span lang="AR-SA" style="font-size: 19pt; font-family: "SKR HEAD1";"مع الرسول الكريم فى أن «لو» المعروفة لنا جميعا -والتى يواظب الكثيرون منا على االلجوء إليها- تفتح عمل الشيطان؛ لأنها تجر الإنسان إلى الاكتفاء بالندم غير المجدى وتدفعه رجوعا إلى الخلف حتى تسقطه داخل حفر الحسرة دون أن يبذل جهدا فى إخراج نفسه منها. وسيكلوجيًّاspan lang="AR-EG" style="font-size: 19pt; font-family: "SKR HEAD1";"،span lang="AR-SA" style="font-size: 19pt; font-family: "SKR HEAD1";" فإنها تمثل فعلًا تعويضيًّا مازوخيًّا سالبًا يكتفى بتأنيب النفس وجلد الذات بالإمعان فى تمنى عدم حدوث ما قد حدث والاكتفاء المرضى به، أو إلقاء التبعة على عاتق «آخر أو آخرين»، وتحميله مسئولية الفشل بدلا من البحث عن أسابه وتأملها؛ للظفر بفعل إنقاذٍ يخرج من دائرة اليأس والتشاؤم إلى دائرة الأمل والتفاؤل التى ينشط فيها العقل والنفس سعيا للخروج من الأزمة باستكشاف عوامل التعثر وإزاحتها، أو القفز عليها رغبةً فى الوصول إلى ما هو ممكن من الحلول. يحدث ذلك فقط عندما تتحول «لو» التقليدية السالبة المثبِّطة إلى «لو» أخرى دافعة متقدمة تحلّق بصاحبها فى سماء «الممكن» وبالإمكانات المتاحة الحاضرة نفسها التى لم يحسن استخدامها، أو ربما أسيئ؛ إذ ترتبط «لو» فى هذه الحالة بالإقدام بدلا من النكوص، وبالتفاؤل عوضا عن القنوط، وبوضوح الرؤية بديلا عن إغماض العينين أو التقوقع اكتئابا فى الظلام. فإذا ما سحبنا هذه المقدمة على واقع ما يحدث لنا الآن، أو بالأصح، نحدثه لأنفسنا فى أنفسنا ذاتها. لو تأملنا صورة الشارع الخطر الملتهب وصورة الميدان النازف وصورة العقل المرتبك مع صورة الأسرة وصورة البيت وصورتنا فى عين الآخر- الجار/الصديق/المواطن، ثم الغريب والعدو فى أعيننا وصورتنا فى عينيه.. لو تأملنا كل هذه العداوات الجديدة الناشبة، وكل تلك الاستعداءات التى ينفخ فى نارها والكراهية التى تُبثّ متصلة منتظمة والفرقة أو التفرقة التى لا يهدأ أعوانها فى توسيع شقوقها.. لو تدارسنا كل ما يقال أو يقذف به تفسيرا لما انتاب تماسكنا من تشقق وما أصاب أمننا من ارتجاف وما قذف فى قلب اجتماعنا «الحدّى» أو الضرورى الممثل للحد الأدنى للاستقرار والتوافق، من تفككٍ يمكن تلخيصه فى ما يزعمه بعضهم ويروّج للإقناع به من أننا شعب لا يسيّره إلا سوط، ولا يضبط مسيرته سوى طاغية، ولا يحكم انتظام إيقاعه غير فرعون.. لو أننا فعلنا ذلك لظهرت لنا الدعوة المغرضة الملوثة إلى خيانة ثقتنا بأنفسنا وخيانة المنطق وخذلان التاريخ، تسليما بليدا بانكفاء الثورة واعتبارها هوجة أو نتوءا بارزا أو تنفيسا عارضا مؤقتا ومتوقعا للغضب سرعان ما ينفثئ تورمه وتزول حدته وتعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقا. لو سلمنا بذلك عن تكاسل أو عن جهل أو عن خيانة، لأصيبت حياتنا بالركود وصحت دعاواهم علينا واتهاماتهم لنا؛ لعقلنا وثقافتنا وتديّننا وفصائل دمائنا ونوعية خلايا الوراثة وصنف الموروث والمتوارث لدينا، حتى نصل معهم إلى التسليم بدونية عرقنا والاقتناع بتأخر جنسنا، ومن ثم استحقاقنا لما يحدث لنا، ثم ننهى كل ذلك بترديد ما سبق وردده «كارل ماركس» عنا بأننا «لا نستطيع تمثيل أنفسنا». (ومن ثم) فعلينا أن نقبل أن يمثلونا! . أما «لو» تأملنا قليلا وتفحصنا ومحّصنا شيئا ما، فسندرك