تل أبيب تراجع خططها الأمنية فى ظل اضمحلال الجيوش العربية بعد الربيع العربى ديبكا: سبقنا الجيش الحر ودمرنا مخازن صواريخ قبل أن تقع فى أيديهم
تتفوق تل أبيب على سائر دول المنطقة فى تطبيقات الأمن الوقائى، والاستفادة من المنظومات الاستخبارية لتحقيق الأمن الداخلى؛ ففى الفترة التى كانت الدول العربية مشغولة فيها بتفاصيل الدبلوماسية الهادئة؛ كان رئيس جهاز الموساد «تامير باردو» منهمكا فى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لتبادل المعلومات الأمنية حول سوريا مع رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية التركية «حقان فيدان» فى 22 أبريل 2013؛ إذ تهدف اتفاقية التعاون الأمنى بين الدولتين إلى تسهيل تبادل المعلومات الاستخبارية لتقييم تطورات المشهد السورى، خاصة أن الاستخبارات التركية تتفوق على الموساد فى قدرتها على جمع المعلومات الأمنية عبر شبكة مخبرين ينتشرون فى جميع المحافظات السورية، كما تتمتع بعلاقات وطيدة بمختلف قيادات المعارضة السياسية والعسكرية التى تنشط فى أراضيها، لكن أنقرة لا تمتلك تقنيات الرصد الإلكترونى التى تستخدمها تل أبيب. وقد بادرت تل أبيب إلى استدعاء الآلاف من قوات الاحتياط، ونشرت فرقا من القوات الخاصة وكتائب الدفاع الجوى، وتوغل بعض مقاتليها بعمق 5-7 كيلومترات فى مناطق حدودية مع سوريا ولبنان، كما بادر الجيش الإسرائيلى إلى نصب منصات القبة الفولاذية فى حيفا وصفد. وتأتى تلك التحركات فى ظل تردد أنباء عن عزم تل أبيب فرض منطقة عازلة داخل الأراضى السورية إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة. وقد عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا أمنيا مصغرا فى 28 أبريل بحضور كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع موشى يعلون. ودار الحديث فيه عن تدفق شحنات من الأسلحة النوعية إلى سوريا، وتنامى ظاهرة استخدام الصواريخ البالستية متوسطة وطويلة المدى فى المعارك الدائرة، وتم الاتفاق على اتخاذ خطوات جادة لمنع مختلف أطراف الصراع من حيازة منظومات صاروخية متطورة، ودرء خطر استخدامها ضد إسرائيل؛ وذلك باستهداف شحنات الأسلحة ومستودعات تخزينها فى سوريا. وقد جاء ذلك الاجتماع على خلفية تقارير تؤكد أن نظام دمشق قد زود «حزب الله» بمجموعة من صواريخ (SA-17 interceptor missile systems) لدعم عمليات الحزب فى القصير، فبادرت تل أبيب إلى تحذير دمشق (عبر طرق خاصة) من مغبة تغيير التوازنات العسكرية القائمة فى المنطقة، وإنذارها بعمل عسكرى إذا استمر شحن الصواريخ. دمشق تجاهلت التحذيرات الصهيونية لكن دمشق تجاهلت تلك التحذيرات؛ إذ وصلت إلى مطار دمشق يوم الخميس 2 مايو شحنة إيرانية ضخمة من صواريخ (Fateh-110) إيرانية الصنع التى يبلغ مداها 300 كيلومتر، ويمكنها حمل رءوس متفجرة تزن الواحدة منها 600 كيلوجرام، وبدقة تصل إلى نحو 200 متر؛ ما يمكن أى جهة تحوز هذه الشحنة من تهديد مواقع استراتيجية، كمحطات الكهرباء والوقود ومقر قيادة الأركان فى تل أبيب. وفى اليوم ذاته، سحنت قوات النظام هذه الصواريخ وخزنتها فى مستودعات بمنطقة جمرايا تمهيدا لنقلها إلى الحدود اللبنانية. فى هذه الأثناء، كان الطيران الإسرائيلى يجرى طلعات يومية فوق الأجواء السورية واللبنانية لمراقبة تحركات مختلف الفصائل، ولتحديد الأهداف التى ستستهدف