تثير الأحداث المأساوية في العراق الشجون مثلما تثير سجلات الكونغرس ذوالأغلبية الديمقراطية مع رئيس البيت الأبيض الجمهوري علامات الاستفهام لاسيما وأن المسألتين تلتقيان في محصلة واحدة، وكل هذا لا يبتعد كثيراً عن جوهر ما تقوم به إدارة بوش، ومعها بلير لارتكاب جرائمهما ضد عباد الله سواء كان ذلك في العراق أوفلسطين أوالسودان أوالصومال أولبنان أوأفغانستان، ويمكن ملاحظة الرابط بين هذه الدول المستهدفة أنها عربية وإسلامية، ولعل إحداث هذه الأيام يقودنا إلى تثبيت الملاحظات التالية:
أولاً: زيادة حدة العنف في العراق:
لا نأتي بجديد حينما نقول: إن الأوضاع المأساوية في العراق وصلت إلى نهايات يصعب، بل يتعذر على بوش وجلاوزته وعملائه إيجاد المعالجات المطلوبة لتجاوزها أوالحد منها حتى ولوجاء السيد بوش بكل جيوشه المتهرئة إلى العراق، فلا الأمريكيين ولا حكومة المالكي المتهالكة بقادرين على حماية أنفسهم، فكيف لهم أن يحموا غيرهم فهناك (بون شاسع) بين ما يتحدث عنه بوش وخادمه المالكي في وسائل الدعاية المغرضة وبين ما يحدث على الأرض فالحديث عن تحسن نسبي في الأوضاع الأمنية بدده حجم الدمار والقتل الجماعي الذي طال كل مرافق المجتمع العراقي وللذين لا يعرفون بالدقة ماذا يحدث في العراق، نقول لهم ولغيرهم أن ما تذكره وسائل الدعاية مما يحدث في العراق على بشاعته وفظاعته وكارثيته بأنه لا يشكل إلا 5-10% مما يحدث فعلاً لاسيما عندما نتحدث عن خسائر قوات الاحتلال في الأفراد والمعدات.
ثانياً: جدار الأعظمية العازل:
لم يعد خافياً على أحد أن احتلال العراق وفلسطين هما وجهان لقضية واحدة ومن هنا فلم يكن غريباً أن يستعيد المحتلون الأمريكان وعملائهم جانب من النموذج الصهيوني من الأرض المحتلة لمعالجة الفشل والإحباط الذي أصاب مشروعهم في العراق حيث انتشرت في بغداد وأغلب محافظات العراق ظاهرة الجدران العازلة ولما لم تكن هذه كافية ولم تقلل من هجمات المقاومة على قوات الاحتلال والعملاء لجئوا إلى خطوة أخرى عبر عزل مناطق معينة من بغداد بحجة حمايتها ولكن هل هذا هوالهدف أي الخوف على سكان الأعظمية من هجمات المليشيات العملية والجواب هوبلا تردد كلا لأن قوات الاحتلال وعميلاتها من المليشيات هما من يستهدف كل المواطنين العراقيين سواء في الأعظمية البطلة أوفي سواهما من أحياء بغداد والمحافظات الأخرى هذا أولاً وثانياً أن المحتلين وعملائهم في السكون المنصية يخشون من هذه المنطقة المجاهدة التي أذاق أهلها المحتلين وعملائهم طعم الذل والهوان ولن يحجب الجدار المزعوم أوغيره سواء في الأعظمية أوغيرها من مناطق بغداد العز والشموخ هجمات شعب العراق ومقاومته الباسلة وقطعاً أن أبطال المقاومة لديهم الكثير من الخطط التي سيفاجئون به المحتلين وعملائهم لمواجهة ظاهرة إنشاء الجدران العازلة التي ستعمل قوات الاحتلال على نشرها لتجزئة مناطق بغداد وعزلها من بعض الدول.
ثالثاً: الحوار العقيم بين الكونغرس ودارة بوش حول العراق:
ابتداءً يجب أن نقر أن الطرفين الديمقراطي والجمهوري مسؤولان عما يحدث في العراق لأن قرار احتلال العراق تم بموافقتهما والموقف من العراق لا يتعدى حدود الاختلافات البسيطة في التفاصيل والآليات والأهم الانتخابات الأمريكية القادمة لاسيما وأن الديمقراطين ملزمين أخلاقياً (إن كان هناك أخلاقيات) أمام من سيدوهم على الكونغرس أن يعكسوا موقف الشعوب الأمريكية التي ناءت بنفسها عن الاستمرار بدعم إدارة بوش في حربها غير الشريفة ضد شعوب الأرض وبالتحديد احتلالها العراق ذلك لأنه إنهاء احتلال العراق وسحب القوات الأمريكية منه أصبح هوالعنوان الأكبر في الحملات الإنتاجية.
