يبدو أن جبهة الإنقاذ ومَن وراءها، لا يريدون خيرا لهذا البلد؛ فكلما تقدمنا خطوة إلى الأمام باتجاه مسار ما، يحاولون جرنا إلى الوراء عشرات الخطوات، ولو كان هذا يتنافى ويتعارض مع ما كان ينادون به من قبل. وتأتى مطالبهم بعودة الجيش مرة أخرى إلى الحياة السياسية فى هذا السياق؛ ليس حبا فى الجيش، بل نكاية فى الرئيس محمد مرسى والتيار الإسلامى؛ فقد شهدت الأيام الماضية حملة إعلامية تروج هذه المطالبات بالتوازى مع تحريض الجبهة المواطنين فى بعض المحافظات على تحرير توكيلات للفريق عبد الفتاح السيسى لتولى شئون البلاد والقفز على شرعية الرئيس المنتخب مع تزامن هذا مع دعوات إلى مليونيات دعم الجيش وحضور شخصيات أكل عليها الدهر وشرب تحاول أن تبحث لها عن دور بعدما لفظها الشعب المصرى. والغريب أن هؤلاء نسوا أو تناسوا الإدارة السيئة للمجلس العسكرى لشئون البلاد عقب الثورة مباشرة، الذى مثّل غطاء لرموز النظام السابق للهرب أو تهريب الأموال أو التخلص من أوراق تدينهم. ولعل قضية فرم المستندات المنظورة أمام القضاء تأتى فى هذا السياق، فضلا عن عدد الشهداء الكبير الذى سقط خلال هذه الفترة، فى أحداث محمد محمود الأولى والثانية، وأحداث مجلس الوزراء وماسبيرو، ووقعة سحل الفتاة الشهيرة بميدان التحرير، ثم يطالبون الجيش بالعودة بعدما ملئوا الدنيا هجوما عليه وقتها؛ فسبحان مغير الأحوال!، وكأن لسان حال هؤلاء يقول إنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان ضد مرسى والتيار الإسلامى. وحتى نضع النقاط على الحروف، استطلعت «الشعب» آراء خبراء سياسيين وعسكريين لتعرّف موقفهم من هذه الدعوة؛ فقد أكدوا رفضها تماما، مؤكدين أن هذه ردة إلى الخلف واستدعاء للحكم العسكرى الذى ظل جاثما على صدر مصر ستين عاما، مبدين استغرابهم من هذه الدعوات التى تأتى فى وقت بدأت فيه مصر تأخذ مسارها الديمقراطى والدستورى، معبرين عن رفضهم القاطع لنزول الجيش مرة أخرى إلى معترك الحياة السياسية، مشيرين إلى تجربة المجلس العسكرى الفاشلة، واعتبروا الدعوات فى هذا السياق ضررا بالغا بالقوات المسلحة وبمصر كافة، خاصة أن الجيش لديه رصيد من الحب لدى كافة أطياف الشعب المصرى؛ نظرا إلى مواقفه الوطنية، وإن لم يستبعدوا التدخل الناعم للجيش إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وقالوا إنه يجب على من يستدعون الجيش للنزول، ويستسهلون ذلك؛ أن يجتهدوا سياسيا وينزلوا إلى المواطن العادى للاقتراب منه وتعرف مشكلاته وإحساسه بالتفاعل مع مشكلاته اليومية، وسوف يكون هذا المواطن عند حسن الظن به باختياره من يفعل ذلك ممثلا له فى الانتخابات القادمة. ففى هذا السياق، يقول العميد أركان حرب متقاعد إبراهيم حجازى، إن هذه الدعوات تمثل خطورة كبيرة على الجيش وعلى المسار الديمقراطى فى آن واحد؛ فالجيش سوف ينشغل عن مهامه الأساسية، وهى الدفاع عن الوطن وعن الأمن القومى، خاصة أن الجيش