البيوت متهالكة والمجارى "طافحة" والمنطقة أصبحت مرتعًا للبلطجة الأهالى: "الحى" قطاع خاص لخدمة المسجلين فحسب الدويقة إحدى العلامات الحمراء على خريطة مصر؛ فمجرد ذكر اسمها يترك عند مستمعها تخوفًا شديدًا؛ نتيجة لاشتهار المنطقة بالاتجار فى المخدرات والأسلحة، لكن دخول المنطقة يطرح تساؤلات كثيرة نتيجة للإهمال الشديد الذى يحيط بالمنطقة؛ فمع أولى خطواتنا وجدنا سيلًا من المياه اكتشفنا أنه من مياه الصرف الصحى التى تغرق البيوت. ومن هنا بدأنا فى البحث وراء مشكلات أهالى المنطقة التى تحوى أكثر من 3 ملايين مواطن يعيشون فى مأساة اجتماعية محتمة فى كل من "الوحايد" و"الثلاثات"، وهما أكبر تجمعات الدويقة سكانًا. وفى أثناء سيرنا استوقفنا محمود عبد الحميد "صاحب محل بقالة تحيط به مياه الصرف من كل جانب"، قائلًا إن "مشروع الصرف الصحى لم يكن سليمًا منذ البداية؛ فمنذ التسليم كانت هناك مواسير مكسورة، ومنسوب الآبار غير ملائم لظروف المنطقة. وفى رأيى أنه لم تُجْرَ دراسات كافية عند إنشاء مشروع الصرف الصحى؛ فالآبار الثلاث الرئيسة تطفح كل يومين وتغرق المبانى والمحلات. ورغم أن مشروع الصرف القديم كان بدائيًّا لم نواجه كل هذا الكم من المشكلات فى وقته، لكن المشكلات بدأت تظهر مع تحويل الصرف إلى الخط الجديد منذ 3 سنوات؛ بعد إنشاء محطة تابعة لشركة الكهرباء بجوار نادى القوات المسلحة، ومن وقتها تم تحويل شارع الثورة إلى الخط الجديد، فتحول الشارع إلى ما يشبه ماسورة صرف، لكن هذه المرة فوق الأرض.. (إحنا غرقانين فى المجارى ومحدش حاسس بينا)، كل يوم معاناة من الطفح المتكرر للمجارى، لدرجة أنها تغرق الشقق؛ فقد استبدلت الأثاث 3 مرات فى سنتين!؛ وذلك لأنه يتلف من مياه المجارى". يضيف محمود أن "المشكلة الأخرى التى تواجهنا هى الانتشار العشوائى للباعة الجائلين الذين يكادون يسدون شارع الثورة، فلا تستطيع سيارة الإسعاف أو المطافئ دخول المكان إذا حدثت كوارث". طفح المجارى وفى أثناء الحديث، اقترب منا صلاح أحمد طلب الذى أراد أن يبدى رأيه قائلًا: "لقد حاولنا أكثر من مرة إصلاح المجارى، لكن الحى فى كل مرة يحذرنا من التعرض للمساءلة القانونية والغرامات!؛ فمشروع الصرف أقيم بالجهود الذاتية لأهل المنطقة، ومع ذلك الحى لا يريد أن يمد لنا يد العون.. (لا بيرحموا ولا بسيبوا رحمة ربنا تنزل)، بل يغرمنا إن حاولنا إصلاحه. صراحة، سئمنا من هذا الإهمال المبالغ فيه.. (إحنا الدايرة الوحيدة المهملة فى المنطقة). دائرة الدويقة والمنشية تتعدى 6 ملايين مواطن، ومع ذلك لا يوجد أدنى اهتمام بنا.. لا حياة لمن تنادى". ويقول صلاح أحمد: "الحى قطاع خاص لخدمة المسجلين فحسب. والقسم حوَّل المنطقة إلى عصابات؛ فكثيرًا ما اشتكينا من تراكمات القمامة المنتشرة فى الشوارع، لكن لا يوجد أدنى استجابة؛ ليس ذلك فحسب، بل كل فترة يهددوننا بخطر الإزالة؛ فنحن لا نعرف أنبقى أم نرحل. (أنا أحد سكان المنطقة وبيتى بالطوب الأحمر خايف أشطبه وأتعب فيه بعدين تيجى الإزالة.. عايزين نعرف مصيرنا إيه)". أكل العيش مرّ تقول حنان قطب: "لقد أتينا إلى هنا منذ سنوات طويلة من الفيوم والصعيد. ومع ارتفاع أسعار السكن أتينا إلى هنا للبحث عن مصدر رزق لنا ولأبنائنا، لكن بعدما توفى زوجى ازدادت الأعباء وكبر