ما هو الهدف من ذلك كله؟ قتل الفلسطينيين والاسرائيليين هو مجرد مقدمة لحرب غزة المقبلة. وهكذا فما الغاية من ذلك كله؟ الرضيع الفلسطيني الذي عمره 11 شهرا قتل مع عائلته باكملها على يد طيار اسرائيلي، وال 150 قتيلا فلسطينيا واكثر- ثلثاهم من المدنيين- والاسرائيليون الستة القتلى، وال 1500 طلعة جوية اسرائيلية، وال 1500 صاروخ على اسرائيل. أي تناسق مرعب! لكن هذا كله حدث- ودعونا ننسى مليارات الدولارات من الأسلحة التي أنفقتها اسرائيل- من أجل وقف لإطلاق النار؟ ليس معاهدة سلام، وليس حتى معاهدة، مجرد هدنة. قبل الحرب المقبلة على غزة. الساخرون كثيرون في اسرائيل، وليس من دون سبب. وجاء في عنوان رئيسي في صحيفة "جيروزاليم بوست" أمس- "انتهاء العملية العسكرية، وبداية الحملة الانتخابية"- مع أن ذلك ورد في صحيفة منحت تأييدها المعتاد للحرب على غزة. أبعد ما يكون عن توجهات تشرتشل ولكن من المؤكد أن حملة بنيامين نتنياهو الانتخابية لشهر كانون الثاني (يناير) بدأت في اللحظة التي أمر فيها باغتيال أحمد الجعبري، قائد "حماس" (العسكري)، قبل ما يزيد على الأسبوع. وبالفعل فإن قصف غزة تحرك بشكل متواز في مشروع نتنياهو الانتخابي، إذا كان الاسرائيليون يريدون الأمن، فهم يعرفون لمن يصوتون. أم تراهم سيفعلون ذلك؟ لقد كان ظاهرا بعد وقف إطلاق النار الذي بدأ ليلة الأربعاء أن نتنياهو قلق. وبدأ حديثه قائلا: "أعلم أن هناك مواطنين يتوقعون حتى عملا عسكريا أقوى... لكن التحديات أمام اسرائيل أصبحت أكثر تعقيدا عبر السنين. وفي ظل هذه الظروف، نحن بحاجة لقيادة سفينة الدولة بمسؤولية وحكمة"، وهذ اختيار للكلمات مثير للاهتمام، لكن لا يوجد فيه طابع تشرتشل. وطيلة سنوات سبقت كان نتنياهو يواصل بقوة بناء المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية فوق أراض مسروقة من الفلسطينيين، وفي اتجاه عاصفة مستقبلية. فإذا لم يستطع الفلسطينيون الحصول على دولة، فلن تحصل اسرائيل على سلام، وصواريخ "حماس" عنما يحين الوقت ستكون نوعا من المضايقة مقارنة بما سيأتي. من المؤكد أن بنيامين نتنياهو عزز فرص "حماس" الانتخابية، وقليلا أو كثيرا أضعف المستقبل السياسي لمحمود عباس- المحاور الفلسطيني المختار الذي يستوفي الشروط في نظر اسرائيل والولايات المتحدة- الذي يقضي وقته في رام الله، ويزداد انعزاله مع كل غارة جوية اسرائيلية. وجهود عباس للحصول على اعتراف بدولة غير عضو في الأممالمتحدة- إذا كان لا يزال يعتزم المضي قدما في خطته- لا تتساوى مع الشعبية الجديدة ل"حماس"، ولا الأهمية التي علينا أن نوليها لرئيس مصر محمد مرسي. رجال الدولة في مصر وتركيا وقطر والخليج- إذا كان يمكن إطلاق وصف رجال دولة عليهم في يوم من الأيام- سافروا إلى غزة لتقديم دعمهم المعنوي للفلسطينيين، وليس إلى رام الله. خداع النفس ومن الغريب، أن سياسات خداع النفس التي تتغذى عليها اسرائيل مرارا- في حربها في لبنان عام 1982، مثلا- عادت هذا الشهر. في واشنطن كان السفير الاسرائيلي هناك، مايكل أورين، يحتج بأن حرب غزة بدأت عام 1948 "في اليوم الذي تحركت فيه الجيوش العربية لتدمير اسرائيل التي كان قد اعلن قيامها حديثاً في ذلك الوقت". لكن هذا غير صحيح. حرب غزة بدأت عنما شردت اسرائيل 750 ألفا من الفلسطينيين من ديارهم، وتدفق عشرات الآلاف منهم على مخيمات اللاجئين- في- غزة، نعم. أولادهم وأحفادهم هم الذين يطلقون الصواريخ على اسرائيل- وفي بعض الحالات على الأراضي نفسها التي كانت عائلتهم تمتلكها. لكن مايكل أورين يتبنى نوعا غريبا من "التاريخ". ويبدو انه يعتقد أن العرب عام 1948 كانوا "متحمسين نتيجة تطرف ديني"، وأن حرب السويس عام 1956- التي خططت لها مسبقا اسرائيل وبريطانيا وفرنسا بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس- كانت محاولة عربية لتدمير اسرائيل. أمس استطاع أوفير فولك، من المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في هرتسليا، أن يكتب ليقول إن اسرائيل "حصرت جهودها في استهداف المقاتلين ومنشآتهم، بينما تستهدف "حماس" بشكل متعمد ورئيسي المدنيين ومنازلهم". ولكن لو أن الطيارين الاسرائيليين استهدفوا المقاتلين وحدهم، فكيف يمكن تصديق أن ثلثي ال 140 فلسطينيا الذين قتلوا كانوا من غير المقاتلين من النساء والأطفال والرجال؟ هل الطيارون الاسرائيليون غير مدربين إلى هذا الحد؟. وقد عاتبني مسؤول حكومي أمس قائلا: "أنت لا تدرك مدى خطورة هذه الهجمات الصاروخية على شعبنا". ولست متأكدا من صحة قوله. وتساءلت عما إذا كان يدرك مدى خطورة الهجمات الاسرائيلية على الفلسطينيين. ولكني أفترض الآن أن خطورتها هي على الانتخابات.