القضاء يبسط مظلة الشرعية وحكم القانون علي المجتمع وبدونه ينفرط عقد السلام الاجتماعي ويتحول المجتمع إلي شريعة الغاب.. مقدمة بدأ بها تقرير للأمم المتحدة عن أوضاع القضاء في مصر أعده الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ القانون بجامعة الزقازيق، والمستشار علي الصادق، نائب رئيس محكمة النقض، انتهيا فيه إلي ضرورة التفرقة بين القضاء كمؤسسة والقضاة كأفراد عند تقييم القضاء المصري، لأن للقضاة في مصر تقاليد مهنية ذات جذور ليبرالية رغم التأثيرات المجتمعية عليها. وخلص التقرير إلي أن النظام التشريعي الحاكم للسلطة القضائية يعزز هيمنة السلطة التنفيذية علي مؤسسة القضاء، بداية من القضاء الاستثنائي حتي الندب والإعارة والإغداق في منح المكافآت، كما أن السلطات الواسعة لرؤساء المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف تنال من استقلال القضاء وتلقي شبهات علي قيام هؤلاء بتوزيع قضايا معينة ذات حساسية خاصة للسلطة التنفيذية علي قضاة معينين. كما أشار إلي أن أصابع السلطة التنفيذية في الترقية والتأديب واضحة بجلاء في السلطات التي يتمتع بها وزير العدل، فضلاً عن الشوائب التي علقت بالتعيين في أول السلك القضائي، فلم يعد التفوق في الدراسة الجامعية هو المعيار الأوفي في التعيين بل تدخلت اعتبارات الوسط الاجتماعي والاعتبارات الشخصية حتي بات من المسلم به أن أبناء رجال القضاة الحاصلين علي إجازة في القانون يعينون بطريقة آلية في سلك القضاء مع ما يمثله ذلك من إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص. تحدثت الدراسة عن تاريخ الصدام بين القضاة والدولة والذي ارتبط دائمًا بالسعي القضائي للحفاظ علي القيم الليبرالية ودأب السلطة التنفيذية علي تقويض كل ما يهدد سطوتها ونفوذها، وقالت الدراسة: جماعة القضاة هي مكون أصيل من مكونات سلطة الدولة المصرية، ولكنها تتميز عن بقية مكونات السلطة بثقافتها الليبرالية التي اكتسبتها وترسخت في وجدانها في سياق نشأة وتطور القضاء المصري الحديث، فقد نشأت المحاكم الأهلية سنة 1883 ومن قبلها المحاكم المختلطة سنة 1875 في سياق المشروع الليبرالي المصري الذي تبلور مع نهاية القرن التاسع عشر.