أن كل ذلك الارتباك فى المشهد -مشهد استخدام الديمقراطية والتعبير عن حق حرية التعبير- إنما هو نتاجٌ لغياب فعل الثقافة المصرية أو تغييبه عمدا، بالطبع، بعد تمييع تعريفها وتشويهها باختزالها فى «غاية الإمتاع» بأغنية أو رقصة أو قراءة لقصة أو مشاهدة لفيلم أو مسلسل أو مسرحية غالبا ما تكون خالية من القيمة أو تافهة أو مترخصة؛ فإن حدث واشتملت على قيمة بدأ التعتيم المتعمد عليها، سواء بحرمانها من التعرض لضوء فاحص مقيّم من النقد المتخصص الجاد. أو بتقليص أيام عرضها، أو بالاحتفاء بفن آخر تافه وأدب رخيص منافس يسلط عليه الضوء كى يسرقه منها ويزيح الاهتمام العام عنها. وقد بدأ ذلك منذ عهد السادات -فى أفلام المقاولات وصعود الطبقة الجديدة كنموذج، وفى تسمية المثقفين بالأفنديات- واستمر متفاقما فى فعل تصاعدى متدرج يسخف الثقافة الجادة فكرا وإبداعا، ويستهين برموزها ثم يهدر قيمتها حتى يعمل على محوها محوا تاما وكاملا فى أثناء حكم مبارك بالإغراق فى المسلسلات التلفزيوينة التافهة والمسرِّبة لقيم اجتماعية سلبية وترخص أخلاقى بيّن. السؤال إذًا: هل «لو» كان لدينا مفهوم واضح لمعنى الثقافة ودورها مع تعريف محدد للمثقف وواجبه والتزامه ومسئوليته.. هل كان من الممكن أن يحدث كل ما أشرنا إليه سريعا مجملا -فى بداية المقال- من تجاوز وفجاجة ووقاحة فى الشارع، وإساءة لاستخدام الحق فى التظاهر، ووقاحة فى التعبير عن الرأى، وشطط فى الحديث عن الآخر، وتنطّع فى تفسير نصوص وتعاليم ووصايا الدين، وسوء استخدام كامل لمنح الديمقراطية وهباتها المشروعة؟! هل «لو» كان ذلك الفهم للثقافة موجودا ومعرّفا وفاعلا؛ كان من الممكن أن تسيل الدماء وأن تختنق الشوارع بالقاذورات وأن تنطلق قذائف الشتائم وأن تُخترق حرمات البيوت وأن تُسبَّ الفاضلات وترمى المحصنات ويُتحرّش بالنساء والفتيات ويعتدى عليهن، وأن يُلعن المخالفون فى الدين ويُطعن فى عقيدة المختلفين فى المذهب علنًا وعلى شاشات تلفزيوينة، وأن يقسم المجتمع إلى مؤمنين وكفرة ومسلمين ومسيحيين ويصنف تصنيفا محرضا وعدوانيا إلى إسلاميين وليبراليين وعلمانيين، وأن يرمى بالكفر كل مخالف حتى ولو مات وعلى شفتيه تدمى حروف تردد الشهادة؟! هل «لو» تنبهنا إلى كل ذلك فاعترفنا بأخطائنا دون استسلام إلى الحسرة، وحاسبنا أنفسنا دون جلد للذات، ونقدنا غيرنا دون اتهام مسبق أو تمسك بالإدانة، ثم بدأنا التصحيح والمراجعة بهذه ال«لو» الدالة على المستقبل والفاتحة لأبوابه.. «لو» الفاعلة و«لو» المراجِعَة و«لو» التى تخطف نظرة إلى الخلف كى تنطلق أمتارا -على هديها- للأمام والتى من شأنها فى المقابل أن تحدد مفهوما واضحا نيّرا لثقافة شاملة تحتضن داخلها وتتضمن حزمة متكاملة من الثقافات النوعية المتآلفة والمكونة لمفهومها العام، كثقافة الشارع وثقافة الجسد وثقافة الغذاء وثقافة الجيرة وثقافة التوافق وثقافة الاختلاف وثقافة العاطفة وثقافة الجنس وثقافة التربية وثقافة التعليم وثقافة التاريخ -تاريخنا وتاريخ غيرنا- وثقافة التعبير عن الرأى وثقافة المسئولية وثقافة الديمقراطية وثقافة التدين وثقافة التملك وثقافة الاستئجار والانتفاع وثقافة المال العام وثقافة التكافل وثقافة التطوير وثقافة الإنماء. إن «لو» بذلك تكسب معنى جديدا تغلق به باب كافة الشياطين. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة