بعد مرور عامين على إشعال محمد بوعزيزي النار في نفسه احتجاجا على الفقر والظلم في بلاده، ثم اندلاع شرارة "الربيع العربي"، تدور تكهنات حول دخول الهند فصل ربيع مماثل بعد حادثة الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها فتاة هندية مؤخرا داخل حافلة في العاصمة نيودلهي . فمنذ وصول الأنباء عن حادثة اغتصاب الفتاة وحتى وفاتها في سنغافورة، اندلعت في العاصمة الهندية "نيودلهي" التي سجلت 650 حالة اغتصاب عام 2012 المظاهرات شبه اليومية تندد بتقصير السلطات الهندية في حماية النساء من العنف الجنسي، حيث طالب الكثير من المتظاهرين والمتظاهرات بتشديد عقوبة الاغتصاب إلى الإعدام. وتواجه النساء التحرش في أنحاء الهند بصورة يومية ، بدءا من التحرش اللفظي إلى تلمس الجسد في المواصلات العامة وحتى الاغتصاب وقد تصل إلى وقوعهن ضحية لحالة اغتصاب جماعي. ففي العاصمة نيودلهي وحدها، تقول النساء إنهن اعتدن على التعرض للمضايقات شبه اليومية سواء في الشوارع أو في المواصلات العامة حيث يرجع ارتفاع معدل التحرش بالنساء الهنديات والتعدي الجنسي بشكل كبير، إلى انخفاض معدلات الإدانة في تلك الجرائم حيث تصل أقصى عقوبة لحالات الاغتصاب إلى السجن مدى الحياة. وفارقت الفتاة الهندية التي تعرض للاغتصاب الجماعي الحياة في التاسع والعشرين من ديسمبر في إحدى المستشفيات في سنغافورة، حيث كانت تتلقى العلاج بعد إصابات خطيرة في جسمها ودماغها. ولفتت المحنة المروعة التي عانتها المرأة انتباه العالم إلى العنف ضد المرأة الهندية في حين امتلأت وسائل الإعلام العالمية بقصص عن مآسي النساء في الهند. وفي هذا السياق، عبرت إحدى السيدات الهنديات، تدعى لاتا، عن استيائها من العاصمة نيودلهي حيث ولدت وتربت لدرجة أنها تخشى الخروج من منزلها. وقالت لاتا، وهي تعمل في شركة بوسط العاصمة ، إنها تستخدم وسائل الموصلات العامة للذهاب إلى عملها ومغادرته مما يعرضها لمضايقات شبة يومية. وقالت "اعتدت على السفر في حافلات محلية كل يوم ، هذا يعني أنني اتعرض لحادثة كل يوم حيث يقترب الرجال مني ويحاولون مضايقتي"، كما عبرت السيدة وهي أم لطفله ، عن قلها بشأن سلامة ابنتها حينما تكبر حيث قالت إن خروج النساء الهنديات في أوقات متأخرة أو بدون صحبة ذويهم أمر غير مطروح. وقالت "ليس من المفترض أن أخرج وحدي خاصة في أوقات متأخرة من الليل .. هناك قيود تتعلق بعودتي إلى المنزل حوالى الساعة السابعة أو السابعة والنصف". ولعل حال لاتا أشبه بأحوال الكثير من النساء في الهند وخاصة في العاصمة؛ ففي حالة فتاة تدعى ميناكشي كانوجيا ،20 عاما، تأخذ المعاناة شكلا آخر حيث يفرض عليها الواقع الهندي الخروج في مجموعات لتجنب المشاكل والمضايقات. وأضافت أنها مع خروجها بصحبة أقرانها تسمع مضايقات لفظية حيث "يفصح كل شاب عن اختياره المفضل من النساء اللاتي يكن بصحبتي ، أحدهم يقول هذه لي وهذه لك". وفي رد فعل على المظاهرات، حاولت السلطات الهندية تبني إجراءات ترمي إلى توفير الأمن للنساء في العاصمة نيودلهي، وتضمنت تلك الخطوات انتشار عدد كبير من الشرطة وزيادة عدد دوريات الشرطة الليلية والبدء في تشكيل لجنة قضائية للعمل على إبداء اقتراحات في قانون الاغتصاب. كما قامت السلطات الهندية بتدشين خط هاتفي لتقديم يد العون للسيدات من قبل رجال الشرطة في أرجاء نيودلهي، في محاولة لتهدئة الرأي العام بشأن حماية النساء. غضب في مواقع التواصل الاجتماعي ومثلما حدث مع قضية الشاب التونسي بوعزيزي، استخدم الناشطون والناشطات في الهند العالم الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل حشد المزيد من التأييد لقضيتهم. فمنذ اندلاع شرارة الحراك الشعبي في الهند ضد العنف المتنامي الذي تتعرض له النساء الهنديات، أطلقت الكثير من الصفحات في موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" للتنديد بتراخي السلطات الهندية والظلم المجتمعي الذي تتعرض له نساء الهند. ومن بين تلك الصفحات، صفحة تحمل: "عزيزتي الفتاة التي تعاني بفقدان الأمن، لستي قبيحة ولكن المجتمع هو القبيح" بينما كان عنوان صفحة أخرى: "مطلبنا العدالة في قضية التحرش الجنسي والاغتصاب في نيودلهي"، وحملت تلك الصفحة صورة كتب عليها "العقاب الوحيد للمغتصبين هو الإعدام حتى الموت". وقام العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر الكثير من الاحصاءات المتعلقة بجرائم العنف ضد النساء حيث ذكر أحد النشطاء أن الهند تشهد حالة اغتصاب كل عشرين دقيقة. ومع استمرار حدة الحراك الشعبي والاحتجاجي في الهند ضد حالات العنف والتحرش بالنساء، فإن الأمر يدعو إلى تساؤلات بشأن اقتراب دخول الهند في فصل الربيع العربي. وكان الصحفي الأمريكي فريد زكريا، وهو من أصول هندية، أول من سلط الضوء على أن حركة الاحتجاجات الحالية في الهند تشبه ما طرأ على العالم العربي منذ عامين. ففي برنامجه الشهير على شبكة "سي إن إن" يوم الأربعاء، قال زكريا :"الآن هناك ثمة مطالب للحقوق الأساسية للمرأة. وهذا هو الربيع العربي في الهند. ويجب أن يستمر حتى يؤدي إلى إصلاح وتغير حقيقي." وقال إن الربيع الهندي سيكون أفضل من الربيع العربي في حالة تضافر الجهود، مضيفا أن" الربيع الهندي سيكون على نحو أفضل من الربيع العربي في حال اعتراف قادة البلاد بالحاجة إلى تغيير جذري وشامل في بلدهم."