للوهلة الأولى التى تدخل فيها جزيرة فاضل، لا تستطيع أن تجزم بأنها تقع على أرض مصرية، فتلك القرية التى يقطنها 350 أسرة تقريبا جميعهم من أصل فلسطيني تشعرك وكأنك داخل إحدى المخيمات الفلسطينية التى فرض الاحتلال على سكانها ترك أرضهم و أجبروا على المكوث فى مكان ما يمثل لهم نقطة الاستراحة بين رحلتي الهجرة والعودة، فذلك الجمال الفلسطيني الذى تراه فى وجوه نساء القرية وتلك الكسرة فى اللهجة تأخذك لحنين الوطن الذى سنعود له حتماً. وتقع جزيرة فاضل فى منطقة تدعى "أبو كبير" التابعة لمحافظة الشرقية إحدى محافظات مصر، يبلغ عدد سكان الجزيرة 3500 نسمة جميعهم فلسطينيون جاءوا مع من هجروا سنة 1948؛ حيث أجبرهم الاحتلال على الخروج من أرضهم فى فلسطين ومروا على عدد من المدن حتى وصلوا إلى الشرقية وكانت أبو كبير بالأخص "جزيرة فاضل" هى مثواهم و لكن ليس الأخير. لم تختلف الروايات كثيراً عندما سألنا كبار السن فى المنطقة عن كيفية وصولهم و تجمعهم فى تلك المنطقة فسمعنا الإجابة نفسها فلقد وصلوا إلى الجزيرة بعد عناء الهجرة الطويلة من مكان إلى أخر، فيقول عيد النامولي الفلسطيني الجنسية ويعد أحد كبار الجزيرة، "لقد وصل جدودي إلى هذه القرية وسكنوها، كل اللي هنا جاءوا سنة ال48 وضلينا محافظين لحد الآن على عاداتنا وتقاليدنا الفلسطينية ولن نخرج عنها أبداً". وقد تبدو حياتهم لك عادية فهم مجتمع قبلي، عددهم ليس بكثير، لا يعانون أكثر المشكلات شعبيةً العنوسة والبطالة، فالبنات يتزوجون فى سن مبكر والرجال هناك يشتغلون سواء فى الزراعة أو فى أشياء أخرى كالورق والبناء. ولكن فى الواقع هم يعانون بسبب ما فرضه عليهم الاحتلال بجعلهم لاجئين فى بلد غريب و ما فرضه هذا البلد عليهم من عقوبات للعيش فيه: فكونك لاجئ فهذا يفرض على الدولة المضيفة أن تمنحك كل حقوقك وأن تساويك بأبناء البلد الأصلين فى الواجبات والحقوق بداية من الإقامة والتعليم مرورا بالصحة وغيرها من الأمور الحياتية، وهذا وفقا للمواثيق الدولية التى وضعت لهم، وهذا ما كانوا يتمتعوا به بالفعل فى الوطن الأم مصر، لكن بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر أصبح الفلسطينيون فى مصر يعاملون كأجانب فسلبت منهم كل الحقوق وأصبحوا مطالبين بدفع ثمن لجوئهم. حيث تفتقر قريتهم المنعزلة أبسط الحقوق الأدمية ، فلا توجد مرافق صحية ولا توجد مراكز تعليمية ولا يوجد من يسأل عنهم سواء من مؤسسات فلسطينية أو مصرية. وقالت عائشة حسين فلسطينية من جزيرة فاضل (44عاماً) "زمان كان لينا تأمين كانت بتتوفر لنا من المؤسسات الفلسطينية بس دلوقتي كل ده انقطع عنا وبقى ممكن بعد كام شهر لما حد يسأل علينا مره ". أما الحاجة زينب سالم فلسطينية من جزيرة فاضل (50 عاماً) فكان همها الأكبر هو بعد المستشفى عنهم حيث تقول "إحنا المشفى بيبعد عنا ساعة ونص ويمكن أكتر، فى قرية تانية أصلا، يعنى لو واحد مريض ولا واحده بتولد نعمل ايه ؟؟... هذا إلى جانب مشاكل الاقامة والمستوى المعيشي الغير كافي ..." والى جانب المشاكل المعيشية لم تخلو حياة فلسطينيو جزيرة فاضل من المعاناة النفسية فكونهم فلسطينيون يجعلهم غير محبوبين من جانب بعض سكان المحافظة الأصليين – المصريين - فيسمعون ما تعود الفلسطيني على سماعه دائما خارج بلده، ما الذى أتى بكم إلى هنا ؟؟ ارجعوا إلى أرضكم ؟؟ وكأن الاختيار بأيديهم!!! وهنا لا أستطيع أن القى باللوم فقط على المؤسسات الفلسطينية التى تحاول أن تصل إليهم وتساعدهم، فوفد من السفارة الفلسطينية بالقاهرة قام بزيارتهم و التعرف عليهم، وقدم لهم بعض المساعدات، كما عمل على بناء فصول محو أمية لهم، كما قام الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية المتواجد بالقاهرة أيضاً بزيارتهم أكثر من مرة للتواصل معهم وانتخب منهم نساء ليكنَ همزة الوصل بينهم وبين فرع الاتحاد بالقاهرة، و لكن أيضاً اين دور البلد المضيفة من هؤلاء؟ أليس لهم حق فى عيش حياة كريمة وأدمية!!! كل ذلك لم يجعلهم يكرهون جنسيتهم وأصلهم اللذان تسببا لهما بالمتاعب بل كانوا هم الأشد حرصا على الحفاظ على هويتهم، حتى وإن أجبرتهم الظروف على التحدث باللهجة المصرية كانت تلك الكسرة فى كلامهم توصلك بوطنهم، و عاداتهم التى كانت كلها عادات الأجداد لم تتأثر حتى بعد موت الأجداد فظلوا حرصين على أن يتزوجوا فلسطينيين لتستمر سلالتهم ممتدة لحين عودتهم. وكما قالت الحاجة فضة سليمان (60 عاماً) "لو عرضوا عليا ألف جنسية عمرى ما أتخلى عن جنسيتي ..أعيش وأموت فلسطينية، يا بنتي اللي يتخلى عن وطنه زي اللي بيتخلى عن دينه .. واللي خلق المصري خلق الفلسطيني وكلنا هنندفن فى نفس التراب ..فلسطين دي قطعة من الجنة بس اللي يعرف قيمتها".