فى تحليلات سابقة بجريدة الشعب عبر الحزب عن موقفه من تأييد الطموحات المشروعة للشعب السورى فى حياة حرة كريمة وحقه الطبيعى فى أن يتقاسم مع باقى الشعوب العربية المنتفضة ثمار الحرية والتحرر من الاستعباد ، بما فى ذلك حقه فى تغيير النظام وفرض قواعد ديموقراطية سليمة على الحياة السياسية . وأيد بكل قوة التعرض الوحشى للمظاهرات السلمية فى بدايات الأحداث منذ حوالى عامين . ولكن الأحداث تطورت بعد ذلك على نحو فاق كل التوقعات فى دمويته ، عندما لجأت المعارضة للعمل المسلح ردا على تجاوزات النظام ، وعندما وصل الأمر إلى حادث تفجير مقر الأمن القومى فى دمشق ازداد النظام عنفا . وفى وثيقة الحزب ( فقه التغيير السياسى فى الاسلام ) والصادرة عام 1993 حذر الحزب من اللجوء للعنف فى معارضة النظم الاستبدادية لأن ذلك يعطيها المبرر والغطاء لتصعيد أعمال العنف فى القمع . كذلك اللجوء للعنف يؤدى إلى ضرورة توفير السلاح وهذا يتطلب أموالا طائلة ، وهذا يؤدى إلى السقوط فى هاوية التبعية للجهات الممولة ، والمقدمة للسلاح . يتصور البعض أننا لانحتفل بشكل كبير بالثورة السورية ولانتضامن بشكل كاف مع الشعب السورى . والواقع أننا مشغولون بشدة بالأوضاع فى مصر ، لأنه إذا انصلح الحال فى مصر فسينصلح بسهولة أكبر وضع الثورات والبلاد العربية . ولكن هناك سبب آخر لايقل أهمية لقلقنا على الأوضاع فى سوريا وإدراكنا أنها لاتسير على خير مايرام . فنحن لانريد لسوريا أن تتحول إلى ليبيا ثانية . إن تدخل الناتو وأمريكا ودول الغرب واسرائيل فى مجريات أحداث سوريا ودور هذا الحلف فى التحكم فى مستوى التسليح والتمويل لهذه الثورة المسلحة أمر بالغ الخطر . أما التمويل الخليجى الذى تجاوز ال12 مليار دولار للعمل المسلح فى سوريا ، فهو أمر مثير للريبة ، فإذا كان حكام الخليج مهتمون إلى هذه الدرجة بالديموقراطية وبإقامة حكم إسلامى فى سوريا ، فلماذا يحاربون حكم الرئيس مرسى والاخوان فى مصر بهذه الضراوة ؟ ولماذا يساندون بقايا نظام على عبد الله صالح فى اليمن بكل هذه الضراوة أيضا ؟ ولماذا يتخلون عن الشعب الفلسطينى بكل هذا الإصرار ؟ وكذلك الشعوب الاسلامية فى باكستانوأفغانستان واليمن التى تضرب بطائرات بدون طيار منطلقة من أراضيهم ! موقف الخليج إذن هو موقف مملى عليه من الولاياتالمتحدة ولاشىء غير ذلك . والوضع الأمثل بالنسبة لأمريكا واسرائيل هو استمرار الوضع الراهن فى سوريا أطول فترة ممكنة ، أى استنزاف سوريا ، وتحطيمها ، وتفكيك الجيش السورى ( بالمناسبة الجيش السورى ليس ملكا لبشار ، ومعظمه من المسلمين السنة ) وتمزيق سوريا إلى دويلات . ويخشى هذا الحلف الصهيونى الأمريكى سقوط سوريا موحدة فى أيدى متطرفين اسلاميين ، وهم يعلمون أنهم يقامرون بمساندة الأعمال المسلحة للاسلاميين فى سوريا ، ولكنهم يرون فى ذلك مايستحق ، باعتبار مايحدث فى سوريا يقطع خطوط التواصل بين إيران والمقاومة فى لبنان ، ويرون أن تسعير فتنة طائفية فى سوريا ولبنان هو أنسب الحلول للقضاء على حلف المقاومة والممانعة . مستقبل سوريا إذا سارت الأمور فى هذا المنحى سيكون قريبا من حاضر ليبيا ، مع فارق أن سوريا على حدود