الأولاد وزادت المصاريف؛ فلدى بنتان وولد بالمراحل التعليمية المختلفة. ومن هنا بدأت فى العمل بهذه الحرفة، وهى تجميع المعادن الخاصة بالستائر؛ وذلك ب10 جنيهات لكل 1000 قطعة.. وهكذا أحاول بقدر المستطاع توفير احتياجات أسرتى". السكن غير آدمى وتصرخ أم هاشم رمضان قائلة: "كل حاجة واقفة؛ فزوجى نجار، وكذلك أبنائى، لكنهم يعانون قلة العمل منذ أكثر من 6 أشهر. وهذه هى حالنا. هذه هى حياتنان ومع دخول المدارس ازدادت الهموم من ملابس وكتب ومصروفات لأولادنا؛ فالأولى بالصف الثالث الثانوى، والأخرى بالصف الثالث الإعدادى، لكل منهما متطابات، بالإضافة إلى السكن الذى يؤوينا ولا يحمينا من حرارة الصيف ولا من أمطار الشتاء". ويبين إسلام عادل عيسى: "نحن نعيش فى المكان منذ 1979. جئنا إلى هنا ولم يكن متوفرا فيه مياه أو كهرباء. والغريب فى الأمر أن الحكومة عندما أنشأت مساكن جديدة سكنوها الغرباء؛ فكل سكان هذه "البلوكات" الحكومية المعروفة بمساكن سوزان ليسوا من أهالى الدويقة، بل هم من يمتلكون الأموال لدفع الرشاوى والحصول على شقق دون وجه حق. وتوضح ماجدة سيد عثمان: "نواجه أزمة كبيرة فى السكن؛ فالشقة التى أسكن فيها أنا وأبنائى ملك لشقيقى الأكبر. وعندما طلبت من الحى سكنًا أعطونى "إيواء" بحلوان بدون سقف ولا خدمات، مع أن الشقق التى بمساكن سوزان يسكنها أغراب. وأنا أتساءل: مَن الأولى بهذه المساكن؟ أهل المنطقة الحقيقيون أم من معهم المال؟! فبعد أن سقطت الصخور على أهل الدويقة تسارعت المطالب بضرورة إيواء أهل المنطقة من مثل هذه الكوارث. ومع مرور الوقت وجدنا أن المساكنالجديدة يسكنها ناس جديدة على المنطقة؛ فمنهم من دفع رشاوى للموظفين بالحى لتسكينه ومنهم من لجأ إلى الشراء بالباطل من بعض البلطجية الذين يسيطرون على المنطقة؛ فقد وصلت الشقة من 70 إلى 100 ألف جنيه. ونحن لا نملك كل هذه الأموال، ولا نجد مسكنا، فماذا نفعل؟ أنا مستعدة للانتقال إلى الإيواء الذى وفرته لى الحكومة، لكن إذا توافرت فيه الخدمات الأساسية للمعيشة. مأوى البلطجية ويقول محسن محمد (صاحب محل كشرى): "إن المشكلة الأساسية هى البلطجة التى تسيطر على المنطقة وتتسبب بقطع أرزاقنا. بعد الثورة انتشرت الأسلحة والهاربون من السجون، وكانت الدويقة هى المأوى لمثل هولاء، فأخذوا فى التغلغل وسط الأهالى؛ فمنهم من يتاجر بالمخدرات، وآخرون بالأقراص المهلوسة، وعندما تحدث مشاجرة بين هؤلاء البلطجية تكون هناك كوارث؛ فهم يمتلكون أسلحة نارية وأسلحة بيضاء. وأية معركة بينهم تكون بالفعل مجزرة. وخير دليل ليلة أول أمس؛ فقد قامت مشاجرة راح ضحيتها العشرات من المصابين؛ من بينهم شخص قُطعت يده، والآخر أحد جيرانى، وهو "قهوجى"، وتلقى طعنة فى بطنه ولا يزال فى الإنعاش إلى اليوم. كل هذا يشكل تعطيلًا لمصالحنا؛ فأنا رجل أجمع رزق أولادى يومًا بعد يوم نتيجة طبيعة عملى. ومثل هذه المشكلات "عطل حال". قديمًا كنت أسكن فى "مربع المسجلين"، وهو مربع آوى كل المسجلين والخارجين عن القانون. ومع أننى كنت أدفع مبلغًا رمزيًّا مقابل الإيواء، هو 33 جنيهًا، لكن نتيجة البلطجة المبالغ فيها اضطررت إلى تغيير السكن تجنبًا للمشكلات. وخوفًا على أسرتى من البلطجية أدفع إيجارا شهريا 300 جنيه؛ أى ما يعادل 10 أضعاف الإيجار القديم".