بدأت كتائب الشهيد عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس- في إحكام سيطرتها على مقرات الأجهزة الأمنية التابعة لرئاسة السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وبخاصة جهاز الأمن الوطني في إطار محاولات الكتائب لإيقاف ممارسات التيار الانقلابي في حركة فتح الرامية لزعزعة الاستقرار في القطاع. وقالت حركة حماس في خان يونس بغزة إن السيطرة على المواقع الأمنية جاء من أجل قطع دابر الفتنة والتآمر ومن أجل قطع الطريق على الفئة المتصهينة التي تتستر ببعض الأجهزة وتنطلق من مقراتها وتتدرب في مواقعها. ودعت الحركة قيادات فتح "التاريخية الشريفة" إلى أن تتحمل مسئولياتها وتتعاون مع حماس على التخلص من هذه الفئة المتصهينة وعلى إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وفق أجندة وطنية. وفي الإطار نفسه، نفى الدكتور صلاح البردويل عضو المجلس التشريعي لحركة حماس أن تكون عملية السيطرة على المواقع الأمنية هي حرب ضد حركة فتح. وقال إنها عملية استئصال للتيار الانقلابي مشيرًا إلى أنها تحظى بموافقة بعض القيادات في حركة فتح، والتي كانت تصمت على ممارسات الانقلابيين بسبب سيطرتهم على الحركة من الداخل. وتأتي هذه التطورات في إطار الاشتباكات الدائرة حاليًا بين عناصر التيار الانقلابي في حركة فتح من جهةٍ والعديد من الأطراف الفلسطينية من جهةٍ أخرى؛ حيث أعلنت ألوية الناصر صلاح الدين- الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية- انضمامها إلى كتائب القسام في التحركات الرامية لوقف الفئة الانقلابية داخل حركة فتح. وفي هذا السياق، قال أبو مجاهد- المتحدث باسم ألوية الناصر صلاح الدين- اليوم إن الألوية بادرت بالعمل على مشاركة كتائب القسام في تأمين المواقع الحدودية بين مصر وقطاع غزة بعدما سيطرت القسام على المواقع الأمنية المحاذية على الحدود المصرية مضيفا أن تلك الخطوة جاءت بعد موافقة المصريين وكتائب القسام. وكانت عملية سيطرة كتائب القسام على مقرات الأجهزة الأمنية لرئاسة السلطة الفلسطينية قد بدأت يوم أمس وأخذت في التسارع حيث أعلنت القسام انتهاء السيطرة على المقرات الأمنية في شمال قطاع غزة إلى جانب سيطرتها على المواقع الأمنية الحدودية مع مصر؛ مما دفع حوالي ما بين 40 إلى 50 عنصرًا من عناصر الأمن الوطني التابع لرئاسة السلطة إلى الفرار للجانب المصري من الحدود وتسليم أنفسهم إلى السلطات المصرية. وقد تفجَّرت الاشتباكات مؤخرًا بسبب استمرار الانقلابيين في عمليات القتل والاختطاف بحق أعضاء حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة الأخرى، بالإضافة إلى حملة الاعتقالات التي تنفذها قوات الأمن التابعة لرئاسة السلطة في الضفة الغربية ضد عناصر حماس وكوادرها في محاولةٍ من الانقلابيين لنقل الانفلات الأمني إلى الضفة الغربية. وتوجد العديد من المؤشرات على سعي التيار الانقلابي إلى تحقيق أجندة صهيونية من إثارته الأوضاع في قطاع غزة ومن أبرز تلك المؤشرات ما دعا إليه رئيس الحكومة الصهيوني إيهود أولمرت أمس من نشر قوات دولية في قطاع غزة لوقف الاقتتال وهو مطلب مهم بالنسبة للصهاينة؛ حيث يريدون نشر قوات دولية في القطاع بدعوى وقف الاقتتال إلا أن مهامها الرئيسية ستكون وقف عمليات المقاومة ضد الكيان. ومن بين المؤشرات الأخرى أيضًا وجود العديد من قطع الأسلحة الأمريكية في يد قوات الأمن التابعة لرئاسة السلطة؛ الأمر الذي يؤكد وجود دعمٍ أمريكي صهيوني للتيار الانقلابي بحيث يكون الدعم الأمريكي من خلال إرسال الأسلحة؛ بينما يتمثل الدعم الصهيوني في السماح بإدخالها إلى الأراضي الفلسطينية للوصول إلى أيدي الانقلابيين الذين يقودهم محمد دحلان- مستشار