اندلعت الاشتباكات مجددا فيما بين قوات الجيش اللبناني وعناصر جماعة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد شمال لبنان في انهيار واضح للهدنة بين الجيش والجماعة والتي استمرت لساعات فقط . وتجدد القتال بين الجانبين عند الفجر حيث يكثف لجيش اللبناني من قصفه بالمدفعية الثقيلة والدبابات لمواقع يقول إنها تابعة لفتح الإسلام. ويأتي تجدد القتال عقب اجتماع لمجلس الوزراء اللبناني مساء أمس شابته لهجة شديدة ضد الجماعة حيث بحث الاجتماع – بحسب وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي - ضرورة وضع حد لفتح الإسلام . وكان الناطق باسم فتح الإسلام أبو سليم طه قد هدد بنقل المعركة إلى خارج مدينة طرابلس إذا استمر ما أسماه القصف الأعمى. وقد عُدّ فجر اليوم بأنه الأعنف خلال ثلاثة أيام من الاشتباكات بين الطرفين وقد سقط نحو 20 من عناصر "فتح الإسلام" و32 جنديًّا لبنانيًّا و34 من سكان المخيم كما أُصيب أيضًا 55 جنديًّا في الاشتباكات. كما أدى القصف المكثف للجيش من التلال المحيطة إلى اندلاع حرائق في مباني المخيم الذي يؤوي نحو ثلاثين ألف فلسطيني يعانون أزمة إنسانية حيث لم تتمكن الفرق الطبية من الدخول لعلاج الضحايا إضافة إلى نقص شديد في مواد الإسعافات وانقطاع الكهرباء والمياه النقية. وقد وصف شهود عيان من داخل المخيم الأوضاع الإنسانية هناك بأنها مأساوية للغاية بسبب نقص المواد الأساسية والإسعافات الطبية. وقال مسئول اللجنة الشعبية بمخيم نهر البارد أبو هشام ليلى إن المخيم يتعرض لقصفٍ عشوائي أوقع قتلى وجرحى من المدنيين مشيرًا إلى أنَّ خزَّانات المياه فوق أسطح المنازل قُصفت جميعها؛ ممَّا تسبَّب في انقطاع المياه عن المخيم، كما تضرَّرت 3 مساجد جراء القصف العشوائي للمخيم. وناشد أبو ليلى الأطراف المعنية السماح لسيارات الإسعاف والإطفاء بدخول المخيم خصوصًا أنَّ الحرائق اندلعت في بعض المنازل والمباني واصفًا الوضع في المخيم بالسيئ جدًّا مع عدم وجود مواد غذائية أو مياه أو مواد إسعاف أولية. أما رئيس المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان محمود الحنفي فقال من داخل المخيم إن عائلةً بأكملها سقطت تحت الأنقاض جرَّاء القصف، فيما تضرر مستوصف الشعبية الطبي. وأوضح أنَّ القصف أوقع 34 قتيلاً و150 جريحًا من المدنيين، لا سيما أنَّ المخيم يكتظُّ بالسكان مشيرا إلى انه قد تم السماح بنقل 20 جريحًا فقط للعلاج خارج المخيم ومشددًا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية. من جانبه دعا أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في لبنان سلطان أبو العينين إلى وقف القصف الحكومي قائلا إن المدنيين الفلسطينيين يدفعون ثمن أعمال عصابة من الخارجين عن القانون بينما هاتف رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة مطالبا بعدم المساس بأبناء الشعب الفلسطيني في مخيم نهر البارد. وأبدى مشعل حرصَه على حماية أرواح الفلسطينيين واللبنانيين في الساحة اللبنانية فيما أبدى السنيورة- بحسب بيانٍ صادرٍ عن المكتب الإعلامي لحركة حماس- تجاوبه مع مشعل ووعد بالقيام بما يلزم للحفاظ على أرواح الفلسطينيين. وكان مشعل قد أجرى أيضًا اتصالاً هاتفيًّا بكلٍّ من عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي للغاية نفسها حيث طلب منهما بذْل مساعيهما لضمان عدم المساس بأبناء الشعب الفلسطيني في مخيم نهر البارد خلال معالجة الأزمة القائمة هناك. أيضا أجرت القيادة السياسية لحماس في لبنان اتصالاتٍ مكثَّفةً مع مختلف الأطراف السياسية في لبنان؛ بهدف وقف الاشتباكات الدائرة منذ يوم الأحد الماضي داخل وفي محيط مخيم نهر البارد. وقام أسامة حمدان ممثل الحركة في لبنان بالاتصال بأطرافٍ في الحكومة اللبنانية والأحزاب اللبنانية والقوى الأمنية ومع الفصائل الفلسطينية بهدف إيجادِ حلٍّ عاجلٍ للتوتر الحاصل. وتركز حماس مساعيها على الوقف العاجل والفوري لإطلاق النار وتحييد المدنيين والسماح بإدخال سيارات الإسعاف لإنقاذ الجرحى أو المصابين وإدخال المساعدات الغذائية إلى الأهالي داخل المخيم، مؤكدةً في مساعيها على ضرورة محاصرة مساحة التوتر وعدم نقله إلى أماكن أخرى. ودعت