفترة حيث اقترب بشار الأسد من السقوط على أيدي الثوار، طفت على السطح أكذوبة انتماء الثوار الذين يقاتلون قوات بشار منذ أكثر من عامين إلى تنظيم القاعدة، بعدما أعلنت جبهة النصرة اندماجها مع تنظيم القاعدة. وسعت القوى الدولية، الأمريكية والأوروبية بشكل أخص، إلى استغلال الفرصة لضرب المقاومة السورية الباسلة، لتحقيق مأربها الخبيثة من خلال القضاء على امتداد التجربة الإسلامية إلى سوريا، بعدما وصل التيار الإسلامي إلى سدة الحكم في غالبية الدول التي شهدت ثورات "الربيع العربي"، ذلك من خلال التلويح بدعم المعارضة بالسلاح بشرط القضاء على المقاتلين الإسلاميين، في تمهيد خبيث من القوى الغربية بأن سقوط بشار الأسد على أيدي الثوار سوف يخلفه نظام "إرهابي"، لذلك نحن – القوى الغربية – نسارع بتقديم الأسلحة للمعارضة التي تتوافق مع شروطنا. فقد كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن المساعدات الأمريكية لثوار سوريا ستوقف حالة القتال الضارية بين الأطراف المتناحرة ونفوذ الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل جماعة جبهة النصرة، موضحة أن الإدارة الأمريكية تعهدت بمضاعفة مساعدتها - غير القتالية - للمعارضة السورية لتصل إلى 250 مليون دولار. وأضافت الصحيفة الأمريكية أن 11 دولة ومن بينها بريطانيا وفرنسا ودول منطقة الشرق الأوسط الرئيسية فضلاً عن الولاياتالمتحدة، اتفقت في بيان مشترك خلال مؤتمر أصدقاء سوريا الذي تستضيفه مدينة اسطنبول، على نقل كل المساعدات العسكرية بشكل كامل عبر طريق واحد ألا وهو المجلس العسكري الأعلى وهو جيش جماعة المعارضة السياسية السورية التي تدعمها واشنطن. وأشارت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلى أنه مع اعتزام الولاياتالمتحدة تقديم مساعدات "غير قتالية" للمعارضة السورية، يحاول الغرب تسهيل الحظر الأوروبي المفروض على تصدير السلاح إلى سوريا، مما يزيد الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لإجباره على التنحي. وأضافت الصحيفة أن إدارة باراك أوباما ستعمل مع قادة المعارضة السورية لتحديد احتياجاتهم، مشيرة إلى أن كيري التقى رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية معاذ الخطيب في الاجتماع، وأن فرنسا وبريطانيا تدفعان نحو السماح بتصدير السلاح إلى المعارضة السورية. موقف المعارضة إن الخلاف حول الجماعات الثورية التي تحتاج إلى مساعدات ونوعية المساعدات لتوفيرها وما هو المقابل، واكب حالات من الانقسام داخل المعارضة السورية نفسها، حيث إن الفصائل المختلفة المدعمة من حكومات أجنبية مختلفة تتنافس للحصول على السلطة والسيطرة على مستقبل سوريا. ويبدو أن المعارضة السورية غير متفائلة بتلقيها أسلحة نوعية قريباً، ويظهر ذلك بعد حثها الدول الغربية والعربية على توجيه ضربات جوية موجهة لمنع النظام من مواصلة إطلاق صواريخ سكود على المدنيين، وطالبت بإقامة منطقة حظر جوي لإفساح المجال أمام حرية تحرك اللاجئين على طول الحدود الشمالية والجنوبية للبلاد. ويقول المنسق السياسي والإعلامي للجيش الحر لؤي المقداد ل "الجزيرة.نت" إن هناك عدداً من الدول التي شاركت في المؤتمر تريد السير في منطق "لا غالب ولا مغلوب"، وإبقاء تسليح المعارضة ورقة ضغط على نظام الأسد لتفرض عليه عملية الانتقال السلمي للسلطة التي يعدها المقداد "مسألة مستحيلة، وأكدنا لهذه الدول أن الأسد لن يتخلى عن السلطة إلا مرغما". وأوضح أن هناك محوراً تقوده قطر والسعودية يدعو لوقف نزيف الدم السوري وحسم القضية عبر تسليح المعارضة بأسلحة نوعية، مقابل تيار يسلح المعارضة كلامياً وبالشعارات فقط، وينظر إلى الوضع السوري كملف مطروح على طاولة المفاوضات ويحتمل المناورة، وهذا التيار ليس لديه مشكلة إذا دُمرت سوريا. وكشف المقداد أن هناك دولا تحدثت في الملف السوري خلال اجتماع "أصدقاء سوريا" وكأن الذين يموتون في سوريا ليسوا بشرا، مشيراً إلى أن أحد مسؤولي الدول تعهد بدرس الملف خلال شهرين "أي بعد مقتل آلاف السوريين". بينما أكد الكاتب عصام خليل أن الغرب يسلح المقاتلين "الإرهابيين" منذ فترة بكمية ونوعية كبيرة لضرب المدنيين واستهداف أمنهم واستقرارهم ومؤسساتهم، وفي إعلان واشنطن ولندن عن هذا التوجه لا تكشفان شيئا جديدا بل تؤكد المؤكد. وأضاف خليل أن واشنطن تمارس "استثمار الإرهاب" في العالم، فهي تدعمه وتسلحه حين يوافق مصالحها وتكافحه وتضربه حين يعارض إستراتيجيتها وخططها، وأكد أن الغرب سيندم على تسليح هذه المجموعات لأنهم كما ضربوا سابقا في عقر داره سيعودون عندما تنتهي الأزمة في سوريا ويتحولون إلى قنابل موقوتة ستنفجر في أمنهم واقتصادهم ومجتمعهم. مخاوف صهيونية ولا نستطيع استبعاد الكيان الصهيوني المحتل لأجزاء من الأراضي السورية – هضبة الجولان – من المعادلة القائمة الآن على الأرض، فقد عبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن تخوفها من مرحلة ما بعد الأسد، موضحة أنه إذا سقط بشار فلن تكون الأم تريزا هي التي ستحل مكانه، حيث لا فرق بين طرفي الصراع في سوريا، مشددة على ضرورة الحفاظ على هضبة الجولان وأن تكون الحدود هادئة، دون التدخل في الحرب الدائرة لمصلحة أي من الطرفين. واعتبرت صحيفة "نظر عليا" العبرية أن إطالة القتال في سوريا لا تخدم المصلحة الصهيونية، معتبرة رفع الحظر على نقل السلاح إلى القوات المعتدلة الطريق الواقعي الوحيد للمساعدة في كسر التعادل العسكري. وفي النهاية فإن تراخي بعض دول الإقليم عن تفعيل دورها السياسي في مواجهة نظام بشار، أتاح الفرصة أمام الدول الغربية لإدارة ملف الأزمة السورية، واللعب بها كورقة ضغط في مواجهة بعضها البعض من أجل أهدافها الإستراتيجية الأخرى.