قال الله تعالى : "ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ ، إنّما يُؤخّرهُم ليومٍ تَشْخَصُ فيهِ الأبصارُ" ، إبراهيم : 42 . المُخَاطَب في هذه الآية الكريمة هو النبي – صلى الله عليه وسلم – والخطاب عامٌّ لجميع الأمة ؛ أي : لا تظننّ – يا محمد – أنّ ربّك ساهٍ عمّا يفعله المشركون من قومك ، بل هو عالمٌ بهم ، وبأعمالهم محصيها عليهم ليجزيهم بها ، وأنّ تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم ؛ بل سُنّة الله في إمهال العُصَاة مدّة ، وفي الصحيحين أنّ النبيّ – عليه الصلاة والسلام – قال : " إنّ الله ليملي للظالم ؛ حتى إذا أخذه لم يفلته ؛ ثم قرأ : "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد" .. قال ميمون بن مهران : " هذا وعيد للظالم ، وتعزية للمظلوم " . كَمْ في هذه الآية من تسلية وشفاء لقلوب المؤمنين الموحّدين ، وجبر لخواطر المكلومين في زمن كُثر فيه الظلم والعدوان ، وتداعتْ علينا أذلّ وأحقر أمم الأرض ! وإنّ المرء لتخنقه العَبَرات ، وتحرقه الزفرات والآهات ، حتى يكاد يموت كمداً وهَمّاً لما يحدث للمسلمين في بقاع الأرض ؛ فيسمع هذه الآية فتكون بلسماً شافياً – بإذن ربّ العالمين – لتذكره أنّ حقه لن يضيع ، وأنه سوف يقتصّ ممّن اعتدى عليه وظلمه ، وأنّ الظالم مهما أفلتْ من العقاب في الدنيا ؛ فإنّ جرائمه مسجّلة عند مَن لا تخفى عليه خافية ، ولا يغفل عن شيء ، فسبحان مَن حرّم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده مُحرّماً ، وانتصر لعباده المظلومين ولو بعد حين .