الحركة إلى تشكيل مرجعية فلسطينية سياسية موحَّدة، تتشكل من كل الأطراف السياسية الفلسطينية، وتتولى معالجة كافة القضايا المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، كما دعت الحركة إلى جمع المساعدات العينية والمواد الغذائية والطبية في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين لصالح مخيم نهر البارد وسكانه الذين يعانون وضعًا إنسانيًّا مأساويًّا؛ بسبب القصف الذي يتعرَّض له المخيم الذي يوجد فيه نحو 45 ألف لاجئ، ولاقت هذه الدعوة استجابةً واسعةً من قِبَل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم البداوي، وجرت بالفعل محاولاتٌ لإيصال هذه المساعدات، إلا أنَّ تجدُّد الاشتباكات حال دون استكمال هذه الإجراءات. كما حذر أنور رجا- عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة)- من مخطط لإشعال نار فتنة تدخل الفلسطينيين في أتون صراعات لبنانية داخلية. ودعا رجا إلى وقفٍ فوريٍّ وشاملٍ للأعمال العسكرية التي ينفذها الجيش اللبناني ضد مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في مدينة طرابلس شمال لبنان متهما السفارة الأمريكية في بيروت بالوقوف خلف الأزمة ومؤكدًا على الاحترام الكامل للجيش اللبناني وقواته. وكان الانهيار الجديد لوقف النار أتي في ظل تطور آخر إذ جرح عشرة أشخاص معظم إصاباتهم طفيفة في انفجار عبوة وضعت تحت سيارة أمام مجمع تجاري قرب المركز الثقافي الروسي بمنطقة الفردان ذات الغالبية السنية في بيروت. وكان حجم الانفجار أقل من ذلك والذي هز أول أمس منطقة الأشرفية ذات الأغلبية المسيحية وسقطت فيه قتيلة. من جهته نفى وزير الخارجية السوري وليد المعلم وقوف بلاده خلف الأحداث التي يشهدها مخيم نهر البارد في لبنان. وقال المعلم إن دمشق تلاحق قادة جماعة فتح الإسلام حتى من خلال الإنتربول. هذا ولم يستبعد المندوب السوري لدى الأممالمتحدةبشار الجعفري أن تكون للأحداث الأخيرة بمخيم نهر البارد صلة بالمناقشات الجارية في مجلس الأمن الدولي بشأن محاكمة قتلة الحريري. وقال السفير الجعفري إن متشددين يقاتلون قوات الجيش اللبناني أُودعوا السجن في دمشق قبل سنواتٍ قليلة لصلاتهم بتنظيم القاعدة وسُيعاد اعتقالهم إذا عادوا إلى البلاد. ونفى اتهامات بأن سوريا كان لها صلاتٌ بجماعة "فتح الإسلام"، وقال إنَّ بضعة أعضاء بالجماعة قضوا "ثلاثة أو أربعة أعوام" في السجون السورية "قبل عامين" بسبب روابط مع القاعدة ثم أُفرج عنهم وغادروا البلاد. وأضاف إذا عادوا إلى سوريا فإنَّهم سيُودَعون السجن، إنهم لا يقاتلون لمصلحة القضية الفلسطينية.. إنهم يقاتلون لمصلحة القاعدة". وأوضح أن معظم قادة الجماعة فلسطينيون أو أردنيون أو سعوديون وربما أن اثنَيْن منهم سوريَان وأنَّه بعد إطلاق سراح قادة الجماعة بدأوا فيما وصفه ب"ممارساتٍ إرهابيةٍ" ودرَّبوا "عناصر جديدة" لمصلحة القاعدة، لكنهم غادروا سوريا حتى لا يتعرضوا للسجن مرةً أخرى، وقد أغلقت سوريا معبرَيْن حدوديَّيْن مع شمال لبنان يوم الأحد الماضي؛ بسببِ مخاوف أمنية بشأن الاشتباكات. وتزعم استخبارات غربية أن الجماعة التي يقودها شاكر العبسي –المحكوم عليه بالإعدام بالأردن وتم طرده العام الماضي من سوريا - على صلة بتنظيم القاعدة. وقد أثارت الأزمة الحالية نقاشات خلافية بين القوى السياسية اللبنانية ما بين مؤيدين للعملية العسكرية الحالية للجيش اللبناني ضد المخيم، مثل سعد الحريري زعيم الأغلبية النيابية اللبنانية وما بين داعين إلى إخراج جماعة "فتح الإسلام" من لبنان دون الزجِّ بالفلسطينيين في الأزمة، من بينهم حزب الله ومفتي الديار اللبنانية محمد رشيد قباني. وفي ردود الأفعال الإقليمية والدولية على ما يجري في لبنان قال الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أمس: إنَّ مَن وصفهم بالمتطرفين الذين يحاولون الإطاحة بالحكومة في لبنان يجب كبحهم. وأضاف بوش – بحسب رويترز-أن وزيرة الخارجية كونداليزا رايس أطلعته على الوضع مشير إلى انه بالتأكيد يمقت العنف عندما يموت أبرياء وإنه لوضع محزن أن تتعرض هذه الديمقراطية الشابة في لبنان لضغوطٍ من قوى خارجية ولكنه لم يصل إلى حدِّ توجيه اتهامٍ صريحٍ لدمشق بالضلوع في الأزمة.