الكيان الصهيونى وهذا أخطر . التعتيم الاعلامى عما يجرى فى ليبيا كبير ، ومايجرى فى ليبيا محزن ومؤسف بدون أى ترحم أو تعاطف مع نظام القذافى البائد الذى انتهى عميلا للغرب قبل أن يطيح به الناتو الذى أفسد نقاء ثورة الشعب الليبى العظيم . ورغم خلافنا مع الأستاذ حسنين هيكل إلى أن المعلومات التى أشار إليها مؤخرا لم تعد سرية ولكنها لاتلقى تسليط الضوء الكافى من الاعلام العربى والمصرى والاسلامى فقد أكد هيكل أن نفط ليبيا جرى توزيع امتيازاته فعلاً، وبنسب أذيعت على الملأ، كانت 30% لفرنسا (شركة توتال) و20% لبريطانيا (شركة بريتش بتروليم)، والحصة الأقل لبريطانيا لأنها أخذت أكثر في نفط العراق.. وليست أمامي الآن نسب التوزيع فيما بقي، لكن ايطاليا تطالب بحق مكتسب (شركة إيني)، ثم ان الشركات الأمريكية تلح على دخول قائمة الوارثين.. وأضاف: تم تخصيص المواقع من خلال قاعدة للأسطول السادس الأمريكي في طرابلس، ومركز مخابرات في بنغازي وطبرق لبريطانيا، وإيطاليا تحتج بانها تاريخياً تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها، وفرنسا عبر البحر لها مطالبها، كل هذا وصوت المعارك لا يزال يدوي، وسيل الدماء لا يزال يتدفق.( انتهى كلام هيكل ) ونضيف إلى ذلك أن الانتاج النفطى الليبى عاد إلى انتظامه سريعا وأنه سيبلغ نفس المستويات السابقة للحرب فى أكتوبر القادم ( 1.6 مليون برميل يوميا ) ، بينما لايوجد أى شىء منتظم فى ليبيا خارج قطاع البترول بل وصل الأمر إلى تعرض البرلمان للاحتلال بين آونة وأخرى وإضطرار البرلمان للبحث عن مكان آخر للاجتماع!! متابعة مايجرى فى ليبيا الدولة الجارة العزيزة مهم جدا لتصور المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها سوريا . إن الاطاحة بأى نظام عربى لم تعد مسألة مستحيلة فى تصور الجماهير واستشعارها بقوتها ، ورفض أى نظام استبدادى مسألة لاتحتاج لكثير جدل ، ولكن المشكلة فى وجود بديل وتصور واضح للبديل ، وأن يكون البديل من صميم تراب الوطن . لا أتصور أن جمع أشتات الناس من الشيشان حتى فرنسا للحرب فى سوريا أمر رشيد . فالصراع فى سوريا صراع داخلى بين النظام والشعب ، وسوريا ليست أفغانستان . ونحن كمصريين لو كنا اضطررنا لمقاتلة نظام مبارك ما كنا نرحب بمجيىء الأشقاء للقتال معنا ، فنحن أدرى بشعاب مصر ولدينا من الرجال مايكفى وزيادة . أما تدخلات الناتو ودول الغرب فهى أكثر من إمكانية تناولها فى مقال واحد ، يكفى أن نشير الآن إلى مجموعة مايسمى اصدقاء سوريا التى ترأسها أمريكا ، فمتى كانت أمريكا صديقة العرب والمسلمين ولماذا تعادينا فى باقى الأماكن وتحبنا فى سوريا فحسب ؟ لماذا لايفكر القوم؟ النظام السورى بتركيبته المعتادة لم يعد ممكنا أن يستمر كما كان منذ عامين ، ولكن التوازنات على الأرض التى تؤكد عدم إمكانية حسم الصراع سريعا لأحد الأطراف ، تشير إلى أهمية المبادرة المصرية التى اختفت ، بينما علا صوت التفاوض الروسى الأمريكى ، أليس من الأفضل إحياء المبادرة المصرية السعودية التركية الايرانية للتوصل إلى صيغة إنتقالية للحكم ، توقف نزيف دم الشعب السورى وتدمير مدن وقرى ومصانع أهلنا فى الشام؟!