رئيس جامعة بنها يشارك في مائدة مستديرة حول مستقبل الجامعات بعصر الذكاء الاصطناعي    بسبب إغماء رئيس اللجنة، إيقاف مؤقت للجنة رقم 18 ببني صالح بالفيوم    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    آخر تطورات سعر الدرهم الإماراتي في البنوك المصرية    تأجيل محاكمة 8 متهمين في قضية "التخابر مع داعش" لجلسة 11 يناير    صدام بين ترامب وحليفته الجمهورية "مارجوري تايلور جرين" بعد زيارة الرئيس السوري للبيت الأبيض    علي ماهر: فخور بانضمام سبعة من لاعبي سيراميكا لصفوف المنتخب    ياسر إبراهيم: توقعنا هجوم جمهور الزمالك على زيزو.. وكنت أتمنى مواجهة بيراميدز    علي ماهر: فخور بانضمام سباعي سيراميكا للمنتخبات الوطنية    الخريف يغضب، أمطار رعدية ورياح تضرب البلاد نهاية الأسبوع    اندلاع حريق في عقار مكون من 6 طوابق بالقليوبية، والحماية المدنية تهرع إلى المكان    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    في واقعة الشاب المصفوع.. عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    مهرجان القاهرة السينمائي يعلن القائمة النهائية لمسابقة الأفلام القصيرة في دورته ال46    محمد عبد العزيز: صناع البهجة يُكرَّمون ثم تُتجاهل أفلامهم    الجامعة الأمريكية بالقاهرة تحتفل بفوز الكاتب إبراهيم نصر الله بجائزة نيوستاد الدولية للأدب    بعد الأزمة الصحية لمحمد صبحي.. شقيقه: وزير الصحة تواصل مع أبنائه لمتابعة حالته (خاص)    دار الافتاء توضح كيفية حساب الزكاة على المال المستثمر في الأسهم في البورصة    التجاري الدولي ومؤسسة إبراهيم بدران يحتفلان بافتتاح عيادة الأسنان المتنقلة ضمن مشروع "أطفالنا مستقبلنا"    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    تحرير 110 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية داعش مدينة نصر لجلسة 11 يناير    أوباميكانو: هذا الثلاثي أسهم في نجاحي    اجتماع تنسيقي بين الأهلي وسموحة لترتيبات سوبر اليد    الجيش السودانى يتقدم نحو دارفور والدعم السريع يحشد للهجوم على بابنوسة    برشلونة يرد على اتهامات الاتحاد الإسبانى بشأن أزمة لامين يامال    إحباط من المقربين.. حظ برج الدلو غدًا 12 نوفمبر    إقبال كثيف على جميع لجان الاقتراع فى انتخابات النواب بالإسكندرية.. فيديو    «سنة و50 يومًا» يحتاجها زائر المتحف المصري الكبير لمشاهدة كل القطع الأثرية المعروضة (تحليل بيانات)    التغيرات المناخية أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى وتعيد رسم خريطة الزراعة.. ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول يؤثر على الإنتاجية.. ومنسوب سطح البحر يهدد بملوحة الدلتا.. والمراكز البحثية خط الدفاع الأول    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    البورصة المصرية تخسر 2.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رئيس مياه القناة يتابع سير العمل بمحطات وشبكات صرف الأمطار    تاريخا جديدا بهتاف تحيا مصر فى أول مشاركة برلمانية بأكتوبر.. فيديو وصور    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    مدير أمن أسيوط يتفقد التمركزات الأمنية بمحيط اللجان الانتخابية    وفد من جامعة الدول العربية يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    «العمل» تستجيب لاستغاثة فتاة من ذوي همم وتوفر لها وظيفة    رحلات تعليمية وسياحية لطلاب المدارس بالشرقية    «أنا مش العقلية دي».. ياسر إبراهيم يرفض الاعتراض على قرار حسام حسن    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    طن عز الآن.. سعر الحديد اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 أرض المصنع والسوق    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن كتاب التغيير!
نشر في الشعب يوم 13 - 05 - 2012

قرأتُ المصحف بهذه النِّية باحثًا عن آفاق التغيير وسُنَنِه ونماذجه، فوجدتُ الكثير، وشعرتُ بالاغتباط وأنا أقف على كنوزٍ من الأسرار العجيبة.