بالقصف، خاصة أن النظام قد حرك بعض منظوماته الصاروخية إلى وجهة غير معلومة. وفى الفترة ذاتها، حصلت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على معلومات من إحدى الدول المجاورة فحواها أن الجيش الحر كان يخطط لشن عمليات نوعية تستهدف السيطرة على مخازن صواريخ متوسطة وقصيرة المدى من طراز (Scud B) و(Fateh A-110)؛ وذلك لاستخدامها فى فك الحصار عن حمص والقصير. ويبدو أن هذا هو الهدف الرئيس من عملياتهم فى جبال القلمون، وكذلك فى استهداف مطار منغ العسكرى الذى يخزن فيه النظام مجموعة من هذه الصواريخ؛ وذلك فى ظل تردد الغرب فى تزويد المعارضة بالأسلحة النوعية التى تساعدهم على تأمين طرق الإمداد. منع سيطرة المعارضة على صواريخ نوعية وقد نشر موقع «ديبكا» المقرب من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن الهدف الرئيس من الغارات الجوية التى شنها سلاح الجو الإسرائيلى، فجر يوم الأحد 5 مايو 2013، هو منع سيطرة كتائب المعارضة على صواريخ نوعية فى ريف دمشق. وأكد المصدر أن من الأهداف التى تعرضت للقصف، مقر لتصنيع الأسلحة الكيميائية فى منطقة برزة شمال دمشق بالقرب من جبل قاسيون؛ وذلك منعا من وقوعها بيد الجيش الحر؛ إذ يغلب الظن لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن كتائب المعارضة كانت على وشك السيطرة على هذه المخازن، فقصفتها منعا من وقوع هذه الأسلحة النوعية بأيديهم. وطالت عمليات القصف كذلك مستودعات تخزن فيها صواريخ (Yakhont) الأرضية المضادة للسفن. وهى صواريخ موجهة روسية الصنع يطلق عليها كذلك اسم (P-800 Oniks) تتجاوز سرعتها ضعفى الصوت، وهى قادرة على استهداف أى قطعة بحرية إسرائيلية فى البحر المتوسط، وقد دُمرت خوفا من وقوعها بيد المعارضة إذا سقط نظام بشار. ونقل المصدر عن ضابط إسرائيلى رفيع قوله: «لتحترق هذه الصواريخ. لا نريدها أن تبقى بيد النظام أو أن تصل إلى المعارضة». وسرعان ما قطعت تل أبيب سيل التكهنات حول أهداف الضربات الجوية؛ إذ بادرت إلى تطمين بشار بأنها لا تستهدفه، وأكدت فى الوقت ذاته أنها لا تدعم موقف المعارضة؛ ما يؤكد أن الهدف من هذه الضربات هو تدمير القدرات الصاروخية السورية لمنع وصولها بيد أى من أطراف الصراع أو انتقالها عبر الحدود. ومع هذا، أكدت مصادر أمنية صهيونية أن سلاح الجو الإسرائيلى قد وضع مجموعة من صواريخ (Scud D) و(Fateh-110) ضمن أهدافه فى الفترة القادمة. اضمحلال الجيوش العربية تأتى هذه التطورات بالتزامن مع نشر تقارير تؤكد مراجعة تل أبيب خططها الأمنية فى ظل اضمحلال الجيوش العربية إبان مرحلة الربيع العربى، وتنامى مخاطر الجماعات العابرة للحدود التى يجب منعها من حيازة الأسلحة النوعية، والعمل على تفكيك بنيتها التحتية. وتزامن هذا مع تأكيد تسفى برئيل المحلل السياسى بصحيفة «هاآرتس»، أن «تدمير الصواريخ فى سوريا لم يقلل حجم التهديدات على إسرائيل». وقال: «وماذا لو بقيت الصواريخ التى هوجمت فى سوريا؟! ألن تشكل هناك خطرا على إسرائيل؟! وهل المطلوب تحديدا حجة ضد حزب الله؟! وماذا لو قررت سوريا استخدام صواريخ سكود ضد إسرائيل؟! فمما لا شك فيه أن هذا سيشكل خطرا كبيرا، ولو وقعت هذه الصواريخ فى يد مليشيات الثورة السورية فإن خطرها سيصبح أكبر». وأضاف: «يمكننا القول إن تدمير الصواريخ فى سوريا لم يخفف قط من حجم التهديدات التى تواجهنا».