إن جوهر الخلاف الطاهر بين الطرفين هوفي موضوع التمويل وكنا نتمنى أن يوجه قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس سؤالاً واحداً إلى السيد بوش تحسم الإجابة عليه كل الخلافات، وهوماذا تفعل القوات الأمريكية في العراق بعد كشف زيف وكذب مبررات احتلال العراق؟ فالسيد بوش يريد توفير الأموال لهذه القوات للاستمرار بمهامها في قتل وإبادة الشعب العراقي وتدمير ما تبقى من مرافقه ويقول السيد بوش: أنه يريد أن يهزم الإرهابيين في العراق، وإن لم يهزمهم فإنهم سيتبعون الأمريكيين إلى عقر دارهم.. وهذا الكلام السخيف الأهوج ينم على غباء صاحبه واستخفافه بمن يتحدث إليهم (الكونغرس والشعوب الأمريكية العالم) لأن العراق لم يعرف الإرهاب إلا بعد أن دنست قوات السيد بوش أرضه الطاهرة، ولن ينتهي وجود الإرهاب في العراق، إلا بمغادرة قوات الاحتلال أرض العراق ثم ماذا يقول السيد بوش عن المجازر التي تحدث داخل أمريكا وليس آخرها إحداث جامعة فيرجينيا ووكالة ناسا الفضائية.
رابعاً: ما هي العلاقة بين زيادة العنف في العراق واحتدام النقاش بين الكونغرس والسيد بوش؟
لا ندعي أن كل العنف في العراق مربوط بالحوارات العقيمة بين الطرفين (الكونغرس وبوش) بل إن الشيء الذي نريد لفت الانتباه إليه أن السيد بوش يريد توظيف هذا العنف لتمرير مشروع الدعم المالي لقواته المحتلة في العراق، فالحوادث الأخيرة (تدمير جسر الصرافية وتفجيرات مدينة الثورة (الصدر) ومنطقة الصدرية مثلاً) هي رسالة من السيد بوش مفادها: إن الحكومة العراقية وتشكيلاتها الأمنية عاجزة عن تأمين الأمن للعراقيين ولهذا لا بد من الاعتماد على قوات الاحتلال (وهذه القوات "الأمريكية" غير قادرة أن تؤدي واجبها في حماية أمن العراقيين، لأنها بدون تمويل مالي) وهذا ما يريد السيد بوش أن يضلل به الرأي العام الأمريكي وبعض رجالات الكونغرس من ذوي الأفق المحدود بما يدفعهم للتحرك والضغط، باتجاه دعم موقف الإدارة بتمويل القوات بدون الوقوف عند مطالب الديمقراطيين بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق.
خامساً: ظاهرة هجرة العراقيين:
بدون سابق إنذار طفا موضوع نزوح، وهروب وهجرة العراقيين إلى خارج بلدهم (أكثر من خمسة ملايين عراقي) على سطح اهتمامات المنظمات الدولية، ومنها الأممالمتحدة ورغم مأساوية وضع هذه الملايين (وجلهم من أصحاب الكفاءات والخبرات العراقية التي بناها النظام الوطني في العراق قبل الاحتلال)، فإن هذا الاهتمام المفاجئ بشؤونهم وأوضاعهم يثير التساؤلات ويبعث على الدهشة لاسيما وأن المهتمين أيَّاً كانت مسمياتهم تجاهلوا قضية أساسية يمكن أن تعالج أوضاع ومأساة هذه الملايين وهي مسألة الإقرار بحقيقة أن معضلة العراقيين هذه إنما هي نتاج لأسباب باتت معروفة وبدون معالجة هذه الأسباب لا يمكن معالجة نتائجها أي أن سبب كل معاناة العراقيين في داخل البلاد وخارجها هوالاحتلال، ولذلك فإن هذه المؤتمرات والتصريحات لن تشبع من جوع ولا تروي من عطش (للعراقيين) فبدون خروج الاحتلال وعملائه الذين جاءوا معه من العراق فإن الفشل سيكون النتيجة الحتمية لكل هذه المحاولات التي لا نرى فيها إلا محاولة لذر الرماد في العيون.