التحلُّل والتراجع والضعف سُنة إلهية، كما هي في الأجساد حين تكبر وتهرم، كذلك هي في المجتمعات والدول، تمهيدًا للزوال والانقراض.
حتَّى الدول الراشدة الصالحة، وحكومات الأنبياء والخلفاء لا تدوم.
التغيير الإيجابي يعالج هذه السُنَّة، ويفلح في تأخير السقوط؛ فقد تسقط الدولة في قرنٍ، وقد تَمتدُّ لخمسة قرون أو ستة.
الذين يرفضون التغيير يَسْتَسْلمون لِحَتْمِية التراجع، ولذَا يسرعون السقوط، وربَّما هربوا منه إليه، فداووه بالتي كانت هي الداء!
في القرآن التعبير ب«الأجل».
فكمَا للإنسان أجل لا يُقدَّم ولا يُؤخَّر؛ {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:11]، فكذلك للمجتمعات أجل، وهذا في القرآن أكثر، وأنا بصدد حشد الآيات التي فيها الحديث عن آجال الأمم والأقوام، كما في قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34].
وبعض الآيات تحتمل هذا وهذا، كقول نوح عليه السلام: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[نوح: 4]. وهو إلى الثانِي أقرب؛ فالإمهال هنا للأُمَّة كلها بتأخير العذاب عنها.
بعض الكيانات التي حانَ أجلها تُصارِع للبقاء، وتظن أنَّها بقوتها العسكرية وقتلها المزيد من الناس، أو أنَّها بآلَتِها الإعلامية التي تضلِّل بها المغفَّلين، أو أنَّها بقبضتها الأمنية التي تنشر بها الرعب؛ تحصل على الفسحة في الأجل!
كلا.. فالسُنَّة والناموس أنَّ أجل الله إذا جاء لا يؤخَّر، والشيخوخة في حياة الدول كَهِي في حياة الفرد؛ ضعف في الخلايا، وتراجع في الأداء، ووهن في النفس، وانحدار لا يمكن تلافيه، يثقل السمع في الأمَّة فلا تسمع النَّذِير، ويضعف بصرها فلا ترَى الخطر القادم..
السنة الربانية تقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].
هَذِه فرضية أنْ لو دام لهم الإيمان والتقوَى بِمُعدَّلِها المرتفع لتحقَّق لهم الوعد، على أنَّ دوام الحال من المحال، وتغيُّر الأجيال مُحَتّم بلا جدال.
التحلُّل والزوال هو بفعل الإنسان قطعًا؛ {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41].
بعض الأزمات عابرة للتَّنْبِيه؛ {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، ولذا تكون الأزمة تجديدًا لنسيج الدولة، وتحفيزًا على تغيير خلاياها الفاسدة، وإصلاح نُظُمِها، وضَخّ الدماء الشابة النشطة فيها.
وبعضها أزمات مُقِيمة مستوطنة تفعل فعلها البطيء الخطير الذي يدركه العقلاء بِحِسّهم البصير، ولا يدركه غيرهم حتى تتحقق نتائجه فيظنونه مفاجأة أو نتيجة من دون أسباب.
هنا «قانون السنة الإلهية» المحتمة يعمل في خط منتظم مؤكَّد..
يعمل في مجتمعٍ مسلمٍ كمَا يعمل في مجتمع كافرٍ، قانونه العدل والإنصاف، ولذَا يُرْبَط الزوال بالظلم.
و«قانون الفعل البشري» فالناس يُفكِّرون ويخطّطون ويتحالفون ويتآمرون ويقاتلون ويتكلمون ويُهدّدون، ولكل امرئ إرادة وقدرة، تتَّفق أو تختلف عن إرادة الآخرين، ولكل شعب أو حكومة أو دولة إرادة وقدرة تتَّفق أو تختلف عن إرادة الآخرين، ومن هنا يبدأ الصراع بين هذه الإرادات.
ما بين خط السُنَّة الإلهية الجارية الخفية..
وخط الفعل البشري الظاهر المشاهد..
