الإعلان عن عودة المحادثات بين إيران والدول الكبرى حول برنامجها النووى فى كازاخستان أواخر هذا الشهر، يطرح تساؤلا حول إمكانية التوصل إلى حل لأزمة إيران مع الغرب بشأن برنامجها النووى، خاصة مع إعلان المتحدث باسم «كاثرين أشتون» مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوربى، أن الاتحاد «يأمل أن تكون المحادثات مثمرة وأن يتحقق تقدم ملموس صوب التوصل إلى حل من خلال التفاوض لتهدئة قلق المجتمع الدولى إزاء البرنامج النووى الإيرانى». نحاول من خلال هذا المقال أن نناقش الأزمة التى تمتد لسنوات طويلة، فضلا عن المتغيرات فى الساحة الدولية التى قد تنعكس على نتائج هذه المفاوضات سلبا أو إيجابا.
حق إيران فى تملك الطاقة النووية السلمية تقوم الفلسلفة الإيرانية فى عملية التفاوض على أن إيران لها كامل الحق فى الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية، وهى دائما تعتبر هذا الموقف مبدأها الأولى، غير قابل للتفاوض، فى حين يرى الغرب أن امتلاك إيران التكنولوجيا النووية يمهد لها امتلاك القنبلة النووية فى فترة لا تزيد على عام، و فى ظلّ أجواء انعدام الثقة التى تغلب على الطرفين بالإضافة إلى أن كل طرف يملك من أوزان القوة وأسبابها ما لا يجعل الطرف الآخر يفرض على الآخر ما يريد، مما جعل عملية التفاوض والمساومات لا تبارح مكانها كثيرا خلال النقاشات المستمرة منذ سنين بين الطرفين.
إيران من جانبها تسعى إلى السيطرة على كامل دورة الوقود النووى حتى لا تكون تحت رحمة أحد من الخارج، ولهذا استطاعت أن تصل بمعدلات تخصيب اليورانيوم لديها إلى نحو 20% أو يزيد، وهو ما يرفضه الغرب نهائيا ويسعى إلى كسر هذه الدائرة عبر العرض على إيران التخصيب بنسبة 3.5% فقط لديها، والباقى يأتى لها مخصبا من الخارج، مما يجعلها بالنسبة إلى الغرب فى منطقة الأمان، خشية أن يتحول برنامجها النووى إلى برنامج عسكرى. فى ظل هذه الأجواء تجرى المفاوضات بين الطرفين، تستخدم الولاياتالمتحدة وحلفاؤها سلاح العقوبات فى محاولة لإجبار إيران على تقديم تنازلات، فى حين ترفض إيران هذه العقوبات وتلتف حولها أو تلوح هى الأخرى بفرض عقوبات على الغرب!.
قوة إيران كعامل ردع منطق القوة التى تتحرك به طهران له ما يبرره؛ فيعتبر جيشها من أفضل جيوش المنطقة، بل إن قناة «برس تى فى» الإخبارية الإيرانية نقلت عن قائد القوات البحرية الإيرانية مؤخرا فى استعراض واضح للقوة قوله: «إن البوارج الحربية الإيرانية ستوسع قريبا نطاق دورياتها ووجودها فى المياه الدولية إلى ما وراء البحر المتوسط, وذلك بغرض تأمين السفن التجارية وناقلات البترول». كما تمتلك طهران ثانى أكبر مخزون من الغاز، وتعد رابع منتج للبترول فى العالم، فضلا عن وجودها القوى فى منظمة شنغهاى للتعاون، والتى تضم الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان والهند وتركيا. هذا الوجود داخل المنظمة يوفر لها حماية كبيرة من القطبين الكبيرين روسيا والصين، ويفتح لها المجال للتوجه نحو آسيا للهروب من العقوبات التى تفرضها أمريكا والاتحاد الأوربى عليها، وهو ما نجحت فيه بالفعل؛ إذ تجرى حاليا مفاوضات مع باكستان والهند لزيادة صادرات الغاز الطبيعى.
العقوبات الجديدة كما ستصبح اليابان أول مشتر آسيوى كبير للنفط الإيرانى يلتف على العقوبات الأوروبية الجديدة التى تهدف إلى: - فرض عقوبات على البنوك الأجنبية التى تتعامل مع قطاع البترول الإيرانى. - معاقبة الشركات المتعاونة مع إيران فى مجال الطاقة والتى تم تأسيسها بعد 2002م. - أيضا معاقبة الشركات الأمريكية التى لها فروع فى طهران. - معاقبة شركات الأقمار الصناعية التى تقدم خدمات للحكومة الإيرانية. - حذف أية شركات عقدت مؤخرا صفقات مع إيران فى مجالى البترول والطاقة من النظام المالى الأمريكى. - منع أية سفن كانت قد تعاملت مؤخرا مع إيران أو سوريا أو كوريا الجنوبية من الرسو فى الموانئ الأمريكية. - كذلك إلغاء شركات من الأسواق الأمريكية إذا تعاملت مع أو أمدت شركة الطاقة الإيرانية بأى نوع من الخدمات.
