إن أكبر دليل على قصور العقل البشري ومحدودية قدراته، أن العقول الثلاثة الكبرى فى تاريخ الفلسفة اليونانية (سقراط وأفلاطون وأرسطو) لم تستطع أن تتوصل إلى أكثر المعلومات بديهية فى عصرنا هذا، ومن يقرأ فى فلسفات بارمنيدس وهيراقليطس وإنكسماندر وأمباذوقليس وأفلوطين ولوقيبوس وديمقريطس سيدرك بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ أن كلّ واحد من هؤلاء الفلاسفة كان يبني فلسفته وفكره على تصوراته وأهوائه الخاصة التى قلما ما تستند إلى دليل عقلي منهجي واضح .. أوبعد هذا يتعجبُ البعضُ من إرسال الله عزَّ وجلَّ للرسل لهداية البشر؟ إذا عجزت هذه العقول عن تصور هيئة الكون أو النفاذ إلى كنهه ومعرفة ماهيته، فكيف للعامّة والدهماء أن يفعلوا ذلك؟ ثمَّ إنَّ الأفكار التي توافقت مع الحقيقة وطابقتها فى بعض النقاط لنجدُ أنها تستند إلى بعض النِّحَل والملل التى انتشرت فى أوروبا فى ذلك الوقت، كالنحلة الأورفية نسبةً إلى أورفيوس، وهى النِّحلة التى استقت منها الفيثاغورية كثيراً من أفكارها، والتى بدورها أمدَّت أفلاطون بكثير من أفكاره الميتافيزيقية المجرَّدة فيما بعد. والفلسفات اليونانية تأثَّرت كثيراً بالديانات القديمة كالفرعونية مثلاً، وهى التى اتفقت فى بعض نقاطها مع الأديان السماوية، حتَّى إن الناظر فى الأمر ليرى إمكانية إنبثاق هذه الديانات كلها من مشكاة واحدة. فإذا ما ربطنا هذا كُلَّه بقوله تعالى "وما من أمة إلا خلا فيها نذير"، لأدركنا أن الديانات الفرعونية القديمة من المحتمل أنها قد تأثرت ببعض أفكار الإسلام (الإسلام بمعناه الواسع من عبادة الله عز وجل وحده وإفراده بالألوهية) مثل الحديث عن البعث أو الحياة بعد الموت، ودخول التحريفات على الديانات كان هو الدافع إلى تتابع الرسل والأنبياء لهداية الناس كلما زاغوا عن الطريق المستقيم وكلما تم تحريف هذه الديانات.