المصرى العريق الوحيد المتماسك والقوى والقادر على ردع العدو الصهيونى، بعد انهيار الجيش العراقى والليبى والسورى، وضعف باقى الجيوش العربية. ومن هنا، علينا ألا نجر الجيش إلى مجال ليس مجاله، كما أن تجربة المجلس العسكرى الفاشلة فى إدارة البلاد، لا تزال ماثلة للجميع، ومن هنا نتعلم من دروس الماضى، ولا نكرر الأخطاء نفسها لمجرد الانتقام وإزاحة فصيل بعينه من السلطة وبأى ثمن. وعلى المسار الديمقراطى، يضيف حجازى: «هذا التوجه يضر كثيرا بالمسار الديمقراطى والدستورى؛ فمصر استطاعت بتضحيات أبنائها أن تنتزع حريتها وتمارس الديمقراطية الحقيقية، بعد 60 عاما من العسكرة المقنعة والاستبداد السياسى، فلا يعقل أن نضحى بهذا المكسب الذى طالما تاقت إليه الأجيال، خاصة الجيل الحالى الذى تربى خلال الثلاثين عاما الماضية فى ظل الدولة البوليسية». كما أكد يسرى العزباوى الباحث بمركز الأهرام للدراسات، رفضه تدخل الجيش فى الحياة السياسية؛ وذلك على اعتبار أن أى مثقف لا يرغب، بأى حال من الأحوال فى التعامل مع الحكم العسكرى، مشيرا إلى تجارب سابقة مع حكم العسكر لم تؤد إلا إلى القهر وكبت الحريات، لافتا إلى تجربة المجلس العسكرى الأخيرة، وكيفية إدارة البلاد، وإلى مصير طنطاوى وعنان فى هذه التجربة. ورغم رفضه استدعاء الجيش إلى الحياة السياسية، لم يستبعد عزباوى تدخل جيش فى الشأن السياسى، لكن بطريقة ناعمة على حد وصفه، على غرار التجربة التركية إلى حد ما، مستشهدا بنزول الجيش إلى مدن القناة مؤخرا، وترحيب الأهالى به، فى الوقت الذى رفضوا فيه سلطة الدولة المدنية، بل واصطدموا بها. وهذا مؤشر يجب الوقوف عنده ينبئ بتدخل الجيش كاملا خلال سنتين أو ثلاثة إذا استمر الوضع على هذه الحال. أما عمرو الفاروق أحد قيادات حزب الوسط وعضو مجلس الشورى، فيستغرب هذه الدعوات فى هذا التوقيت، خاصة أن الاحتفاء بالجيش ورجاله له مناسباته، مثل انتصار أكتوبر وحرب عام 56 وغيرهما من المناسبات الأخرى. أما هذه الدعوات فى هذا التوقيت، فمتزامنة مع دعوات تدخل الجيش من زعماء سياسيين كبار، فهذا أمر مريب ومرفوض. وشدد الفاروق على رفض تدخل الجيش فى الحياة السياسية مرة أخرى، خاصة أن تجربة المجلس العسكرى الفاشلة فى إدارة البلاد، لا تزال ماثلة فى الأذهان، وجاءت امتدادا لحكم الرئيس السابق، وشهدت أخطاء بالجملة وتورطا فى أعمال عنف وسحلا واعتقالات وتخبطا سياسيا كبيرا. وأبدى الفاروق اندهاشه بأولئك الذين يدافعون عن الدولة المدنية، وفى الوقت نفسه يدعون الجيش إلى التدخل، مشيرا إلى أن هذا يعد انفصاما سياسيا، وعلى هؤلاء مراجعة مواقفهم ودعواتهم هذه وألا يستسهلوا دعوة الجيش إلى النزول، على أن يعملوا ويجتهدوا وينزلوا إلى الشارع ويقتربوا من المواطن العادى؛ حتى يحققوا نجاحا سياسيا يأتى بالتعب والجد، لا باستدعاء القوات المسلحة للعودة إلى الحياة السياسية، وما ينطوى عليه ذلك من آثار سيئة للغاية.