لم يكتف بذبح قرابة 40 ألف سوري، وتدمير جغرافية البلاد وبنيتها التحتية تدميرا شاملاً؛ بل عمد نظام بشار الأسد إلى سرقة التاريخ والآثار التي تحكي قصة الإنسانية منذ مئات القرون. كما تواصل الأسرة الحاكمة في دمشق قتل جذور الثقافة الأثرية القديمة تارة بسرقتها من المتاحف وبيع قطعها الفنية النادرة، وتارة بقصفها وإشعال النار فيها كما حدث في مدينة حلب القديمة. وأكد المؤرخ أندرياس كيلب أن رفعت الأسد له تاريخ في سرقة آثار سورية وبيعها في أوروبا في ثمانينات القرن الماضي، بينما يواصل ابن شقيقه ماهر الأسد هواية عمه بسرقة تراث سوريا وبيعه لرفع ثروته في المصارف العالمية. وأصيبت الأوساط الثقافية والمهتمة بالتاريخ الإسلامي بالصدمة عقب سرقة 3 شعرات وجزء من ضرس الرسول – صلى الله عليه وسلم - من علبة داخل صندوق زجاجي مفرغ من الهواء، وموضوع في مقام صغير من المسجد الأموي الذي يعد أكبر وأقدم مساجد حلب. ولم تنج المواقع الأثرية من دفع الثورة على الاستبداد، فبعد حرق السوق الأثري، تعرض الجامع الأموي في حلب القديمة إلى القصف، إضافة إلى حرق بعض البيوت الأثرية. والمسجد المدرج على قائمة "اليونيسكو" للتراث العالمي بناه قبل 13 قرناً الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك، ليكون شبيها بالمسجد الذي بناه أخوه الوليد بدمشق. وكان سكان حلب يسمونه جامع زكريا؛ لأن جزءاً من جسد النبي زكريا مدفون فيه، كما يقولون. وبعد أكثر من عام ونصف على اندلاع الثورة تسربت تقارير حول تأكيد سرقة قطع فنية أثرية ثمينة بعد نقلها إلى خزانة البنك المركزي بالعاصمة من متاحف دمشق وحلب الزاخرة بقطع من مختلف العصور التاريخية والتي تشرف عليهما مديرية الآثار والمتاحف والتي تقبع تحت سيطرة النظام وسطوته. وكذلك وثقت الصور المسربة قيام مجموعة عناصر من قوات النظام بسرقة قطع أثرية وتماثيل ذهبية وأسلحة برونزية من مدينة تدمر؛ والذي تعتبر رمز بوتقة انصهار التاريخ الإنساني في سوريا، بهذه المدينة التي جمعت الطراز المعماري البارثي مع الطرازين الرومي والهليني، لينتج طرازاً فريداً من نوعه بعد اقتحامها بالدبابات والمدرعات ليتم تهريب الآثار وبيعها للدول الغربية. أما في درعا فقد تعرض متحفها والذي يضم أكثر من 1500 قطعة أثرية تعود لعدة عصور قديمة أشهرها تماثيل العصر الروماني للسرقة وكذلك مدينة بصرى الشام والتي تعود إلى العصر النبطي التي لم تسلم من السرقة بعد ما تعرضت المدينة الأثرية لقصف بالمدفعية الثقيلة أدى إلى تدمير سرير بنت الملك كليبيه والذي يعود تاريخه للقرن الثاني قبل الميلاد في بصرى الشام. أما إدلب الذاخرة بالأماكن الأثرية مثل متحف إدلب ومعرة النعمان اللذان يضمان أجزاء كبيرة من الألواح الفخارية الثمينة المستخرجة من مدينة إيبلا وأكثر من ألفي قطعة أثرية قديمة تعرضتا للسرقة وكذلك مدينة البارة وسيرجلا والدير الأثري في بلدة دير سنبل سرقت منهم أيضاً أثار قيمة بعد تحولهم إلى ثكنات عسكرية. أما في حماه فقد تعرض متحفها لسرقة التمثال الذهبي الصغير الحجم والذي يعود للفترة الآرامية إضافة إلى العديد من المقتنيات الأثرية الموجودة في خزائن المتحف، وقلعتا شيزر والمرقب ومدينة أفاميا التي شهدت تنقيباً سرياً وتخريباً ونهباً وكذلك غيرهم من المواقع الكثيرة التي تعرضت للسرقة. ويبلغ عدد المواقع الأثرية في سورية أربعة آلاف موقع إضافة إلى متحف في كل محافظة ومدينة وباعتراف من مديرية الآثار بأن متاحف ومواقع ومخازن أثرية عديدة تعرضت للسرقة ولكن دون التجرؤ ولو بالإشارة إلى أن حاميها حراميها وبأن عائلة الأسد هي التي تقوم بنهب وتخريب تراث سوريا العريق قبل خروج أنفاسها الأخيرة التي تسبق الذهاب إلى مزبلة التاريخ.