(المضمون: ان وزير خارجية الولاياتالمتحدة الجديد جون كيري شديد الاهتمام بمنطقة الشرق الاوسط عامة وبالصراع الاسرائيلي الفلسطيني خاصة وهو يرى ان لهذا الصراع حلا وسيحاول ان يجده). لا يتولى جون كيري منصب وزير الخارجية الامريكية ليتقدم في حياته المهنية من ناحية شخصية. فهذا الرجل الذي كان مرشحا حقيقيا لمنصب رئيس الولاياتالمتحدة في 2004، والذي يتولى عملا منذ عشرات السنين في مجلس الشيوخ (يتولى منصب رئيس لجنة الخارجية الجليلة الشأن في المدة الاخيرة)، حصل على هذا المنصب لأنه يؤمن بقدرته على المساعدة على ايجاد حلول لعدة تحديات صعبة تواجهها بلاده. ان كيري شخص نادر أضاعت امريكا قبل ثماني سنوات قيادته لها رئيسا والذي يبلغ آخر منصب سياسي له في حياته كما يبدو مع تجربة نادرة للعلاقات الخارجية وحب كبير للدبلوماسية. في أحاديث كانت بيننا على مر السنين أثر فيّ جدا معرفته بشؤون الشرق الاوسط لكنه أظهر معرفة مشابهة حينما انتقل الحديث الى مناطق اخرى في العالم. وهو يبلغ الى المنصب المهم في وزارة الخارجية ناضجا للجلوس في مقعد سلفه هيلاري كلينتون، مع عِلم غير قليل وشعور بأنه قادر على حل مشكلات حتى مما بقي مفتوحا وانتقل بالوراثة من ادارة الى اخرى. وقد تنقل مع والديه في العالم لأنه ولد لدبلوماسي، وتعرض للتربية في دول مختلفة وهو يتكلم بخمس لغات، وسيكون التعيين الجديد بمنزلة تحقيق حلم ما عند كيري وإن كان حلمه الحقيقي قد طمح الى أكثر من ذلك. كانت تجربة حياة كيري الشعورية في فيتنام. في نهاية ستينيات القرن الماضي وبدء سبعينياته صيغ تصوره العام حينما خدم ضابطا في اسطول الجيش الامريكي ونال أوسمة بطولة. وهو من جهة جندي مطيع جريء لا يحاول الفرار من المعركة ويُعرض حياته للخطر في جنوب شرقي آسيا، وهو من جهة اخرى جندي مُسرح ينضم الى دُعاة إنهاء الحرب ويناضل ما كان يبدو له اجراءا سياسيا وعسكريا خطأ لا حاجة اليه. وكانت معارضته لاستمرار الحرب تختلف عن معارضة كثيرين من رفاقه لأنه قضى هناك بضع سنين. وما كان أحد يستطيع ان يقول لهذا الضابط ذي الأوسمة إن معارضته تنبع من خوف أو من ضعف. وكانت هذه آخر الامر هي المعارضة التي أدت به الى السياسة في سن صغيرة. ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الطويل يثير اهتمامه جدا بسبب الأهمية الاستراتيجية للشرق الاوسط عند الولاياتالمتحدة وبسبب الصلة الخاصة بين القوة الكبرى الوحيدة في العالم ودولة اليهود والتي يؤمن بها من أعماق قلبه، وربما ايضا بسبب موضوع آخر أعترف بأننا لم نتحدث عنه قط ألا وهو أصله اليهودي. فكيري يستحق جنسية اسرائيلية بحسب قانون العودة لأن والديه كانا يهوديين (تهود أخوه). وبسبب قربه من اسرائيل واليهودية خاصة فانه شديد الاهتمام ولا يمتنع عن انتقادها. أما مزاعم انه معادٍ لاسرائيل فتجعله يبتسم. وهو قلق من سياسة الحكومات الاسرائيلية ويخشى على مستقبل الدولة، ولا يفهم ما هي خطة معارضي تقسيم البلاد في الوقت الذي ستسيطر فيه أقلية يهودية على أكثرية فلسطينية، ويؤمن بأن الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين له حل. ويعلم ايضا في رأيه ما هو الحل الضروري. ان كيري بصفته وزير الخارجية لن يسحب يديه من الشرق الاوسط بل سيحاول كما يبدو ان يعمل بنفسه وان يفحص ما هي الخطوة السياسية العملية في هذه المرحلة. وقد يصبح نقطة ضوء آسرة في ادارة امريكية رفعت يديها في ظاهر الامر عن الحل في منطقتنا.