أمام هذا التجاذب بين الطرفين تبدو إيران فى موقف المتحدى؛ لإدراكها أن كافة العقوبات المفروضة عليها هى لإضعافها وليس للقضاء عليها بأى حال من الأحوال. و هو ما ظهر جليا على عملتها الوطنية التى فقدت أكثر من40% من قيمتها خلال السنوات الماضية بسبب العقوبات؛ إذ تشكل صادرات النفط 80% تقريبا من عائدات إيران من العملات الأجنبية، فيما تشكل الصادرات النفطية 60% من عائدات الميزانية العامة للدولة.
تأثير نجاح أوباما فى الانتخابات على القضية هذه العقوبات لم تغير من حقيقة الموقف الإيرانى شيئا؛ فقد ظل كما هو دون تغير يذكر، لكن الذى تغير على الساحة الدولية، هو نجاح أوباما فى الوصول إلى مقعد الرئاسة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية للمرة الثانية والأخيرة، والمتغير الآخر هو وصول جون كيرى مؤخرا إلى مقعد وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما سينعكس بالتأكيد على الملف. فمن المعروف عن جون كيرى أنه يملك تاريخا حافلا من الضغط للتوصل إلى اتفاق مع طهران (وتذكر مصادر أن رجل أعمال إيرانى هو الذى تولى جمع تبرعات حملته الانتخابية الرئاسية عام 2004) ويتفق معه فى ذلك «تشك هاجل» وزير الدفاع الذى دافع بقوة عن عقد صفقة مع إيران فى أواخر تسعينيات القرن الماضى، ووجود «كيرى» و«هاجل» عضوين بالإدارة الأمريكية، يعد فرصة جيدة للإيرانيين للتعامل مع إدارة أمريكية مستعدة للوفاء بأكبر قدر من مطالبهم.
وفى ضوء خطاب الرئيس «أوباما» فى البيت الأبيض الذى دشن به فترته الثانية يبدو مُصرًّا على سياسة الحوار وغير مستعد للدخول فى حرب أخرى فى المنطقة، وهو ما يعضد فى النهاية خيار محاولة التوصل إلى اتفاق مع طهران لحل الأزمة، والابتعاد عن الخيار العسكرى الذى سيكلفهم كثيرا.
خطورة الحرب فالخطورة الكبرى لشن حرب وما يستتبعه ذلك من مواجهات قد تتسبب فى حرب إقليمية كبيرة، خاصة مع امتداد النفوذ الإيرانى إلى العراق و سوريا و لبنان وأفغانستان، وسهولة وصولها عسكريا إلى كافة القواعد الأمريكية فى المنطقة وإنزال الخسائر بها، وهو ما لا تتحمله واشنطن التى يستعد أوباما بها لخوض جولة الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر القادم.
وفى أوربا.. تستبعد دول الاتحاد الأوربى الخيار العسكرى فى تعاملها مع إيران، وهو ما يمكن أن يفضى إلى ارتفاع حاد فى أسعار النفط، وتأثير ذلك على اقتصاد أوربا المتداعى أصلا والذى تسبب فى إسقاط رئيسى اليونان وفرنسا، كما أن الرئيس الفرنسى الجديد «هولاند» يضم فى طاقم مستشاريه شخصيات ذات أصول إيرانية، مما يجعله معارضا قويا لخيار الحرب على إيران، وعليه فعلى ما يبدو أن إيران فى طريقها لتحقيق نصر سياسى كبير، بإذعان الغرب لشروطها فى برنامجها النووى.
باريس تخشى من انفجار اجتماعى يأخذ البلاد للمجهول
مع اشتداد التحركات الاجتماعية فى فرنسا بين إضرابات وتوقف عن العمل وإغلاق مصانع، لم تعد الحكومة الفرنسية تخفى قلقها من مخاطر تفجر اجتماعى فى البلاد. وأقر وزير الداخلية «مانويل فالس» صراحة ب«أن الغضب الاجتماعى مع تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية ومصاعب الوضع والبطالة وخطط الصرف من الخدمة، موجود وهو يزمجر منذ سنوات». وحذر عبر وسيلتى الإعلام «بى إف تى فى» وإذاعة «مونت كارلو»؛ قائلا: إننا اليوم نشهد حركات اجتماعية أقل من تفجرات اجتماعية. فمنذ أشهر عدة تدهور الوضع الاجتماعى إلى حد كبير فى فرنسا مع الإعلان عن إلغاء آلاف الوظائف فى قطاعات مختلفة مثل التعدين وصناعة السيارات (بيجو-سيتروين- رينو- وغوديير)، وأيضا فى القطاع النفطى (بتروبلوس)، والكيميائى (سانوفى)، والنقل (آير فرانس)، وأيضا القطاعات الزراعية الغذائية (دو)، وغيرها. وأصبحت عمليات التوقف عن العمل وشلل المصانع شيئا يوميا لدى مجموعة رينو (الإعلان عن إلغاء 11200 وظيفة)؛ إذ شُلّ الإنتاج مرات عديدة لدى مجموعة «بيه إس أيه» بيجو -سيتروين (أعلن عن إلغاء 8500 وظيفة)، ويغرق مصنع (أولناى) بالمنطقة الباريسية فى الإضراب فى أجواء توتر شديد.
وفى هذا المناخ المتوتر تلقت أجهزة الاستخبارات فى الشرطة مؤخرا تعليمات بمتابعة الوضع «عن كثب» فى الشركات التى تمر بصعوبات؛ بغية التحسب لاحتمال «تشدد» التحركات الاجتماعية. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة