على عكس الجميع .. انتابتني حالة من التفاؤل الشديدة حين لوح الرئيس المخلوع حسني مبارك بيديه من داخل القفص إلى مؤيديه أثناء بدء جلسات إعادة محاكمته في "قضية القرن" المتهم فيها بقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير 2011، مع نجليه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من معاونيه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم. ولعل الجميع قد يندهش من حالة التفاؤل هذه التي تنتابني، بعد المشهد المستفز الذي ظهر به المخلوع ونجلاه داخل القفص، كما لو أنهم متأكدين من براءتهم من دماء شهداء ومصابي الثورة، أستطيع أن أرد بأن هذا التفاؤل منبعه الكثير من النقاط أهمها: * أن اليأس وصل مع المخلوع إلى مرحلة متقدمة جداً، حيث فقد الأخير الكثير من الآمال في حصوله على البراءة بعد استبعاد نائبه العام عبد المجيد محمود وتعيين نائب عام عن الشعب بحق، لاسيما في ضوء تعدد القضايا المرفوعة ضد الرئيس المخلوع ورموز نظامه الفاسد في مختلف المحاكم. * أن تنحي القاضي عن قضية إعادة محاكمة المخلوع بزعم استشعاره "الحرج"، جاء ليكشف حجم الفساد المنتشر داخل القضاء المصري، ومع ذلك لم يجرأ هذا القاضي "الفاسد" في منح المخلوع ورموز نظامه البراءة في قضية الثورة الأولى، ما يعني أن الثورة المصرية المجيدة جعلت الجميع تحت المسائلة وليس هناك أحد فوق إرادة الشعب، حتى لو كان قاضياَ فاسداً، ولا نقصد بذلك تعطيل العدالة، فالفرق بين العدالة والقضاة كبير، وأحمد زند ليس بعيداً عنا. * أن المخلوع ونجلاه حاولوا – فشلاً – إيصال رسالة إلى الرأي العام المحلي والعالمي مفادها أن الثورة قد فشلت في تحقيق آمال المصريين، لكن الحقيقة قد حققت الكثير والكثير من أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، ولعل أهم ما تحققه هو رؤية الرئيس المخلوع داخل القفص وبزي الحبس وإن كان حبساً احتياطياً. * أن نيابة حماية الثورة التي شكلها الرئيس محمد مرسي، برئاسة المستشار عمرو فوزي المحامي العام الأول، قد سلمت محكمة الجنايات، قائمة بأدلة الثبوت الجديدة وأقوال الشهود الخاصة بوقائع قتل المتظاهرين إبان الثورة، وذلك في مذكرة بلغ عدد أوراقها 700 صفحة، ما يعني عكس ما حاول المخلوع إيصاله للرأي العام من انه قريب من الحصول على البراءة، بل على العكس أنه قريب من حبل المشنقة هو وجميع المتهمين الحالين وغيرهم من يتمتعون بحريته خارج السجن الآن وبعضهم خارج مصر. * أن الحالة الصحية الجيدة التي ظهر بها المخلوع خلال الجلسة، أنهت تمثيلية مرضه "المفقوسة"، ما دعا النيابة مطالبة مستشفى المعادي العسكري بضرورة تقديم بإعداد تقرير طبي عاجل عن الحالة الصحية للمخلوع، ومدى إمكانية نقله إلى سجن طره، حتى يصدر النائب العام قراراً في هذا الشأن، وذلك بعد ظهوره معاف وبصحة جيدة صابغا شعره ومرتديا نظارة شمسية، ويلوح لمؤيديه في المحكمة. * أن المخلوع بهذا الظهور المستفز، فقد الكثير من مؤيديه، عكس ما يبدو للبعض، كما كشف لنا عن بعض من ركبوا الثورة واعتبروا أنفسهم الثوار الحقيقيون، لكن مع فوز التيار الإسلامي بالرئاسة والمجالس التشريعية، سرعان ما انقلبوا على الثورة والديمقراطية، لدرجة أن أحد مرشحي الرئاسة يتوقع فوز المخلوع بالانتخابات الرئاسية المقبلة حال خروجه من السجن وترشحه لهذه الانتخابات. لذلك أرى أن ظهور المخلوع في المحكمة بهذا التباهي الزائف، قدم خدمة جليلة لأهالي الشهداء والمصابين ودفع الثورة دفعاً قوياً نحو تحقيق الكثير من أهدافها، أهمها القصاص وقبلها تطهير القضاء وبينهما التخلص من الزمرة الفاسدة التي تتاجر بدماء هؤلاء الشهداء والمصابين لتحقيق مآرب شخصية.