ليست صدفة أن تكون مصر الدولة العربية الأولى في عهد ما بعد الربيع العربي التي تجري فيها انتخابات رئاسية يتنافس فيها المرشحون في ظلّ فرص متكافئة للجميع، ودون هيمنة أمنية أو تسلط من الحزب الحاكم، الذي كان يوفر أجواء انتخابية فاسدة تصرف غالبية الجمهور عن المشاركة أو حتى الاهتمام بأية عملية انتخابية، فكان يمرّ حدث الانتخابات الرئاسية بشكل عابر، فيما يمتلئ هامشها بتحليلات وتعليقات فيها من السخرية اللاذعة أكثر بكثير من التعاطي الجدّي مع نتائجها المعلوم بالضرورة أنها مزيفة. وليس أمراً مبالغاً فيه أن تتجه أنظار العالم كلّه عموماً وفلسطين خصوصاً صوب مصر وهي تنتخب رئيسها، وتطلّق مرحلة التبعية التي كانت معادلتها لا تقبل إلا برئيس يجتهد في التقرب لأمريكا بالإساءة لشعبه، وبتقديم قرابين الخنوع للمحتل الإسرائيلي إلى درجة الاشتراك معه في حصار غزة وتجويعها! مصر الآن تصنع غدها بإرادتها، وتثبت أن الثورة على الظلم قادرة على أن تنجز إن تمسكت بمبادئ الحرية، ولم تحل بين الناس واختيارهم، وامتلكت إرادة التغيير التي لا تسلّم بأن الخنوع والتخلّف والاستبداد هي أمور من نصيب المواطن العربي دائما، أو أنّ مصيره بيد الغرب مهما اجتهد في التفلّت منه، أو أنه لا يملك سوى أن يظلّ أسير الجري وراء لقمة عيشه ونبذ التفكير فيما سواها. وكفلسطينيين، من الطبيعي أن يهمّنا الشأن المصري خصوصا، والعربي والإسلامي عموما، وأن نرصد تجليات التغيير الذي بدأ في العالم العربي منذ ثورة تونس ثم ما تلاها، ذلك أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تنفصل عن عمقها العربي والإسلامي، مهما اجتهدت بعض الأطراف في تعميق عزلتها. ومن الطبيعي كذلك أن يكون هذا العمق مفيداً للقضية الفلسطينية إذا ما كان جسده سليماً ومعافىً، وإذا ما كان ممتلكاً حريته وإرادته وقراره، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأنه كان ضرباً من الخطأ والوهم أن نجتهد سابقاً في طلب النصرة من شعوب مقهورة ومسكونة بالخوف ورازحة تحت نير الاستبداد، وغير قادرة على النظر مسافة أبعد مما يتطلبه تحصيل قوت يومها، وتأمين رقبتها من غضبة حاكمها عبر رقابتها الذاتية على نفسها! ننظر إلى مصر هذه الأيام، ونترقب نتيجة انتخاباتها بفارغ الصبر لأننا ننتظر مبشّرات مرحلة ما بعد الاستقرار التي يطمح المصريون وعموم العرب للوصول إليها، وهي مرحلة ستعني لفلسطين الكثير قضية وشعبا، تماماً كما أنها تبشّر بالخلاص من عهد الحكم المطلق لصالح حكم المؤسسة والقانون. تستحق مصر كما تستحق عموم الدول العربية الأخرى أن تعود لاكتشاف ذاتها والتعرف على طاقاتها، وأن تعلو قيمة الإنسان فيها، ليكون ثروة منتجة ومتفاعلة، وتستحق فلسطين بدورها عمقاً عربياً نابضاً بالحرية وممتلكاً إرادته، ومطلّاً عليها من نافذة الانعتاق والكرامة والإحساس الحقيقي بالمسؤولية! هنيئاً لمصر إنجازها الجديد، والعقبى لكل الساحات العربية التي لا تزال نازفة، بانتظار ساعة خلاصها! الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة