ظهر "المخلوع" فى محاكمة ثلاث الدقائق الأخيرة بمنظر أو "طلة جديدة" (new look)، متعافيا حليقا، متصابيا صابغا شعره، معتدلا فى جلسته لأول مرة داخل قفص الاتهام، ملوحا بيده اليمنى إلى الكاميرات بطريقة مفتعلة وربما مقصودة، كما لم يحاول ولداه جمال وعلاء إخفاء وجهه على غير ما تعودا فى أثناء جلسات المحاكمة السابقة التى انتهت إلى معاقبته بالسجن المؤبد. بهذا كان واضحا أن المشهد مصطنع، وأن الهدف من تسويقه على هذا النحو إيصال رسالة بأن المخلوع قادم مرة أخرى، أو فى الحد الأدنى "برىء" وأنه ما زال هو الرئيس الفعلى للبلاد. كان المشهد مستفزا للغاية، إذ كاد المخلوع أن "يخرج لسانه" متحديا وواثقا من البراءة، قائلا للجميع: "ما زلت الرئيس"، فهو، من خلال ما رأيناه، لا يعامل بوصفه مُتّهما، وإنما يحاط برعاية الرؤساء والأمراء، وتؤدَّى له التحية أحيانا من بعض المكلفين بحراسته، ويرى عبر الشاشات أن هناك من المصريين من لا يزال يؤيده، وأخيرا -وهو الأهم- أن القاضى رئيس الجلسة هو ذاته من برَّأ المتهمين فى "موقعة الجمل"!! ولا شك أن مستشارى السوء من هيئة دفاع المخلوع هم من فكَّر فى إخراج المشهد بهذه الصورة، ونصحوه وأنجاله بتمثيل الأدوار على هذا النحو، لكنهم بسذاجة منقطعة النظير أوقعوه فى شر أعماله، واستدعوا براكين الغضب الكامنة فى صدور المصريين ضده، فمنهم من طالب بإعادته إلى محبسه فى سجن طره، وهو ما قد يحدث قريبا، ومنهم من طالب بإعادة النظر فى آلية المحاكمة ذاتها، مشددا على ضرورة إدانته، وتوقيع أقصى عقوبة عليه، وهى الإعدام، لأنه هو المسئول الأول عن قتل الثوار، وإفساد الحياة فى مصر من نواحيها كافة خلال فترة حكمه. وإذا غصنا فى التفاصيل قليلا سندرك بسهولة أن هناك فريقا متكاملا صنع هذه الصورة الجديدة التى بدا عليها المخلوع، بداية من مستشارى السوء واضعى السيناريو الفاشل، ومرورا برجال الأمن المكلفين بحراسته وهيئة تمريض وأطباء وإدارة وكوافيرات مستشفى المعادى العسكرى، وكذلك من هتفوا بحياته داخل قاعة المحكمة، وانتهاء بالقاضى الذى تنحى لاستشعاره الحرج، ولا ندرى ممن هذا الحرج بالضبط؟! هل من المخلوع وأبنائه، أم من دفاع أسر الشهداء الذين طالبوه بالتنحى؟ العجيب أن محامى المخلوع صرَّح بأن موكله "سيظل محتجزا فى مستشفى المعادى العسكرى" وأن القاضى المتنحى قدم تقريرا طبيا إلى رئيس محكمة النقض ذكر فيه أنه يعانى من مشكلات فى عينيه، ويبدو من هذا الكلام أن المتهم يفعل ما يريد، وأنه الآمر الناهى، وأن هناك من يسانده من رجال الدولة العميقة، كما أن تبرير المحامى لتنحى القاضى، وهو أمر ليس مطلوبا منه ولا يدخل فى اختصاصه، يعنى بوضوح أن التنحى لم يكن حرجا من دفاع أسر الشهداء، وإنما من المخلوع وأعوانه. أرى أن الواجب على سلطات الدولة الآن أن تفتش عن كل من شاركوا فى صناعة هذا المشهد البائس، وتحاسبهم بكل شدة أيا كانت مواقعهم؛ فنحن أمام جريمة أهدرت فيها قيم العدالة على نحو غير مسبوق، وتحول فيها سجين مجرم إلى نجم يتحدى الجميع من داخل القفص، بينما زملاؤه المسجونون على ذمة قضايا بسيطة لا يلقون شيئا من الرعاية والعناية، ويعاملون بطريقة غير آدمية. ومما يؤكد ضرورة محاكمة من يساندون المخلوح ويظهرونه بهذه الصورة أنهم بمعاونتهم له أفصحوا، بما لايدع مجالا للشك، أنهم يتحدون السلطة والنظام، ويمثلون جزءا من مكونات الثورة المضادة، وهو ما ينبئ بخطر عظيم، ويؤكد أن دولة المخلوع ما زالت تعمل بتناسق عجيب وبيد مطلقة.