لم يتمكن العراقي قيصر الجبوري من السيطرة على نفسه، فالمشهد الذي يحصل أمامه خطير جدا، الجندي الاميركي ينهال على مواطنة عراقية حامل بالضرب والركل أمام الجنود العراقيين، الذين يرافقون دورية الاحتلال الاميركي، طلب قيصر من الجندي الاميركي التوقف عن ممارسته الاحتلالية البشعة، فأهمله ورمقه بنظرة احتقار، واستغرب هذا الاميركي، من تصرف الجندي في الجيش الذي اسسه الاميركيون، ويشرفون على تثقيفه، ليكون عوناً للمحتل ضد أبناء العراق. انتفض قيصر، صيحات وعويل المرأة العراقية تقتحم اللحظة، اتجه صوب العربة العسكرية التي توفر الحماية للجنود الاميركيين، وقف العراق امام عينيه، وتخيل الضحية، قد تكون والدته أو أخته، وما زال الجندي الاميركي ينهال بالضرب والركلات على جسد العراقية الحامل، فما كان من قيصر الا توجيه نيران المدفع الرشاش صوب الجنود الاميركيين، وأصاب ذلك الاميركي المحتل الوقح وارداه قتيلاً في الحال، وبينما حاولت المرأة العراقية ان تسحب جسدها المتعب الخائر، كانت الاطلاقات تصيب ضابطاً اميركياً برتبة نقيب وترديه قتيلاً، واستمرت عملية الحصد التي قادها قيصر الجبوري ضد الاميركيين، فقتل ثلاثة منهم وجرح اربعة، وانهزم الاميركيون الاخرون تاركين الجرحى ينزفون، بينما لفظ الثلاثة انفاسهم الاخيرة. تناثرت دماء المحتلين على مساحات واسعة في ذات المكان، الذي تعالت فيه صيحات وعويل المرأة العراقية الحامل، وكان صراخ الجنود الجرحى وعويلهم يملأ المكان، وقد تصاعد عشرات اضعاف صراخ المرأة العراقية، التي ثأر لها قيصر الجبوري. انها لحظات حاسمة، بين ان يكون العراقي عراقياً كما كان، وبين أن لا يكون، ويندس في جوقة الظلام، التي تعمل على تأمين الحماية للمحتل، وتقبل الاهانات والاذلال دون أن يحرك ساكناً، أو يحاول الرد على مصدر الاهانات. في هذا المشهد التاريخي يسجل العراقيون موقفاً رائعاً يضاف الى آلاف الصفحات التي سطرها رجال المقاومة الافذاذ، الذين ثأروا للعراقيين والعراقيات، ولقنوا المحتل الاميركي اقسى الدروس، وهزموه على اوسع نطاق في ساحة المواجهة اليومية على ارض العراق. هناك اكثر من دلالة لهذه الواقعة التاريخية، ولا بد أن الاميركيين يتداولونها ويعيدون قراءتها، ويدركون أن العراقي لن يقبل بممارساتهم، وان أقرب الاشخاص اليهم ينقلب عليهم، وان روح الوطنية وعنوان المقاومة تسري في دماء عشرات الآلاف من المنضوين تحت وحدات الجيش والاجهزة الامنية، وما بدأه قيصر الجبوري، هو الراية العراقية الرائعة، التي سيحملها الكثيرون، من أمثال البطل الشجاع قيصر، الذي سرعان ما انتفض وانقض على جنود الاحتلال، رغم أن مهمته العسكرية هي حماية هؤلاء. * كاتب عراقي [email protected]