من خسر سوريا؟ سؤال يتردد كثيراً على ألسنة المراقبين فيما هم يلومون نظام الأسد على عمليات القتل والتنكيل التي تشهدها سوريا منذ شهور، محملين الولاياتالمتحدة مسؤولية الأزمة السورية لعدم تدخلها بمعية المجتمع الدولي لوضع حد لمأساة الشعب هناك. وهكذا يرى هؤلاء المحللون أن سوريا ستكون بمثابة رواندا أخرى بالنسبة لأوباما وإدارته. والحال أن هذا التحليل مغلوط من أساسه، لأنه يفترض نوعاً من الأبوية المتغطرسة لأميركا على الساحة الدولية ويبالغ في قدرتها على التدخل وتغيير التاريخ، متناسين أن إحدى أهم فضائل «الربيع العربي» هي تحويل السياسة في الدول العربية والتدافع من أجل السلطة إلى شأن داخلي بامتياز. فرغم حالة الفوضى والاضطرابات هناك، فإنها تبقى مع ذلك صنيعة داخلية تشعر من خلالها الشعوب أنها المسؤولة عن مصيرها، وأنها صاحبة الحق في تقرير ما تريده. هذا الأمر أضفى نوعاً من الشرعية والسلطة على هياكل الحكم الجديدة في الدول العربية. ورغم الاختلاف بين المكونات السياسية، والذي يصل حد الصراع، فإنه لا أحد يشكك في العملية الديمقراطية، أو يريد الانقلاب عليها، كما أنه لأول مرة في تحركات المنطقة لم تكن الولاياتالمتحدة ولا إسرائيل فاعلتين في صياغة الأحداث، ولا جزءاً من الأساطير التي تُبنى عليها السلطة وتشرعن من خلالها. لكن رغم تلك الدينامية الخاصة والمحلية التي تحكم «الربيع العربي»، يدعو البعض إلى تدخل الولاياتالمتحدة في سوريا، مستشهداً بالنموذج الليبي الذي تدخل فيه الغرب وسهل سقوط القذافي، فلماذا لا يتكرر الأمر في سوريا؟ الحقيقة أن ثلاثة محددات أساسية تفرض نفسها لتجيب على السؤال: أولا تميزت الحالة الليبية بتوافق دولي واسع حول التدخل، لاسيما من خلال الأممالمتحدة وحلف شمال الأطلسي. وثانياً كانت ليبيا ثمرة سهلة القطاف من الناحية العسكرية بنظامها المهلهل ودفاعاتها الضعيفة، بالإضافة إلى عدم توافرها على أسلحة للدمار الشامل وافتقادها للحلفاء. وثالثاً أن الثوار الليبيين استطاعوا تحرير المنطقة الشرقية التي شكلت منطلقاً للزحف على باقي المناطق؛ أما في سوريا فالوضع مختلف تماماً بما تجمعه من عناصر ثلاثة تعيق التدخل: أولا تحول الثورة إلى حرب أهلية، ثم اكتسابها بعداً طائفياً بيناً، علاوة على التوظيف الدولي والإقليمي للساحة السورية. لذلك تصبح مقولة إن الولاياتالمتحدة هي من تسبب في هذه الفوضى صحيحة فقط لو تأكد أن تدخلها كان سيجنب سوريا واقعها الحالي، وهو أمر بعيد عن الحقيقة. صحيح أن أميركا كان يمكنها التدخل أكثر في الجانب الإنساني، وربما الاضطلاع بدور أكبر في تنظيم المعارضة السياسية، لكن منذ أن بدأ الصراع في أوائل عام 2011 وخيارات التدخل العسكري تميل أكثر إلى الخطر منها إلى الفرصة، بسبب عوامل منها القدرات العسكرية لنظام الأسد، وحلفائه الروس والصينيين الذين عطلوا قرارات مجلس الأمن الدولي، وكذلك أموال إيران وأسلحتها، وإصرار النظام نفسه على القيام بأي شيء للبقاء في السلطة ونجاحه في حشد الأجهزة الأمنية وقادتها العلويين... كل ذلك جعل من التدخل العسكري خياراً صعباً، وحتى أنصاف الحلول التي اقترحها البعض بتسليح المعارضة وإقامة منطقة حظر جوي ما كانت ستكفي للإطاحة بالنظام وإنهاء الأزمة.