رئيس السلطة لشئون الأمن القومي- الذي اختفى عن الساحة تمامًا في الفترة الحالية. وإلى جانب ذلك نقلت وسائل الإعلام الصهيونية عن بعض المحللين قولهم إن الاشتباكات الدائرة حاليًا في قطاع غزة هي في صالح الكيان بالنظر إلى أنها تتسبب في إنهاك فصائل المقاومة وتؤدي إلى تصفية قياداتها بعيدًا عن التدخل الصهيوني ومن بين قيادات المقاومة الذين سقطوا في تلك الاشتباكات محمد أبو كرش القيادي في كتائب القسام. وبالإضافة إلى ما سبق فإن الاشتباكات تتجدد كلما توقفت الاعتداءات الصهيونية على القطاع الأمر الذي يعني وجود فريق في داخل الأراضي الفلسطينية يسعى إلى تحقيق ما يعجز عنه الصهاينة من اعتداءاتهم على الفلسطينيين وهو إنهاك للمقاومة وتصفية لقياداتها وتحويل نظر الفلسطينيين إلى الساحة الداخلية بدلاً من التركيز على العدو الرئيسي للفلسطينيين وهو العدو الصهيوني. كما أن الأنباء التي تشير إلى موافقة المصريين على مشاركة كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين في تأمين الحدود بين مصر وقطاع غزة توضح أن الوسيط المصري بين حركتي حماس وفتح بدأ بالفعل في وضع يديه على الخيوط الحقيقية لما يحدث في قطاع غزة من دعم صهيوني للتيار الانقلابي؛ الأمر الذي لا يهدد الفلسطينيين وحدهم بل يهدد الأمن القومي المصري وبالتالي العربي. وما يدعم ذلك هو أن الأنباء تحدثت عن أن الوفد الأمني المصري سيعقد لقاءً مع حركة حماس قبل اللقاء المشترك المفترض أن يعقده اليوم بين حركتي حماس وفتح من أجل وقف الاقتتال. وقد أوقع الاقتتال حتى الآن حوالي 73 قتيلاً بالإضافة إلى ما يزيد على ال200 جريحٍ إلى جانب توقف شبه كامل للحياة في قطاع غزة بعد إغلاق المحال التجارية، وقد شهد الاقتتال العديد من الممارسات غير الإنسانية من جانب المسلحين المتورطين فيه من الجانبين ومن بينها إطلاق الرصاص على ركبتي العنصر المنافس لإقعاده؛ مما أدى إلى إصابة العشرات من المصابين بالعجز الكامل مدى الحياة، وقد وصفت العديد من المنظمات الحقوقية ذلك بأنه يدخل في إطار "جرائم الحرب". كما لم تسلم المظاهرات الشعبية التي خرجت للتنديد بالاقتتال؛ حيث لقي أحد المتظاهرين مصرعه في مدينة غزة وأصيب 15 آخرين عندما تجدد الاقتتال فجأةً في المنطقة التي خرجت فيها المظاهرت؛ بينما لقي 2 من الفلسطينيين العاملين في منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ال(أونروا) مصرعهما مما دعا المنظمة إلى تعليق عملياتها في القطاع مؤقتًا مما يحقق هدفًا جديدًا للصهاينة، وهو عزل الشعب الفلسطيني عن المجتمع الدولي وزيادة تردي الحالة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية التي ساءت كثيرًا بسبب الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني من جانب الصهاينة وحلفائهم الغربيين منذ أكثر من عام. هذا وقد أفادت الأنباء أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتزم أن يعلن في وقت لاحق اليوم قرارا وصفته المصادر المسؤولة بحركة فتح بأنه سيكون حاسما بشأن الأوضاع المتدهورة في غزة ويحدد كذلك مستقبل حكومة الوحدة مع حركة حماس. وقال مسؤول بفتح - لم يكشف عن هويته – إنه إذا لم توقف حركة حماس النار فإن الليلة ستكون حاسمة في إنهاء عقد الشراكة الهش الذي سيذهب في مهب الريح وتكون حركة حماس فتحت الحرب الأهلية على مصراعيها". وتوقع مسؤولون فلسطينيون الإعلان عن انسحاب حركة فتح من حكومة الوحدة الوطنية. وفي محاولة منها لوضع حد للاقتتال الدائر في غزة، قررت الجامعة العربية تقديم موعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة إلى الجمعة لبحث تطورات الاقتتال الفلسطيني في غزة إضافة إلى الأوضاع في لبنان.