يتّضح مما نشرته الصحف الصهيونية، بأنّ انتصارات الكيان الصهيوني ولَّتْ إلى غير رجعة، وأنّه أصبح يراهن على مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وإنقاذه من ورطته في لبنان. وبعد أنْ كانت أخبار المعارك والغارات تتصدّر عناوين الصحف الصهيونية، تصدّرت عناوين هذه الصحف اليوم الجهود الدبلوماسية في أروقة الأممالمتحدة، لاستصدار قرارٍ بوقف إطلاق النار. وقالت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبريّة في عناوينها الرئيسية: "اتفاق بين فرنسا وأمريكا..حزب الله سينسحب ولن يتمَّ نزع سلاحه.. وجيش الدفاع سينسحب مع انتشار قوة الأممالمتحدة". وتحدّثت الصحيفة عن الاتصالات المكثّفة في مقرّ الأممالمتحدة في نيويورك في مسعى للتوصل إلى اتفاقٍ حول نصّ مشروع القرار الذي سيطرح على مجلس الأمن الدولي، متوقّعةً أنْ يتمّ التصويت عليه غداً السبت. وأشارت إلى الخلاف حول طبيعة مهام القوة الأممية التي ستنتشر في جنوب لبنان، وهل ستكون قوة تنفيذية، أم قوة مراقبة فقط؟. وقالت إنّ الخلاف حول هذه النقطة يتعلّق بالفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، الذي يتيح للقوة الأممية استخدام القوة. ولكن هل يلبّي القرار المرتقب طموحات حكومة الكيان، وتحقيق أهدافها من الحرب؟. تتجنب الصحف الصهيونيّة الإجابة مباشرةً على هذا السؤال، وإنْ كانت أجابت عنه بشكلٍ غير مباشر حين نسبت لمصادر عسكرية صهيونية قولها إنّ القرار لا يتطرّق إلى عملية إفراجٍ عن الأسيرين، مما يجعل حكومة الكيان مضطرة للاستجابة لشروط "حزب الله" التي وضعها بعد عملية أسْرِهما، واللجوء إلى عملية تفاوض غير مباشرة مع الحزب لتحريرهما. وفي حين بدا أنّ إيهود أولمرت يدعم حلاً سياسياً للأزمة، فإنّ الأصوات المعارضة بدأت تظهر. وذكرت "يديعوت احرنوت" أنّ الجنود الصهاينة الذين وصفتهم بأنهم متمترسون في مواقعهم في لبنان، أبدوا غضباً تجاه ما وصفوها المواقف المتأرجِحة لحكومتهم. ونقلت الصحيفة عن هؤلاء قولهم إنّ الحكومة لا تأخذ مواقفَ حاسمة، وهي حكومة متردّدة، مما يؤثّر على سير المعارك. وذهبت صحيفة "هآرتس" أبعد من ذلك في الحديث عن خلافاتٍ بين المستويَيْن السياسي والعسكري، وانفردت بمعلوماتٍ حول موقف الإرهابيّ دان حالوتس رئيس هيئة الأركان، المعارض لموقف الحكومة حول القرار المرتقب. وحسب هذه الصحيفة؛ فإنّ هيئة الأركان تريد إعطاءها الفرصة لإنهاء الحرب بالطريقة المرجُوّة، وأنها واثقة من تحقيق النصر على حدّ تصوّرها. وشكّل ذلك، على الأرجح، إشارةً إلى نوع النقاشات والمزايدات التي ستعقب وقف إطلاق النار داخل الكيان الصهيونيّ، والحديث الواسع المرتقب حول ما جرى في الحرب السادسة التي يخوضها الكيان، وهذه المرّة دون تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة، والتي قد تكون الأهمّ. والخلافات لم تقتصرْ بين المستويَيْن السياسي والعسكري، ولكنّها وصلت إلى معسكر السياسيين. وتحدّثت صحيفتا "يديعوت أحرنوت" و"معاريف" الصهيونيّتيْن عن الخلافات بين "أولمرت" ووزيرة خارجيته "تيسبي ليفني"، التي حزَمت حقائبها للسفر إلى نيويورك، وهاتفته قبل سفرها، ولكنّها فوجئت به يمنعها من السفر ويطلب منها البقاء في الكيان. وكان مقرّراً أنْ تلقي ليفني كلمةً أمام مجلس الأمن، وتلتقي نظيرتها الأمريكية كوندليزا رايس التي سبقتها إلى نيويورك، لتشرِف على صدور القرار المرتقب. واستعدّ بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود والمعارضة، لجولةٍ جديدة من الصراع السياسيّ مع أولمرت، بعد أنْ قدّم له الولاء خلال الحرب. ووجّه نتنياهو انتقادات حادة للحكومة، لدعمها لمشروع قرار وقف إطلاق النار، قائلاً إنّه قرار سيء يتخذ بدون أنْ تحقّق حكومة الكيان أهدافها من الحرب. ووصف القطب الليكودي ووزير الخارجية الصهيوني السابق سيلفان شالوم، اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب، بأنّه من أسوأ الاتفاقات التي عرضت على الكيان خلال عقود. ورأى شالوم أنّ عدم تجريد حزب الله من سلاحه "سيكون بمثابة مكافأة له"، وأكّد أنّه إذا قبلت الحكومة بالاتفاق الآخذ بالتبلور فإنّ حزب الليكود سيعود إلى ممارسة نشاطه كمعارضةٍ بعد أنْ علّق هذا النشاط بسبب الحرب. ورأى معلّق صحيفة "هآرتس" العسكري؛ زئيف شيف، أنّ أيّ اتفاقٍ غير جيّد لوقف إطلاق النار لن يحلّ المشكلة. وكتب في مقالته على الصفحة الأولى من الصحيفة: "توقيع أية اتفاقية سيئة، لن يكون أمراً مجدياً، بل إنّ ذلك سيُحدِث نقطة تحوّل جديدة في الصراع العسكري لاحقاً". ونشرت صحيفة "هآرتس" استطلاعاً أبان أنّ 20% فقط من الصهاينة يعتقدون أنّ جيشهم كسب الحرب، وعبّر 73% عن استيائهم من الطريقة التي تعاملت بها حكومتهم مع المستوطنين في الشمال المحتلّ. واهتمّت الصحف الصهيونية بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي كانت سخِرت منه قبل أيام، وهدّدته بالويل والثبور رداً على تهديدات وزير خارجيته وليد المعلم في لبنان، الذي رحّب بالحرب الإقليمية مع الكيان الصهيوني، ولكنّها تراجعت الآن مشيرةً إلى أنّه كان أكثر ذكاءً مما توقّعت حكومة الكيان. وقالت صحيفة "هآرتس" إنّ الإدارة الأمريكية قلقة مما وصفته الدور المتعاظم للأسد في المنطقة، وفي لبنان التي ما زال تأثيره فيها كبيراً. ونسبت الصحيفة لمسؤولٍ أمريكيّ رفيع قوله: إنّ تعاظم دور الأسد هو نتيجة لعدم فرض قيودٍ مباشرة عليه، كما حدث مع صدام حسين سابقاً، وبسبب أنّ الضغوط الدولية عليه لم تكنْ صارمة، على حدّ تعبيره.