تقع الحيرة للناس.. متى تقف هذه لتبدأ تلك؟ وأين ميدان عمل كلٍّ منها؟
كيف يفهم المؤمن ما جرَى في العراق، هل هو وفق سنة إلهية محكمة، أم مجرد فعل بشري أممي أو إقليمي؟
كيف يفهم ما يجري في فلسطين؟
كيف يفهم ما يجري في أفغانستان؟
كيف يفهم ما يجري في تونس؟
كيف يفهم ما يجري في مصر؟
كيف يفهم ما يجري في ليبيا؟
كيف يفهم ما يجري في سوريا؟
كيف يفهم ما يجري في اليمن؟
هل القصة مؤامرات خارجية؟ وهل تفعل المؤامرات الخارجية فعلها بعيدًا عن سنة التاريخ الربانية؟ ومتى ينتهي هذا ليبدأ ذاك؟
إنَّ السنن ناتجة عن فعل الإنسان، فهي الأثر المتحقق من جراء ما يعمل؛ {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
وهي لا تُعبّر عن أفراد محدودين، ولكنها «الاستفتاء الإلهي» الناتج عن المجموع، ولذا فهي العدل الصارم، وربَّما داخلها الفضل والرحمة والإمهال.
ولذَا يحدث أن يأخذ الله أُمَّةً أو شعبًا وفيهم الصالحون؛ لأن الفساد والخبث عليهم أغلب، وربما حوكم مصلحون على أعمالٍ كانوا يظنونها القَدْرَ الممكن من الإصلاح وتقليل الشرِّ في فترةٍ ما.
فعن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا فَزِعًا محمَرًّا وجهُه يقولُ: «لا إله إِلَّا الله، وَيْلٌ للعرب من شرٍّ قد اقتربَ، فُتِحَ اليومَ من رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مثلُ هذه». وحَلَّقَ بإصبعه الإبهام والتى تليها. قالت: فقلتُ: يا رسولَ الله، أَنَهْلِكُ وفِينَا الصالحُون؟
قال: «نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ». متفق عليه.
قَدْرٌ من الخير هو سبب طول الأجل لدولةٍ ما، وهو سبب العراك والجدل الذي يُصاحِب زوالها!
علينا أن ندرك أنَّ أولئك الصالحين كانوا يشاهدون الموقف، ويرون النُّذُر، ويحاولون، ومع هذا حقَّ عليهم الهلاك، وهم في الآخرة يُبْعَثُون على نِيَّاتِهم، أما في الدنيا فالسُّنَّة لا تستثنِي أحدًا.
كثيرٌ إذًا مِمَّن يحملون همّ الإصلاح يجهلون أو يغفلون عن «الإمكانية السُّنَنِيّة» التي تمضي وفق ما هو مرسوم لها ومُحَتَّم لا رجعة عنه.
وكثيرون يجهلون القُدْرَة والاستطاعة التي يُمكِّنهم منها واقعهم، فليست القدرة مجرَّد رؤية علمية، ولا رغبة وجدانية، إنَّها قراءة الواقع وفهمه ومعرفة مدَى ما يسمح به، ففي المجتمع تيارات واتجاهات ورُؤى مُتبايِنة وقوى صادقة وأخرَى تتظاهر بالصِّدق وتكوينات وتراكمات وثقافات يَصعُب تجاهلها.
تمكين الفرد من ممارسة أقصَى طاقته الذهنية والعملية، وتمكين المؤسسة من تنظيم نفسها وأداء مهمتها، واقتصار دور المجتمع والدولة على تنسيق هذه الأعمال لتكون منتجًا نافعًا، يصل بالأُمَّة إلى أقصى أمدها وأجلها المحتوم.
والتدافُع هنا سُنَّة قائمة، فلا خوف مما يحدث في مجتمعات حُرَّة من تنازع الإرادات، واختلاف الرُّؤى والتشكيلات السياسية، ما دام الطيف كلُّه يؤمن بحق الآخر في التفكير والقول والفعل، ويَحْتَكم إلى العدل.
كما مرَّ الخضر بجدارٍ يريد أن ينقضَّ فأقامَه بحركةٍ من يده، يستطيع المصلحون أن يَمُدُّوا في أعمار مجتمعاتهم ودولهم وجماعاتهم بالوفاء للماضي؛ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}، وإدراك إمكانات الحاضر وفُرَصه، {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا}، والتخطيط الناجح للمستقبل؛ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}.
وهذَا وذاك فيه فعل العبد الظاهر المُشاهَد بالعيان، وفيه السُّنة الإلهية التي هي فعل الرب؛ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82]!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.