قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، ظهرت آراء تؤكد على أهمية أن تكون الحكومة معبرة عن كل أطياف المجتمع، وأهمية ان ينفصل الرئيس عن الحزب الذي رشحه، والجماعة التي أيدته، وأن يكون رئيسا لكل المصريين، وليس رئيسا حزبيا. وجملة تلك التصورات، تجعل من الانتماء الحزبي مشكلة، بل وتجعل هذا الانتماء مدانا. والحقيقة أنه حسب التقاليد الديمقراطية، فالرئيس هو رئيس لكل المصريين في كل الأحوال، ولكنه يمثل حزبه وبرنامج هذا الحزب، ويمثل تيارا ورؤية وتوجها معينا. أما أن يكون الرئيس المرشح من حزب، مستقلا بعد انتخابه، فهذا أمر لا تعرفه الديمقراطية. وعندما يشكل الرئيس حكومة، ويكون الحزب الذي رشحه أقلية فيها، يصبح موضع الحزب غريبا. فحزب الحرية والعدالة ليس الحزب الحاكم في مصر، وهو أيضا ليس حزبا معارضا، فهو حزب يقع في منطقة غامضة بين الحكم والمعارضة. وفي نفس الوقت، تنسب النخب السياسية أي نجاح أو فشل للرئيس من وجهة نظرها، لحزبه وجماعته، بل وتياره أيضا، رغم أن هذه النخب حاصرت الرئيس حتى لا يختار الحكومة والمحافظين من حزبه، بزعم أن ذلك يعد أخونة للدولة. فإذا كان الرئيس لن يستعين بكوادر حزبه لتنفيذ برنامج الحزب، فكيف ينسب ما يحققه لحزبه؟ وإذا كان كل رئيس منتخب سوف يشكل الحكومة من مختلف أطياف الشعب، وسوف يشارك الكل في السلطة التنفيذية، فمعنى ذلك أن أي حكومة ستكون حكومة أطياف الشعب، وليست حكومة حزب، بغض النظر عن من ينتخب. وهذه الرؤى تحاول حصار الرئيس والحزب، فلا تعطي فرصة للحزب لتطبيق برنامجه من خلال كوادره، وفي نفس الوقت يحاسب الرئيس والحزب على ما يتم انجازه، وكأن المطلوب هو عرقلة الرئيس والحزب، حتى لا يتمكنوا من تنفيذ برنامج الرئيس، والذي هو برنامج الحزب، مما يسمح للنخب السياسية ممارسة عادتها في إفشال خصومها السياسيين، باعتبار أن إفشال الإسلاميين عموما، أصبح الهدف المركزي للنخب العلمانية، والتي تعتقد أنها تكسب عندما يفشل خصمها. ويؤدي هذا ضمنا إلى تقليص دور الأحزاب عموما، وأيضا إلى تشويه فكرة الحزب. فالحزب يمثل جماعة من الناس لديها تصورات مشتركة، لتحقيق المصلحة العامة. وترويج المقولات التي تدين الانتماء الحزبي للرئيس، وتجعل هذا الانتماء يؤثر سلبا على أداءه، تفترض أن الحزب هو مجموعة مصالح تعمل على حماية مصالحها الخاصة، وليس لها علاقة بالمصلحة العامة. وهذه الرؤى تقلص دور التنافس الحزبي وتحاول تقليص دور صندوق الانتخابات، مما يعني أن النخب العلمانية تحاول تقليص دور الأحزاب ودور صندوق الاقتراع، لأنها لا تحقق المكاسب التي ترضيها في الانتخابات. وكأننا بصدد عملية عرقلة منظمة، كل هدفها عرقلة الحزب الذي فاز مرشحه في الانتخابات من تقديم الدعم اللازم لمساعدة الرئيس والحكومة، على تطبيق البرنامج الانتخابي للرئيس.