أكد الدكتور سعد نصار- مستشار وزير الزراعة المصري- أنَّ تحكُّم الدولة وإحكام قبضتها على القطاع التعاوني في مصر والتدخل الحكومي الشديد في شئون الحركة التعاونية المصرية أدَّى إلى إضعاف دورها الحيوي الذي كانت تقوم به في خدمة المجتمع والتنمية المحلية والريفية، خاصةً في القطاع الزراعي وخدمة الفلاحين والمزارعين. وأشار نصار إلى أنَّ الحركةَ التعاونيةَ في مصر كانت قبل ذلك تُساهم في تسهيل القروض للمزارعين وتسهيل تسويق المحاصيل الزراعية المختلفة في الأسواق المحلية والدولية ولكن بعد إنشاء البنوك التعاونية الزراعية تقلَّص دور التعاونيات في مصر؛ حيث سُحب منها التسويق الزراعي والائتمان الزراعي وكافة اختصاصاتها بعد زيادة عملية التحكم الإداري الشديد من جانب الحكومة عليها. جاء ذلك في الندوة التي نظَّمها مركز دراسات وبحوث الدول النامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة امس الاثنين تحت عنوان "دور الدولة في تطوير التعاونيات"، والتي شارك فيها العديدُ من خبراء الاقتصاد والعلوم السياسية والمتخصصين في مجال القطاع التعاوني، منهم الدكتور أحمد عبد الظاهر- رئيس الاتحاد العام للتعاونيات والاتحاد العربي للتعاونيات-، والدكتورة منى البرادعي- عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية-، وعدد من أساتذة الاقتصاد بجامعات مصر المختلفة. وقال نصار إن التعاونيات تستطيع القيام بدورٍ كبيرٍ في خدمة التنمية المحلية والريفية في حالة رفع الدولة يديها عن هذا القطاع؛ حيث إنه بإمكانها القيام بخدمة أكبر وبتكلفة أقل في خدمة المزارعين وربط المزارعين بالأسواق المحلية والدولية عن طريق التعاونيات الزراعية. واستكمالاً لاعترافات نصار شنَّ عددٌ كبيرٌ من الخبراء المشاركين في الندوة هجومًا حادَّا على النظام والحكومة المصرية، واعتبروهما المسئول الأول والأخير عن تدمير القطاع التعاوني في مصر وإسهامهما الكبير ومباركتهما لتفشي صور الفساد المختلفة في هذا القطاع الذي كان يلعب دورًا هامًّا في النشاط الاقتصادي المصري. وأوضح الدكتور محمود منصور- أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر أنَّ غيابَ الديمقراطية وإضعاف دور منظمات المجتمع المدني بسبب النظام السلطوي والاستبدادي جعل التعاونيات فريسةً لأعدائها، خاصةً بعد أن أصبحت هناك ثقافةٌ سياسيةٌ وإعلاميةٌ مضادةٌ للتعاونيات تطالب بإنهائها، موضحًا أن هناك فئةً من مصلحتها القضاء على هذا القطاع تمامًا. وقال: إن الحركةَ التعاونية المصرية لن تموتَ مهما واجهها من صعوباتٍ وتحدياتٍ؛ لأنها فكرة حيوية تلعب دورًا مُهمًّا في كافة المجتمعات سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية أو حتى في المجتمعات والنظم الرمادية. ولفت الدكتور محمد شبانة- أستاذ العلوم السياسية بجامعة 6 أكتوبر- الانتباه إلى أن تزاوج السلطة مع رأس المال أدَّى إلى التفاف رجال الأعمال حول الجمعيات التعاونية للاستفادة الشخصية منها، واعتبروها أحد مصادر الاستثمارات الذكية ذات العائد الوفير أو ما يمكن أن يُطلق عليها "مخدرات العصر"، خاصةً في مجال التعليم الخاص والذي يشترط فيه أن يُرخَّص له من خلال جمعيةٍ تعاونيةٍ بهدف خدمة المواطنين إلا أنهم وباستخدام نفوذهم السياسي يقومون باستغلال هذه الجمعيات لمصالحهم الشخصية. وتساءل: لماذا يغضُّ المشرع أو صانع القرار المصري الطرفَ عن هذه الظاهرة الخطيرة؟ وأشار شبانة إلى أنَّ العملَ التعاوني له أشكالٌ عديدةٌ ومتنوعة فهو من الممكن أن يكون في الخير أو الشر سواء كان تعاونًا رسميًّا أو غير رسمي، مسترشدًا بقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: من الآية 2). واستكمل الدكتور كمال المنوفي- الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة- قائلاً: إن المركزية السياسية المفرطة التي عشنا وما زلنا نعيش في كنفها في ظل نظامنا السياسي وما تبعها من استبداد مصاحب بقبضة أمنية لإدارة كافة شئون المجتمع وما ترتب عليها من فساد وانحلال أخلاقي أدَّى كل هذا إلى تقييد العمل، إضافةً إلى شيوع الكراهية والعداء للحكومة ووجود فجوة كبيرة من عدم الثقة بين المواطنين من ناحية والحكومة من ناحيةٍ أخرى، وكذلك ظهور وتفشي بعض الأخلاق والصفات الخبيثة التي خلقها الاستبداد مثل الكتمان والنفاق واللف والدوران وغير ذلك. وتوصَّل المشاركون إلى عددٍ من التوصيات والمقترحات أهمها: إصدار تشريع قانوني يُوحِّد الحركة التعاونية المصرية باعتبارها منظمات شعبية، خاصةً توحيد القواعد السارية على التعاونيات والمتفرقة في سبعة قوانين. وكذلك تعزيز مفهوم الشراكة بين الدولة والقطاع التعاوني كما هو شأن القطاع الأهلي؛ بحيث تتكامل أدوارهم باعتبارهم شركاء في التنمية، ثم تحرير الحركة التعاونية وترسيخ استقلالها وإرساء الممارسة الديمقراطية خلالها مع وضع الضوابط التي تتضمن الشفافية لأعضائها وقدراتهم على مساءلة الإدارة عن تصرفاتهم، وأيضًا تأكيد دور الجمعيات في المجالات الاستهلاكية والإنتاجية والزراعية والإسكانية والثروة المائية وضرورة دخولها مجالات جديدة مثل حماية البيئة وحماية المستهلك والأنشطة الرياضية والعلمية، وغير ذلك.