لم يعد اليوم أشبه بالبارحة، وتبدلت أوراق اللعبة في الشرق الأوسط أو معنى أدق عادت إلى أصحابها الفعليين بعد أن سيطر عليها من قبل أطراف حاولوا أن يؤدوا بها أدواراً وفقاً لمصالحهم فقط دون النظر لتحقيق مصالح لقضية المنطقة المحورية .. القضية الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية التي تلقفتها أياد كثيرة طوال العقود الثلاثة الماضية بعد تداعي الدور المصري معها، عادت لتستقر من جديد في قلب القاهرة بعد الثورة وهو ما يعكسه رد الفعل الرسمي لمصر بعد العدوان الصهيوني على غزة والمغاير تماماً لموقف نظام مبارك إبان الضربة الصهيونية على غزة في نهاية 2008 والتي وقف فيها مبارك ونظامه وكأن على رؤوسهم الطير بل وشارك ضمنيا في هذا العدوان بإغلاق المعبر ومنع دخول المساعدات ونجدة المصابين. على أية حال، وبعيداً عن بيان مدى التغير في السياسة المصرية تجاه قضية العرب الأبرز، فإن أهم ما أثار الانتباه خلال أيام العدوان، هو ذلك التوجه من قبل واشنطن وتل أبيب إلى القاهرة لبحث حلول عملية لإنهاء هذه الأزمة التي أوقع فيها الكيان الصهيوني نفسه بعد اغتياله لأحمد الجعبري أحد أهم كوادر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وتورطه في مستنقع حرب لا يستطيع التراجع عنها في نفس الوقت غير قادر على الذهاب بعيداً فيها في ظل ما تمطره عليها المقاومة الفلسطينية من صواريخ أثارت الذعر والهلع لدى الصهاينة. ففي الوقت الذي كانت سوريا وإيران، قبل الربيع العربي، هما الراعي لحماس وهما من يملكان القدرة على التفاوض معها بشأن التهدئة مع الكيان الصهيوني، عادت القاهرة من جديدة لتؤدي دور الوسيط "الناجح" والأكثر فاعلية في هذا الصدد، وليس هناك أدل من ذلك من مكالمات أوباما "الثلاث" خلال يوم واحد للرئيس محمد مرسي طالباً منه دفع جهود التهدئة، مؤكدا ثقته في أن مصر لديها من المقومات التي تجعلها قادرة على تفعيل التهدئة بحكم قرب النظام الحالي من حركة حماس بالإضافة إلى الموقف الواضح الذي اتخذته القيادة السياسية في مصر فور وقوع العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وهو ما جعل واشنطن ومن قبلها تل أبيب تيقنان أن أوراق اللعبة عادت من جديد للقاهرة. القاهرة .. تستعيد دورها ردود الأفعال العالمية حول العدوان على غزة "ثمنت" الدور المصري كثيراً وأكدت أن الخروج بحل من هذا المأزق لن يتم إلا من خلال القاهرة، حيث أكدت كل من موسكو وباريس تأييدهما الكامل للجهود التي تبذلها مصر وتفاعلها مع الأزمة منذ اللحظة الأولى بهدف التوصل إلى حل يوقف إراقة دماء الفلسطينيين والتوصل إلى تهدئة. تصريحات زعماء العالم ترجمتها على أرض الواقع تحركات القاهرة والتي أثمرت عن تبنيها لاتفاقية تهدئة وهدنة بين الصهاينة وحركة حماس، وذلك عبر مشروع هدنة بين حماس والكيان الصهيوني بوساطة مصرية يقوم على وقف الاعتداءات على غزة، ويشمل ثلاث محاور رئيسية، ووقف الاعتداء الصهيوني على قطاع غزة، ابتداء من الساعة 12 منتصف ليل الثلاثاء، ووقف سياسية الاغتيالات من قبل جيش الاحتلال، بالإضافة إلى فك الحصار التدريجي عن قطاع غزة. من جانبه أشاد أسامة الأشقر المستشار السياسي لمجموعة الرافد للدراسات والعلوم بدور مصر في السعي إلى وقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وتحقيق الهدنة، والذي وصفه ب الحيادى، لانحيازه سياسياً وإنسانياً إلى الطرف الفلسطيني على عكس النظام السابق الذي كان دائما ينحاز إلى النظام الصهيوني على المقاومة الفلسطينية، موضحاً أن الإعلان سيكون من خلال الجانب المصري. على الجانب الآخر، عم الكيان الصهيوني الصمت إزاء هذا الاتفاق المنتظر والذي أكده مرسي ظهر الثلاثاء، ورفض ساستها التعليق على هذه التصريحات بالنفي أو التأكيد، ما يعني أن الكيان الصهيوني - وإن كان يريد أكثر من غيره إقرارا للتهدئة - فإنه يسعى للخروج بأفضل المكاسب الممكنة من هذا الاتفاق الأمر الذي يجعله يماطل في هذا الاتفاق تدعمه في ذلك واشنطن التي أعلنت وزيرة خارجيتها قيامها بجولة في المنطقة تشمل الكيان الصهيوني والضفة ختاما بمصر وهي الجولة التي يعتقد أن تكلل في النهاية باتفاق ترعاه مصر وتحضره كلينتون ليكون يوم الخميس القادم - موعد زيارة كلينتون للقاهرة - هو يوم التوقيع الرسمي على التهدئة... فمن سيحصد المكسب الأكبر من ورائها؟.