"قشة قصمت ظهر البعير"!!.. ذلك ما يمكن أن ينطبق على الحكم الأخير الصادر بإخلاء سبيل الرئيس السابق حسني مبارك على ذمة قضية قتل المتظاهرين، وذلك لانقضاء مدة الحبس الاحتياطي له والتي تبلغ أقصى مدة قانونية لها سنتين. هذا الحكم، رغم أنه كان متوقعاً ولم يكن مؤثراً عير سير "قضية القرن"، أثار موجة عارمة من الغضب لدى العديد من القوى والتيارات "الثورية" لاسيما الإسلامية منها، والتي أعلنت عن مليونية الجمعة 19 أبريل تحت شعار "تطهير القضاء" لمواجهة ما اعتبروه محاولة ومخططاً من القضاء لإجهاض الثورة عبر أحكام قضائية استمرت منذ عامين، لم تثلج "في مجملها" صدور أهالي الشهداء أو الشعب الذي انتظر قصاصاً من رموز النظام السابق، لا أن يعلن القضاء عن بدء مهرجان "البراءة للجميع"!!. بطريقة منظمة وخطوات تم الترتيب لها، تحركت الأحزاب والقوى الإسلامية نحو مطالبة الرئيس محمد مرسي باتخاذ ما يلزم من قرارات وخطوات تحمي الثورة وتحقق أهدافها، التي رأت هذه الأحزاب والقوى أن القضاء ما يزال يقف ضد تحقيق أحد أبرز مطالبها، وهو ملاحقة "فلول" النظام السابق، واستعادة ما تم نهبه من ثروات البلاد خلال حكم نظام المخلوع. فبعد يومين من دعوة النائب البرلماني السابق عصام سلطان، لمليونية لتطهير القضاء، خرجت العديد من القوى والأحزاب الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الراية والأصالة والإصلاح والجبهة السلفية وغيرها من القوى الإسلامية لتعلن عن مشاركتها في مليونية "تطهير القضاء". وطالبت هذه القوى في بيان أصدرته الأربعاء، الرئيس محمد مرسي بتكوين محكمة ثورية تستكمل تحقيق مطالب الثورة من محاكمة عادلة وناجزة لرموز النظام السابق. وطالب البيان، مجلس الشورى بالإقرار الفوري لقانون السلطة القضائية، كما دعا البيان جميع القوى الثورية والشعبية الوطنية للوقوف صفاً واحداً خلف المطالب الموجهة للرئيس من قرارات ثورية للحفاظ على الثورة وتمكين شباب الثورة بما يكفله الدستور بما يتسق مع المرحلة الانتقالية. من جانبها، دعت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، الرئيس ومجلس الشورى، إلى سرعة إصدار قانون للسلطة القضائية وذلك لتصحيح الأوضاع في القضاء بعد هذه السلسلة من الأحكام المسيسة والبراءات في حق رموز النظام السابق. هذه التحركات السريعة والتي تم الترتيب لها بشكل مفاجئ، أثارت عدة تساؤلات في غاية الأهمية، إذ أنه وإن كان من المعروف أن من يتولى مقاليد الحكم في مصر الآن رئيس محسوب على هذا التيار الذي يطالب بتطهير القضاء، فما الذي يمنع رئيس الجمهورية أن يتخذ القرارات التي من شأنها حماية الثورة ومواجهة الثورة المضادة، دون الحاجة ل "حشد" الآلاف من مؤيديه إذا كان بالفعل لديه القدرة على اتخاذ هذه الإجراءات "الثورية"؟! التساؤل الآخر الذي يفرض نفسه بشدة، يتمثل في مدى علاقة مؤسسة الرئاسة نفسها بهذه الترتيبات التي تجرى على الأرض من أجل حشد، إذ يبدو في الأفق وكأن هناك اتفاق ما بين الجانبين من أجل الحشد لدعم شعبي لقرارات مرتقبة من الرئاسة من شأنها تحقيق هذه المطالب التي ستمس بشكل مباشر القضاة والتي يرى البعض أن تحقيقها سيكون بمثابة "مذبحة" ثانية للقضاة بعد مذبحة عبدالناصر 1968. وأياً كانت الإجابة على هذه التساؤلات، إلا أن الحقيقة الواضحة الآن تشير إلى أن مواجهة الثورة ل "القضاء المباركي" كأحد أبرز مؤسسات نظام المخلوع، التي نادى ثوار 25 يناير بتطهيرها من الفساد، أصبحت ضرورة ملحة، بل وباتت مواجهة مباشرة بعدما رأى الكثيرون أن مؤسسة القضاء أصبحت شوكة في ظهر الثورة، إلا أن هذه المواجهة تكاد تبرز معالمها في أن من يتصدى لها التيار الإسلامي دون غيره من التيارات والقوى السياسية الاخرى، والتي آثرت أن تترك الساحة لتطهير القضاء، للإسلاميين، مفضلة أن تشاهد هذه المواجهة بعد أن تحولت أغلب هذه القوى إما لمناهضة لحكم الإخوان، أو متحالفين "علناً أو في الخفاء" مع فلول "مبارك"... فإلى أين سيتجه هذا الصراع ومتى تحط هذه الحرب أوزارها؟!...