سادساً: بوش وبلير وقضية دارفور:
لا يزال كثير من الناس يتساءل ما هوسر كل هذا الاهتمام من قبل السيدان بوش وبلير بقضية دارفور بل والضجة التي تفتعل كلما احتاج كبيراً المجرمين قشه ينقذان بها أنفسهما من الكم الهائل من المشاكل التي زجوا بها بلدانهم مع العالم.
إن اهتمام بوش وبلير في موضوع دارفور بشكل موجز جداً لا علاقة له بقضية إنسانية أوحراك لضمائر نائمة كما يحاول الاثنين إظهاره للعالم (كذباً) بل إن دارفور تعني للإدارتين الأمريكية والبريطانية جانب آخر غير منظور إلا وهوأن هذا الجزء منه السودان يضم في باطنه خيرات وفيرة وكنوز تسيل لها لعاب المستعمرين حيث النفط والمعادن المهمة كاليورانيوم مروراً بالطبيعة والموقع الاستراتيجي كذلك فإن إخفاقات كلا عتاه المجرمين في العراق وتراجع شعبيتهما داخل بلدانهم جعلتهما يفتشان عن وسيلة ربما توقف سرعة انحدارهم نحوالهاوية فكان استغلال موضوع دارفور وسيلة سهلة جاهزة لإظهار بوش وبلير وكأنهما حريصان على الإنسانية وضد المجازر (يلاحظ هنا أن موقع google على الإنترنت مع جمعية الهولوكست قد نظما حملات دعائية قوية عبر الإنترنت للفت أنظار الرأي العام الأمريكي نحودارفور وإإبعادهم عن الاهتمام بما يحدث في العراق) وهذا ما اعتقد الرئيس بوش أنه سيكون بمثابة طوق نجاة له أقلها داخل إطار البيت الأمريكي لاسيما وأن الانتخابات الأمريكية أصبحت على الأبواب.
لقد فات السيدان بوش وبلير أن جعجعتهما الكاذبة حول دارفور لن تنسي العالم أجمع بما فيهم الشعوب الأمريكية ما يحدث من مجازر يومية في العراق على يد قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية والمليشيات العميلة لهما فكيف يكون السيدان بوش وبلير خائفين على الإنسانية في دارفور وهما يمارسان أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العراق أليست هذه من أكبر المهازل.
سابعاً: تمرير قانون سرقة النفط العراقي:
لوأردنا بحسابات بسيطة أن نعلل كل هذه الفوضى العارمة المنظمة (أوالخلاقة حسب الوصف الأمريكي) في هذه الأيام لاسيما هذه المجازر التي ترتكب في جميع أنحاء العراق وآخرها ما أشرنا إليه أعلاه في (الجادرية وجسر الصرافية والصدرية ومدينة الثورة..) فإن جهود الأمريكان وعملائهم من المالكي وأشباهه فإن كل هذه الجرائم التي ترتكب لم تعد مجهولة الهوية بل بات واضحاً أنها وبلا تأويل وبلا تردد صناعة مخابراتية أمريكية وهذا الأمر أصبح واضحاً ولا يحتاج إلى دليل والعراقيين لم يعودوا بحاجة إلى من يحلل ويفسر لهم ما يحدث فالأمريكيين وعملائهم كلما أرادوا تمرير مشروع استعماري ضد إرادة ومصلحة الشعب العراقي يعمدون إلى إلهاء الناس بأنواع مبتكرة من الجرائم ولهذا فإننا نربط بشكل لا يقبل اللبس أوالشك بين كل هذه التفجيرات الأمريكية الحالية وبين الضغط باتجاه تمرير مشروع سرقة ثروات العراق وفي المقدمة منها النفط العراقي حيث تشير الدراسات أن أرض العراق تحوي في باطنها أكبر مستودعات للنفط في العالم وهذا كان أحد أهم أسباب احتلال العراق.
خلاصة: وفي ضوء ما تقدم نؤكد أن كل هذه الظواهر والإشكاليات ومعها كل المحاولات اليائسة لبوش وبلير لن تغير الأمور على الأرض؛ بل أن النتائج تكاد تكون محسومة وتثبت أن الفشل الذريع والخيبة والخذلان هي النتيجة الحتمية لما ستؤول إليه سياسات الإدارتين الأمريكية والبريطانية وأن النصر حليف الشعوب المكافحة المجاهدة وفي مقدمتها شعب العراق الأبيّ البطل وقرة عينه المقاومة الوطنية العراقية. عن شبكة البصرة نت